سرق محفظة خالية فأعادها لصاحبها وهي مليئة بالنقود!
ارشيف واعداد عامر بدر حسون/
كان ع.ع في طريقه الى منزله بعد أن حفيت قدماه وراء الوساطات والشفاعات. وبعد أن هدّه الجهد والإعياء، فقد أمضى يومه يجاهد ويناضل في سبيل إلحاق ابنه بإحدى المدارس الثانوية مجاناً. وفي الطريق كان الرجل يسير وهو يتحامل على نفسه الحزينة المنكسرة.. ولكنه أدرك أن الطريق إلى منزله مازال طويلاً..
وكان يعرف أن رجليه لن تقدرا على حمله إلى بيته.. فوقف.. ثم سار عدة خطوات ووقف على رصيف إحدى محطات الترام، وجاء ترام، وتردد الرجل في ركوبه بادئ الأمر..لكنه نجح في إقناع نفسه بضرورة التسليم والتضحية بآخر ثمانية مليمات كانت معه في سبيل إراحة نفسه من عناء الطريق..
أخرج الرجل حافظة نقوده وأخذ منها المليمات الثمانية ثم ألقى عليها نظرة وداع استقرت بعدها في يد “الكمساري”.. وبعدها أعاد حافظته الى جيبه.
في البيت تبين ع.ع أنه فقد حافظة النقود.. فلم يملك إلا أن يضحك بكل قوة!
سخرية وأسى.. لم يكن بالحافظة نقود.. حتى ولا مليم واحد.. وكل ما كان يهم الرجل هو ما بها من أوراق تخص ابنه: منها شهادة الميلاد واستمارة مجانية لإعفائه من المصروفات وبطاقات تحمل اسم الرجل وعنوانه ومسودة خطاب..
بعد عدة أيام وصلت الرجل حافظة نقوده ومعها عشرة جنيهات.. وخطاب رقيق!!
أما كيف حدث هذا فإن نشّالاً سرق الحافظة بعد أن خيّل إليه أنها عامرة.. وبعيداً عن أعين الرقباء فحص اللص محتوياتها، فصادفته شهادة الميلاد فقذفها، ثم الاستمارة المجانية فقذفها ايضاً، ولكنه عندما قرأ مسودة الخطاب قام باعتناء وجمع الورقتين ووضعهما برفق داخل جيبه ثم جلس يطالع مسوّدة الخطاب مرة أخرى.. لقد كان كاتبه صاحب الحافظة.. وعرف اللص من بطاقاته أنه يعمل ساعياً في إحدى الوزارات.. وكان يطلب في خطابه من أحد أقاربه في الريف أن يقرضه جنيها حتى يستطيع أن يكمل به ثمن بدلة لابنه يرتديها عند دخوله المدرسة الموعودة..!
تأثر اللص الكريم بخطاب الرجل ولهجته المؤثرة، فكان أن أرسل إليه حافظة نقوده التي نشلها منه ومعها أوراقها، وأرفقها بمبلغ عشرة جنيهات. ثم كتب له خطاباً رقيقاً هذا نصه:
حضرة ع.ع
بعد التحية أتشرف بأن أرسل إليك الأوراق التي نشلتها منك أثناء ركوبك الترام راجياً لولدك التوفيق في الالتحاق بالمدرسة.. وتجد طيّ هذا مبلغ عشرة جنيهات مرسلة مني على سبيل المساعدة..
وأرجو التفضل بقبولها.
الإمضاء
((نشّال))
وخشى الساعي أن يكون في الأمر شيء.. فأبلغ الحادث الى البوليس.. ولكن البوليس لم يستطع التعرف على شخصية اللص الذي صنع في العصر الحديث ما كان يصنع الطيّب الذكر حاتم الطائي منذ أكثر من ألف واربعمئة عام!