سعادات آنية في تفاصيل يومية صغيرة

1٬047

أنسام الشالجي /

رغم انتشار مكائن صنع القهوة بمختلف أنواعها، إلا أن جارتي استمرت تصنع قهوتها بالطريقة الكلاسيكية، وأسعد لحظات يومها، كما تقول حين تحضر قهوتها الصباحية وتصفها بـ (الاحتفال اليومي).
عزمت نفسي على قهوتها قبل أيام لأشاركها احتفالها اليومي وأنا أخطط لكتابة موضوع هذا العدد من (اسلوب حياة) عن التفاصيل الصغيرة في حياتنا اليومية التي تمنحنا سعادات آنية، ولطالما تحدثت عنها في ورش العمل التي أنظمها حول الطاقة الإيجابية التي تمنحنا قدرة على تحمل مصاعب الحياة اليومية.
قرار سعادة
جارتي (أم سعد)، لم تكمل دراستها وانشغلت مبكرة بواجبات الزوجة والأمومة ومتطلبات البيت وتربية الأبناء، وقررت أن تجد لها سعادة خاصة تبدأ بها يومها بعد ذهاب الزوج الى العمل والأبناء الى المدرسة. ولأن رائحة القهوة تمنحها إحساساً بالراحة، قررت أن تصنع قهوتها اليومية باحتفال يبدأ بترتيب زاويتها المفضلة في صالة بيتها الصغير (مشتمل) وكانت تضع الصحف التي يجلبها الزوج قبل أن يغادر الى مكتبه من كشك الجرائد الأشهر في المنصور (ثائر)، الذي تحول الى كشك للمرطبات الآن، وتذهب الى المطبخ لتضع فنجانها المفضل على صينية صغيرة زجاجية وتبدأ بوضع الماء والبن في دلّة صغيرة تكفي لفنجان واحد، وعلى نار هادئة جداً تصنع القهوة التي تنعشها رائحتها، وتعود مع صينيتها الى زاويتها المفضلة، وفي كل رشفة من فنجانها تفكر بهدوء بما يحتاجه يومها. قالت إن احتفالها، على مدى سنوات، كان ناقصاً بسبب بعد كشك الصحف الجديد عن بيتها، وعاد متكاملاً مع بدء خدمة جريدة الصباح بالتوزيع الى المنازل إذ تصلها الجريدة يومياً مع مجلة الشبكة العراقية في يوم صدورها تماماً، وهي تبدأ بوضع الدلّة على النار. قد لا يعني صنع القهوة عند الأخريات إنجازاً او سعادة، لكن أم سعد تلمس سعادة هذا الفعل البسيط او بكلمات أخرى قررت أن تكون سعيدة، ورغم كل مصاعب الحياة ومتاعبها، فإن احتفالها اليومي يمدها بالطاقة للتحمل.
الكتاب
لم تتزوج (شيماء….)، مدرِّسة، فقد كانت الابنة الكبرى، ومع وفاة والدتها أصبحت هي الأم، وحين بقيت في البيت وحيدة وتقاعدت، بدأت تشارك في الورش الخاصة بالطاقة الإيجابية، وقامت باختبار نفسها لتجد سعادتها اليومية، قالت إنها سمعت بالتفاصيل اليومية الصغيرة وجربتها ووجدت الطاقة بعد الاسترخاء الذي تشعر به وهي تقرأ. أصبحت شيماء، كما تصف نفسها، (دودة كتب) وهي في الرابعة والستين. تذهب الى شارع المتنبي مرة واحدة شهرياً وتأتي بالكتب الصادرة مؤخراً، قالت إنها تشعر بأن المؤلفين أصبحوا أصدقاءها وهي تناقشهم بما كتبوه من خلال هوامش تكتبها على صفحات الكتاب الذي تقرأه، ويوماً ما ستتشجع لتناقشهم وجهاً لوجه سواء في المتنبي او في أمسية ما. تتحدث شيماء عن كتبها بسعادة وكأنها هي المؤلفة: “سأكون كاتبة وأصدر كتابي بعد أن أقوم بتجميع الهوامش التي أكتبها، وهي أسئلتي وأجوبة المؤلفين التي تخيلتها”، قالت، وأضافت: “سعادتي أصنعها بالقراءة التي قد تراها الأخريات صعبة او غير مجدية، لكنني أقول إن الكتاب ليس فقط خير جليس في الوحدة، إنما صديق يمنح مع كل صفحة، مهما كان عدد كلماتها، سعادة لا توصف.”
وردة
في دراستها الابتدائية، أهدت (أم رنا) وردة جوري الى مرشدة صفها التي كانت تحبها جداً، ولم تنس أبداً الفرحة التي رسمتها ابتسامة صغيرة على وجه معلمتها (الست هناء)، وحين كبرت وأصبحت أماً ، كادت مصاعب الحياة في تسعينات الحصار الاقتصادي أن تهدم بيتها بسبب المشاكل، بحثت عن حل يوازنها نفسياً خاصة وأن الجميع يواجهون المصاعب نفسها، ويوماً طلبت منها ابنتها (رنا) أن تقطف لها وردة الجوري من سندانة كانت تضعها على حافة نافذة المطبخ لتهديها الى معلمتها في يوم المعلم، وتذكرت فرحة معلمتها وقررت أن توفر بعض المال لتشتري سنادين ورود مختلفة، داخلية وخارجية، موسمية ودائمة، خاصة وأن لا حديقة في بيتها الصغير، ومنذئذ تبدأ يومها بوردة تقطفها وتضعها في مزهرية صغيرة أمامها ما أن تتهيأ لاستقبال يوم جديد. أصبحت الوردة سعادتها وتعوّد زوجها أن يهديها وردة في عيد ميلادها و يهديها الأبناء وردة في عيد الأم. قالت: “قد يمر الشخص، رجلاً كان أم امرأة، أمام مشتل او حديقة ولا تستوقفه الورود، قد يرونها كائناً صغيراً لا يعني شيئاً للحياة”، وهي ترى كل الطاقة الإيجابية بالوردة، ألوانها وأريجها وإصرارها على منح جمالها للآخرين.
تفاصيل صغيرة
التفاصيل الصغيرة، مثل حياكة بلوزة او تطريز شرشف، إهداء هدية صغيرة لأفراد الأسرة، وردة باسمة نستقبل بها الأصدقاء والأقرباء، لا تنسوا أبداً أن التفاصيل الصغيرة تمنح سعادات صغيرة.. لكنها كفيلة بمنحنا طاقة إيجابية.