شتاء بوتين.. على نارٍ هادئة
سرمد عباس الحسيني /
شهد العرب خلال الأيام الماضية، حدثين مهمين كسرا فيهما القواعد المتعارف عليها عالمياً، كلٌ في مجاله.
أولهما هو الحدث الأقرب توقيتاً، الذي كان فوز منتخب المغرب لكرة القدم المشارك في مونديال قطر 2022 على منتخب البرتغال وصعوده إلى الدور نصف النهائي (الأربعة الكبار) لهذا المونديال، في سابقة كروية جاءت خلافاً لتوقعات وآمال الكبار فيه. نأمل أن يتوجها المغرب بمنتخبه الكروي بحلم ظفرٍ ليس بعيد المنال إذا ما اقترن بالإرادة والتحدي.
وثانيهما المتمثل بعقد القمة الصينية-العربية في الرياض، بحضور الرئيس الصيني (تشي جين بينج) ورؤساء دول وحكومات عربية وخليجية لهذه القمة، بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
إذ تأتي أهمية هذه القمة في كونها تغرد خارج الرؤية الأميركية وما تطمح فيه للمنطقة، بما تتوقعه من السعودية من مواقف متماهية مع الموقف الأميركي، اعتماداً على ما سبق وعرف، برؤيتها لعالم أحادي القطبية مازالت تعتقد فيه أن خيوط اللعبة مازالت في يدها. لتأتي هذه القمة مغايرة لهذا الاعتقاد السائد منذ عقود عفا عليها الزمن بلا قناعة أميركية، ومما زاد في بلّة طين القلق الأميركي تجاه التقارب السعودي-العربي-الصيني (بمشاركة العراق فيه)، بيان الخارجية الصينية الذي ذكرت فيه أن “برنامج الرئيس الصيني (تشي جين بينج) يمثل أكبر نشاط دبلوماسي على نطاق واسع بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين.” مع تأكيد البيان على أن “بكين شريك ستراتيجي.. وصديق مخلص، سيؤدي دوراً بناءً في الشرط الأوسط، يتجنب فيه القيام بأي شيء يمس المصالح الجيوسياسية للمنطقة وشعوبها.” وهو الأمر (البيان) الذي لم يفت على الناطق باسم المجلس القومي الأميركي (جون كيربي)، الذي أشار في مؤتمر صحفي حول القمة وبيان الخارجية الصينية قائلاً: “نحن ندرك النفوذ الذي تحاول الصين توسيعه في العالم والشرق الأوسط، وهو بالتأكيد من بين هذه المناطق التي يرغبون في تعميق مستوى نفوذهم فيها، لذا فنحن نعتقد أن العديد من الأمور التي يسعون إليها، وطريقة سعيهم فيها، لا تتلاءم مع الحفاظ على النظام الدولي الذي تحكمه قواعد محددة، كما نعتقد أن الولايات المتحدة في وضع يتيح لها القيادة في إطار هذه المنافسة الستراتيجية.”
من هنا، ومن خلال هذا التصريح، نفهم مقدار القلق الأميركي تجاه تلك القمة، وسعي ولي العهد السعودي، الذي لا تربطه علاقة ودية بالرئيس الأميركي (جوبايدن)، الذي يبادله ذات الشعور، إلى كسر القاعدة المتعارف عليها والمعرفة لوجه العلاقة السعودية-الأميركية منذ ما يزيد على سبعة عقود من علاقة النفط مقابل الحماية والأمن، التي يبدو، من خلال معطيات هذه القمة، أن السعودية قد شبت عن الطوق.. على الأقل لحد هذه اللحظة. وهو الأمر الذي نبّه فيه وزير الخارجية السعودي الراحل (سعود الفيصل) في عام 2004 إلى أن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة ليست زواجاً كاثوليكياً، بل زواج إسلامي يتيح للسعودية تعدد الزوجات (المصالح) (حسب فورين بوليسي)، على الرغم من أن الصين لا يمكن لها أن تحل محل الولايات المتحدة فيما يتعلق بموضوع الحماية والأمن (حسب متابعين)، إلا أنها (السعودية) تؤكد أنها لا ترفض التقارب مع أية جهة ترتبط معها بمصالح مشتركة. وهو الأمر الذي يفسر تغريد السعودية خارج اللحن الأميركي المطالب بزيادة الإنتاج النفطي لها بعيداً عن قرارات (أوبك بلس) التي قررت تخفيض حصص أعضائها بواقع 2% من حجم الإنتاج العالمي من النفط، وأن هذا التخفيض سوف يستمر حتى نهاية عام 2023 -حسب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان- إيماناً بتوقعات تراجع نمو الاقتصاد العالمي خلال 2023 بحدود 2،9% وفق ما ذكره صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في تموز الماضي.
في حين يرى بعض المتابعين أن قرار (أوبك بلس) قد جاء من أجل استقرار معدلات سعر برميل النفط ما بين 85-95$، وأخذ الحذر من عدم تكرار تراجع الأسعار الحاد الذي حصل أثناء الأزمة العالمية في عام 2008، عندما انهارت فيها أسعار النفط إلى حدود 30$.
فيما يؤكد بعضهم أن قرارات (أوبك بلس) هي إعلان مبكر عن ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، دعمته فكرة إقامة القمة الصينية-العربية في الرياض، وهو الأمر الذي عدته الولايات المتحدة تحدياً واضحاً ومقصوداً وغير عفوي، في وقتٍ تتجه فيه، هي وحلفاوها الغربيون، نحو إقرار الحزمة الثامنة من العقوبات على روسيا، التي تضمنت تسقيفاً لسعر نفطها، بعد قطع إمدادات غازها عن أوروبا، وهو الأمر الذي ردت عليه الخارجية الروسية بأن روسيا تمتنع عن بيع نفطها الى الدول التي تؤيد أو تنضم إلى هذا القرار بصفتها (دولاً عدوة)، وهو الامر الذي ينذر بكارثة قد تحل على القارة العجوز عند حلول فصل الشتاء، وتوجس الأوروبيين من ردة الفعل الروسية عملياً، حسب تصريح (بيسكوف) الناطق باسم الكرملين.
ومع مضي الولايات المتحدة والغرب نحو تسقيف النفط الروسي، لم تبتعد أنظار الحلفاء وآمالهم عن (أوبك بلس) وقراراتها، إذ يتوقع الغرب –بمجمله- إجماع أعضاء (أوبك بلس) على رفع إنتاجهم النفطي خلال العام المقبل (الذي لم يستثنِ منها العراق)، أملاً بسد النقص الحاصل حال تنفيذ حزمة العقوبات والرد الروسي عليها.
إلا أن القرار السعودي المتبني لقرارات (أوبك بلس) التي تسعى الى نقض هذا القرار (التسقيف) عبر خطوط دفاعية اقتصادية تتمثل بتأكيدها على أنها لن ترفع حجم إنتاجها من النفط العام المقبل، إذ سوف تسير على ذات وتيرتها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نقص لا يمكن نكرانه في سوق الطاقة، ينعكس بالأساس على القارة العجوز،
-التي خسرت غاز روسيا ومن ثم نفطها، دون سواها.
يضاف إلى ذلك أن القلق السعودي بأوبكها المستقبلي، من إمكانية تطبيق ذات القرارات (التسقيف السعري) عليها حال تماهيها وانسياقها مع المطالب الأميركية والغربية تجاه العقوبات الاقتصادية على روسا، هو ما دفعها الى عدم التعاطي مع الأمنيات الغربية بزيادة الإنتاج النفطي كوسيلة دفاعية تحمي مستقبلها، وانعكس بقوة على أوروبا، مهدداً أساس كينونتها التي بدأت ملامح آثارها تصل إلى بريطانيا بعدما سبقتها ألمانيا وفرنسا بتظاهرات مناهضة لارتفاع الأسعار الخاصة بالمواد الغذائية والطاقة والكهرباء، والتهديد
باللجوء إلى الإضراب العام، وشلّ الحياة فيها (بريطانيا)، وهو الأمر الذي دفع برئيس الوزراء البريطاني (ريتشي سوناك) إلى التصريح قائلاً إنه “سوف يجري التعامل بكل شدة وحسم مع هذه الإضرابات الفئوية والنقابية، وإن أية إضرابات سيجري التعامل معها بحزم من قبل الحكومة البريطانية.” مع التأكيد على إمكانية الاستعانة بالجيش كجزء من خطط مواجهة الإضراب العام وطوارئه، ولاسيما مع اقتراب أعياد رأس السنة الميلادية، وهي ذات الفترة من التاريخ والوقت الذي ينتظره (بايدن) (16كانون الأول/ ديسمبر)، أي بعد يوم من صدور هذا العدد، الذي تترقب فيه الولايات المتحدة موافقة الكونغرس على الموازنة المالية الجديدة، وسط قلق (بايدن) من إمكانية رفض الجمهوريين إقرارها، واحتمالية بقائها معلقة إلى حين تسلمهم (الجمهوريين) للكونغرس في (كانون الثاني/ يناير2023) مع كل ما تحمله هذه الموازنة من مليارات دعم لأوكرانيا. وهو الأمر الذي سيجعل من شتاء (كانون الثاني/ يناير) المقبل
(شتاء المحك) بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا، وأسوأ شتاءٍ سيمر في تاريخ أوروبا.. ينتظره بوتين على.. نارٍ هادئة.