شجرة القرنة التي جلس تحتها آدم عند خروجه من الجنّة

1٬583

ارشيف واعداد عامر بدر حسون /

هناك معلومة خاطئة في هذا التحقيق لابد من تصحيحها:
حواء لم تقم بإغراء آدم وهي لا دور لها في إخراجه من الجنة.. هذه معلومة خاطئة تماماً وهي تحاول إلصاق كل الشرور بحواء. في القرآن الكريم، وفي أكثر من آية، تم ذكر آدم باعتباره هو من عصا ربّه وأكل من الشجرة المحرّمة وحواء دفعت ثمن خطيئته..
ولم تقرن حواء بالثمرة المحرمة وإغواء آدم إلا في الحكايات الشعبية.
بغداد: من غازي العياش
استطاعت حواء بتعاونها مع الشيطان أن تخرج آدم من الجنّة، ولم يجد آدم غير شجرة استظل بها وأكل من ثمارها واتخذ من أرضها فراشاً ومن ظلِّها غطاء يقيه مطر الشتاء وشمس الصيف المحرقة.. وتحدثت الكتب المقدسة والأساطير والتاريخ عن خروج آدم وكيف أغرته حواء على أكل التفاحة المحرمة، وبقيت الشجرة التي أظلت آدم بعد طرده من الجنّة مجهولة لم تثر فضول أحد ولم يعرها المؤرخون اهتماماً ولم يكلف أحد نفسه عناء البحث عنها، بقيت مجهولة لا يعرف عنها شيء رغم أنها مازالت حتى اليوم شامخة، يقدسها الذين يسكنون حولها، ويتخذها الآخرون مزاراً يتباركون به وتشهد كل سنة بضعة أشخاص من السيّاح يأتون إليها بدافع الفضول بين مصدقين ومكذبين أن التي امامهم هي الشجرة التي أظلت آدم وحواء؟!!
هنا ظهرت الشجرة
تقع هذه الشجرة جنوب العراق في مدينة اسمها “القرنة” حيث يلتقي عندها نهرا دجلة والفرات وتبعد عن البصرة ثلاث ساعات بالسيارة، وصدقوني إذا ما قلت إن تسعين في المئة من الشعب العراقي لا يعلم شيئاً عن هذه الشجرة وأين تقع، واذا ما سمعوا أحداً يروي قصتها يديرون له ظهورهم، ومن ثم يضربون كفاً بأخرى آسفين، لأن جدران مستشفى الشماعية “العصفورية” لا تضم مثل هذا الرجل المجنون؟!!
ركبت الطائرة من بغداد إلى البصرة وأنا أشك في صدق الأحاديث التي بدأت تروى عن هذه الشجرة، إلا أن الشكوك سرعان ما تبددت وأنا استمع الى أحاديث الذين يسكنون القرية التي تقع فيها الشجرة.. سمعت الأحاديث من أفواه أناس زادت أعمارهم عن المئة سنة وهم ينقلون لي ما سمعوه عن أجدادهم وما قاله أجداد أجدادهم، وكلها حكايات تثبت أن الشجرة التي أمامي هي التي استظل بها آدم وحواء بعد طردهما من الجنة!!
اقتربت من الشجرة وأطلت النظر إليها كثيراً وأنا استعرض في مخيلتي كل صور الألم والشقاء والعذاب والمآسي التي تحملها أبونا بسبب إنسانة اسمها حواء، وفجأة قطع تأملاتي صوت جهوري يقول:
– ليس من الخير أن تطيل البقاء عند هذه الشجرة، لئلا تنالك لعنة حواء كما نالت أبانا آدم!!..
على لسان الأجداد
التفتُّ ناحية الصوت فإذا بي أمام شيخ وقور يدعى “الهيِّد الحاج نفاوة” إنه شيخ القرية وأحد الذين يؤكدون أن هذه الشجرة هي التي استظل بها آدم.. وجلسنا في بيته وجلس معنا بعض أولاده وأحفاده الذين يزيد عددهم على العشرين وبدأ “الهيد الحاج نفاوة” يتحدث عن القرية وعاداتها وكل ما في القرية إلا الشجرة التي شعرت من أول حديثه أنه يتحاشى ذكرها أو التحدث عنها، وعندما انتهى من كلامه قلت له:
– وهذه الشجرة التي في القرية، هل صحيح أن آدم وحواء قد استظلا بها بعد طردهما من الجنة؟!!
وامتقع وجه الرجل واختفت الابتسامة التي كانت ترتسم على وجهه قبل لحظات وحلّت مكانها الصرامة والقسوة والألم فقال:
– صدقني يا ولدي أني أتحاشى رؤية هذه الشجرة أو التحدث عنها، لأني كلما نظرت اليها أو ذكر اسمها أمامي تعوذت من المرأة بدلاً من الشيطان؟!
فأطلقت ضحكة توحي بتأييدي لكلامه، وقبل أن أسأله ثانية مضى في كلامه قائلاً وأصابعه تداعب شيب لحيته:
– نعم إنها نفس الشجرة وكان والدي وجدّي يرويان لنا ما حكى لهما جدهما وجد جدهما من أن هذه الشجرة هي التي أظلت آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، ومن يومها وحتى الآن مازالت مقدسة مباركة وتعتبر مزاراً لكثير من الناس يأتون اليها كل يوم خميس، فيوقدون الشموع لها ويحرقون البخور حولها ويضعون “الحنّة” على قاعدتها!!
وسكت الرجل الذي يتعوذ من المرأة بدلاً من الشيطان، فأخرجته من سكوته وأنا أقول له:
* ما هي الذكريات التي تحملها عن هذه الشجرة؟!
– فتململ في مكانه وأشار الى أحد احفاده الذي جلس الى جانبه طالباً منه أن يأتينا بالقهوة العربية، وقبل أن يجيب على سؤالي، راح يروي حكايات عن كرم العرب وخصالهم الحميدة وكيف أن أرض العرب للعرب وأن الأرض الطيبة لا تنبت فوقها غير البذور الخيّرة والتفت نحوي قاطعاً كلامه وهو يقول:
– سامحني يا ولدي لأن سؤالك قد أثار بعض الشجون والذكريات في نفسي، فمنذ أن بلغت العمر الذي أدركت فيه مسؤولية الحياة رأيت ألواناً من الاستعمار: يحكم بلادي الاستعمار العثماني ومن بعده البريطاني ومن ثم الغربي بكل دوله، وحتى الطاعون الأحمر ذقنا مرارته وتعسفه ولكن أحداً من هؤلاء لم يستطيع أن يجد مكاناً لزرع بذوره فبقيت الأرض طيبة عربية أصيلة وكنت أنا في هذه البقعة من الأرض لم أبارحها طوال حياتي، ومنذ كنت طفلاً صغيراً كانت هذه الشجرة تثير فضولي ولاسيما عندما أرى الأجانب الذين كانوا يأتون إليها في الأسبوع أكثر من مرة يلتقطون لها الصور ويقتطعون أغصانها وثمارها “النبق” ليأخذوها معهم للذكرى وفي كل مرة أسأل فيها أبي عن الشجرة فيرد علي بقوله إنها الشجرة التي استظل بها آدم بعد طرده من الجنة، ومع الأيام شعرت أن بذور الحقد ضد حواء أخذت تترعرع في قلبي حتى أني كدت أعصي أمر والدي عندما قرر زواجي، ولكني رضخت لأمره وتزوجت مرغماً ومنذ عشرات السنين وأنا أحاول الابتعاد عن هذه الشجرة وأتحاشى ذكرها حتى أتجنب أن أحمّل زوجتي ذنباً لم تقترفه!!