عبد الستار الطيار الأنشودة الحزينة في المواليد

994

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

فقد نعمة البصر منذ نعومة اظفاره.. وبدلاً من ان تتركه السماء يعيش في الظلام الذي لفه في مطاويه.. منحته احدى مواهبها التي قادته الى طريق النور.. الى طريق الشهرة والصعود.. وكانت موهبته بصوته.. حنجرته الذهبية.. التي هزت الافئدة.. واطربت النفوس.. واستدرت الدموع من مآقيها..

غلب على صوته طابع الحزن.. طابع الاثارة.. طابع الاستحواذ.

ولم يدر هذا البصير انه ا سيصبح يوما ما نجماًَ من نجوم الموالد.. له عشاقه ومريدوه وحثه بعض الناس الذين لمسوا فيه تلك الموهبة على استغلالها.. ومنذ تلك اللحظات قرر أن يسير في الطريق..

الطريق الذي سلكه قبله عشرات من منشدي المناقب الذين نالوا الشهرة.. ونالوا المال في عين الوقت فدرس اصول تلاوة القرآن.. والتواشيح واناشيد المناقب النبوية..

وقد دهش أستاذه من ذكائه.. وفطنته وسرعة تعلمه وتفهمه لتلك الاصول..

وحينما اكتمل نضجه الدراسي.. وتعلم لكل دقائق فن التجويد، دخل معترك العمل، ليكسب من صوته الذي كان بمثابة النور لعينيه.. بل كان كل آماله التي يعيش من أجلها والتي كانت تشده الى الحياة.. وانتصر في أول جولة جالها.. وذاع صيته حينما احيى حفلة اقامتها جماعة بمناسبة سعيدة، ومن هنا بدأت الشهرة تواتيه فقفز من الموالد التي كانت تقام في البيوت الى الاذاعة، لتنقل اسلاكها، وامواجها الى مسامع الناس اول منقبة نبوية يقدمها هذا الشاب الضرير.. صاحب الصوت الحزين.. صاحب العمق والفئة المثيرة.. واشتهر اسم “عبد الستار الطيار” كنجم لامع من نجوم الموالد..

لم اكن قد رأيته من قبل.. بل سمعت عنه الشيء الكثير سمعت عن ذكائه وعن صوته الساحر الاخاذ.. وعن انتصاراته في مجالات العمل، فوددت لو سمعته عن قرب، وكانت سهرة ممتعة تلك التي التقيت فيها بالطيار.. بالانشودة الحزينة.. بصوته الذي يهز الافئدة من الاعماق.

اذ بدأت السهرة منذ الساعة التاسعة مساء وانتهت في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

ولم يعجز الصوت العميق عن الاسترسال في ترديد قصائد النواح والحزن والبكاء وصرخت النساء اللواتي كن ينصتن اليه نادبات ناعبات.. وبكى الرجال بدمع هتون.. وكان قد بلغ الذروة في التلاعب بمشاعرنا.. واحاسيسنا..

وفي غمرة النشوة.. في غمرة التحسس باللذة الروحية التي اشاعها فينا صوت الطيار سمعت صوتاً آخر لا يقل عن صوت الطيار عمقاً.. وحلاوة وتأثيرا.
وكان جديدا علينا في صفاته وفي قوة نبراته.. ضخماً في طاقته الصوتية التي لا تنفد مهما استمر صاحبها على الانشاد او الغناء لساعات طوال لانه كان متمكناً من صوته.. من نفسه.. انه يوسف الطائي..

ويعد من احسن مقرئي القرآن الكريم ومنشدي المناقب النبوية.

وقال لي يوسف الطائي انه بحاجة الى مساعدة.. الى معونات الى من يأخذ بيده ليسير في الطريق الذي بلغه من نفسه.. واثق من نجاحه وسيبلغ الطريق مهما كثرت امامه العثرات. ويا حبذا لو استفلته دار الاذاعة في قسمها العربي لان في صوته طاقة لم اجدها في اصوات المقرئين من خلق الله لان فيه عذوبة وصفاء.. وقوة

وفي فترة الاستراحة.. تمكنت من الاجتماع بالطيار لاسأله فقلت له:

* ما هو رأيك بمقرئي القرآن السادة محمود عبد الوهاب وعبد المنعم ابو السعد وعبد الفتاح معروف وغيرهم؟

– هؤلاء الذين ذكرتهم فاهمون بالمقام العراقي ومطلعون على اصوله ودقائق فنه، وانهم كانوا مقرئين ممتازين ولكنهم الان لا يستطيعون متابعة القراءة فللسن اثرها على الصوت. وانما في مقدورهم التدريس فقط.. وفي رأيي ان احسن مقرئي القرآن عندنا هما الحافظ خليل وصلاح الدين.

* كيف تعلمت انشاد المناقب النبوية وعلى يد من تعلمتها؟

– بدأت بانشاد المناقب النبوية سنة 1943 وزاد الاقبال علي لاحياء حفلات الموالد منذ سنة 948 حتى الان. وكنت اول من ادخل المنقبة في الاذاعة، ومن الاذاعة بدأت شهرتي وذاع صيتي..
وقد درست كيفية انشاد المناقب على يد الشيخ محي الدين الذي يعد من اقدم قراء المنقبة، ولم يدخل هذا الشيخ اي تجديد عليها، وعاصرت بعده ملا مهدي الذي اتخذ من بعض الرجال (ردادين) كمساعدين يقرأون الابوذيات.

* كيف يتم اختيار (الردادة)؟

– ينتمي الى مجموعتي بعض القراء وبعد ان اقوم بتدريسهم الالحان اشركهم في حفلات المناقب التي احييها وان احسن رداد عندي هو الشيخ محمد الشيخ نجم.

* ماهو رأيك بقراء المقام العراقي؟

– افضل قراء المقام في العراق هو القبانجي، وهو استاذ الكل وبعده يأتي يوسف عمر، اما الباقون فكلهم متساوون.

* لماذا اخذتم تنشدون المناقب على طريقة البستات والمنلوجات؟

– ان انشاء المنقبة على طريقة البستة يساعد على ازدياد عدد المستمعين والاقبال عليها وانني اعد ذلك تطويرا للمنقبة وتوسيعا لمفهومها.
وانني ارغب في تلحين هذه المناقب باللغة الكردية على ان تلقى كالبستات والمنلوجات.

* ما رأيك بالملايات اللواتي ينشدن المناقب النبوية؟.

– ليس عيباً على المرأة ان تشترك في احياء حفلات المناقب ولكن العيب كل العيب هو ان يتخلل تلك المناقب رقص وضرب على الدنبك.
لقد سألتني احدى تلك الملايات قائلة:

لماذا يا معشر الرجال –تأخذون انتم مبالغ ضخمة عن المناقب التي تقدمونها مع العلم اننا نأخذ أقل منكم ونقول أكثر منكم؟
فأجبتها.. انكن تقمن المنقبة لنفسكن فلا تدعن الرجال يشتركون معكن. اما نحن فندعكم تتفرجن علينا بملء حريتكن، وهذا سبب الفرق في الاجور بيننا وبينكن.

* أيهما تفضل من المغنين المصريين؟

– أجمل الاصوات هو صوت عبد الحليم حافظ لانه مفعم بالحزن والاسى، وهذا ما يؤثر في، أما صوت فريد الاطرش فلا بأس به.
سؤال أخير..

* ما رأيكم بصوت يوسف الطائي؟
وهنا تلملم في مقعده قليلاً ثم قال وهو مبتسم ابتسامة غامضة.

– ليوسف الطائي صوت صاف جيد، اتنبأ له بمستقبل زاهر، ولكن الشيء الذي يحيرني هو غموض الطريقة التي سيتخذها لصوته فاذا كان يريد ان يكون مغنياً او قارئ قرآن او منشد مناقب او.. او.. فطريقته غير معلومة وغير محدودة ويجب على يوسف الطائي ان يقرأ المقامات والمناقب حتى تكون معلوماته واسعة كمحمد القبانجي ويوسف عمر.

وانتهى الحديث بيني وبين الطيار الذي يوسف بانه الانشودة الحزينة في الموالد لانه تهيأ لاستئناف الانشاد والتلاعب بمشاعر المستمعين، انه موهبة ثمينة لا تعوض استغلها أهل الارض لتروي نفوسهم بالانغام الشجية..