عند بوابة الخلود

657

مقداد عبد الرضا /

من بين الأفلام التي أنتجت في تاريخ السينما العراقية، وحسب ذاكرتي الشخصية، لم ينتج أى فلم يعالج تاريخ الشخصيات المهمة في تاريخ البلاد ماعدا فيلم الملك غازي. لقد تصدى التلفزيون وأنجر بعض المسلسلات الفقيرة عن حياة بعض الشخصيات، كانت سيرة الراحل على الوردي من أكثر الأعمال بؤساً, فهل نحن غير قادرين على تقديم أفلام السير أم ليست لدينا الخبرة في معرفة التاريخ بشكل واضح وجليّ؟ إنه سؤال غير محير، لكن مايحير هو أن ليس هناك اهتمام بشخصيات البلاد المهمة او عدم معرفتها بشكل دقيق او أن ما أنجز وينجز لم يكن على قدر الاهتمام والمسؤولية!
غوغان لاترحل أرجوك سأقطع لك أذني من أجل أن تظل”
هو الإحساس العالي بالوحدة والشعور القلق بالحاجة الى الآخر, الآخر المستنير والاحتفاء به والتحدث اليه حول أى شىء, أن تجلس مع الآخر, يمنحك لفّة تبغ او كأساً من السعادة وتجيب على كل الأسئلة حتى الميت منها, لطخة زيت فوق رقعة قماش وترقص طرباً لسماعك دقة الفرشاة فوق القماش, فوق القلب المفعم بالنور, وحتى أن تمنح إذنك لصديق من أجل أن يظل معك ولايرحل، او ليسمع بها دقات فرشاتي, هو غوغان الرحب, أم لعلها تلك الراعية التي اضطربت حينما حاولت أن أرسمها, هي وأنا نتطلع الى المرج الأخضر
-قفي لاتتحركي أرجوك
-لم؟
_ فقط اثبتي في مكانك
-أنا ثابتة في مكاني, ماذا تريد مني؟
-أريد أن أرسمك
-لمَ؟
لعلها اللحظة التي تأتي قبل بزوغ الشمس, هاج أؤلئك الأرستقراطيون الذين لايعرفون من اللون سوى المزايدة, يستعر غضب غوغان في تلك اللحظة وتعاد لوحة فنسنت على أنها لاتساوي شيئاً, يخرج غوغان ويتبعه فنسنت, يتم التعارف, غوغان يريد الذهاب الى مدغشقر وينصح فنسنت بالذهاب الى الجنوب, البرد يربك وكذلك الآخر, النساء وكل المجتمع, الطبيعة هي الأم الحنون واليها يمنح كل أسراره, الأصفر يرقص جذلاً فوق قطعة القماش وترتجف الأصابع من البهجة, محاولة الرسم لأؤلئك الذين لم يولدوا بعد, في بيت الممسوسين, الشرطي يطلبه للمثول, ينزعون صليبه الخاص او ألمه, لقاء مع القس، مع مسيح آخر, لعلها خطوات خارج منطقة الصمت, لذا هو غير مرغوب فيه ويعرف هذا
-قطعت أذنك ومنحتها الى غانية
-غابي ليست غانية
-لمَ فعلت ذلك؟
-أردت أن أهدي أذني الى صديقي غوغان من أجل أن لايرحل, هل أوصلت غابي الأمانة أم احتفظت بها لنفسها؟ هذا هو السر, الألم.
اسم الفيلم يوحي بأن هناك رجلاً أبيض الشعر قلبه يوشك على سفر لاعودة منه (لوحة صنعت في الأشهر الأخيرة من حياة فان كوخ والتي نراها تظهر بين فترة وأخرى أثناء السياق).
تحت قبّة السماء المذهلة مثل ياقوتة بلون الفيروز الضاجّ بألوان عدة, تحت السريان المتواصل والذي لايمكن أن يتأثر ببهجة الضوء, في الأجواء التي تحمل ثقل رصاص, الأجواء المحترقة, هناك حيث التوتر والقلق, الجو المربك لجسد الطبيعة الغريب والمتناهي, البداية، الشوق والاحتضان خارج القوس, قوس الطبيعة المتفرد, الفرشاة ترتجف من اللهفة تحت وهج الشمس, اللون, اللذة.
-لقد كنت جندياً في الجيش.
– هل جميع الجنود مجانين؟
-الجنود ليسو مجانين, الضباط هم المجانين, جميع الضباط مجانين, الشعور بالعظمة, الاختلاف عن الآخرين.
قهوة, قهوة
-حينما أصبحت سكرتير الجنرال كانت معي جميع المفاتيح, هل تراها؟ إنها مطبوعة على الجسد, جسد الدم والجنون والظلمة, مفاتيح جميع ملفات الضباط المجانين، تم قتلهم جميعاً.
قهوة قهوة قهوة
تلك الفتاة التي لم تر النور لـ 18 عاماً ثم اختفت, هل بالإمكان أن تتخيل أنك كنت رساماً لاتعرف الثلج ولم تصادفه لمدة اثني عشر عاماً؟
قهوة قهوة قهوة
-ماذا ترسم؟
ضوء الشمس, الشمس تعاند, تحترق, تشتعل, تحتفل بوجودها.
-السيدة صاحبة الحانة لاتريد منك أذنك, إنه غوغان من يريد ذلك, فهلّا قطعتها ومنحتها له؟
مرة اخرى, انظري نحوي أرجوك أريد أن أرسمك، لاتخافي سأدفع لك أجراً.
نشيد الفراغ والألم, الخذلان والوجع
غوغان يكتب, الشفاء هو الأكثر غموضاً, الفضاء الأصفر, دار الجنون الأصفر, المجانين الصفر, الحياة كلها بلون باهت, الضباط هم المجانين.
الرب هو الطبيعة والطبيعة جمال آسر, حوّل قلبك عن الأشياء المرئية واذهب الى الأشياء غير المرئية, لاتبحث.
فوق فراش الأبدية يتوكأ بكلمات قليلة, ماذا فعلت؟ هناك أثر رصاصة في بطنك.. هل فعلها؟
-لا أعرف
-هل كنت تنوي الرحيل مبكراً؟
-ربما
ولم اللوم وأنا لم أحمل مسدساً
تتشابك الأكف, على ثيو أخي أن يحضر, كفّ القدم تقابل الدخول, دخول ثيو, تتصاعد الأنفاس, هل مات فان كوخ أم المسيح؟ هل مات فان كوخ قبل أن يولد أم مات الضوء الخابي فوق أذنيه؟ ايها الرب الرحيم ها أنت تلتقي بولدك, مسجّى والكاميرا تتحدث من الأعلى وبالكثير من الألق.
إنه واحد من أروع المعارض التي أنجزها المخرج جوليان ستنانبيل عن واحد من أهم الرسامين الذين أثاروا جدلاً واسعاً وحتى منذ أن ترك أذنه عند كابي والى الوقت الحاضر.
فان كوخ في السينما
أكثر من خمسة عشر فيلماً أنجزت عن حياة الرسام فان كوخ، ولعله الأكثر بين الذين تناولتهم السينما من الشخصيات, هنا قائمة بالأفلام التي تم تنفيذها عن حياته:
لذة الحياة, انتج في العام 1956 بطولة كيرك دوكلاص الذي رشح لجائزة الأوسكار لكن أنتوني كوين الذي جسد دور غوغان حصل عليها كأفضل ممثل مساعد, فنسنت وثيو 1990, فان كوخ 1991, فنسنت المحبوب 2017, عند بوابة الخلود (وهو فيلمنا الذي نتحدث عنه الآن 2018)،
فنسنت 1987, فان كوخ 1948, أحلام كورساوا 1990, كورساوا أسند دور فنسنت الى المخرج مارتن سكورسيزي, فان كوخ يرسم مع 2010, فنسنت وأنا 1990, عيون فان كوخ 2005, فنسنت طريق جديد لرؤيا, فنسنت فان كوخ 1988.
ربما هو الرب من جعلني رساماً من أجل الناس الذين لم يولدوا بعد, هي الحياة, أن تبذر لا أن تحصد, ابذر كلّ صفاتي وأخطائي, كما قال دلاكروا: فرع شجرة مرمي في الأعاصير, كنت قريباً من الرب وحاولت أن أكون أحد رجالاته, بيلاتس لم يكن ينوي أن يعلق السيد المسيح، أناس هم من أرادوا ذلك, على أن أكون حذراً مع ما أقوله لك, مرحى هي اذاً الجنة, لكن هل أنا مستعد؟