عن الطفلة التي كانت تسخر من لهجتي! أسئلة غامضة لبنت واضحة

218

فلسطين الجنابي /

رزيقة، زميلة شاركتني طريق عودتي من المدرسة ليوم واحد، لا أعرف لماذا لم يتكرر، أذكرها جيداً، تلك الطفلة السمينة التي تتحدث مثل الكبار، كنت وقتها في الصف الأول الابتدائي، أذكرها لأنها كانت أول من نبهني إلى أن لهجتي لا تشبه لهجة أبناء المدينة، وهي تقول لي “قولي جبيرة”، وليس “كبيرة”.
كانت تشير إلى بيت ذي أشجار سدر عالية جداً، وتقول “هذا البيت الجبير بيتنا.” وكانت تشدد على الجيم الأعجمية، التي كنت أعاني عند لفظها. رزيقة، التي قالت إني أتكلم مثل المعدان، وبرغم أني حديثة العهد بالمدينة، وقادمة من منطقة ريفية، إلا أني لم أكن أعرف من هم المعدان.

ظلتْ لهجتي غريبةً على محيطي إلى وقت متأخر جداً، كما أن الست فضيلةً -وهي معلمتي في الصف الأول الابتدائي-، وكانت سمراء لها وشمٌ في منتصف أنفها، ولديها طفلةُ اسمها إيناس، التي كانت تشاركنا الصف، كانت أول من علمتني استنتاج السؤال بصيغ أخرى. أذكر ذلك حين كانت تسألني عن اسمي وهي تحمل في يدها دفتراً مستطيلاً أحمر تدون فيه معلومات أظن أنها كانت عني، فأجبت “اسمي فلسطين،” فقالت “فلسطين شنو؟” فكررت “فلسطين،” فعادت تقول “فلسطين شنو،” وكررت “فلسطين،” فقالت بصوت غاضب: “ما اسم أبيك؟” عرفت وقتها أن (شنو) قد تكون أداة سؤال أيضاً! غير أننا في بيت جدي الطيني لم نتعلمها، فالأسئلةُ في بيتنا هي الأسئلةُ الواضحةُ التي لها أدوات محددة وتطلب جواباً محدداً، والأجوبةُ هي بدورها محددة لا تأويل فيها، بينما لغةُ المدينة فيها الكثير من الغموض الذي يتطلب جهداً كبيراً من طفلة مثلي لتفهم غاية محدثها. على أني أذكر أن الست فضيلة كانت تحبني، إذ كانت تجبر ابنتها المدللةَ أن تجلس بجواري، وكانت دائماً تقول لها “تعلمي من فلسطين.” وكنت أشعر بالزهو، وأنا لا أعرف ما الذي يجب أن تتعلمه ابنتها مني، فلم أكن ذكية بما فيه الكفاية لأتميز عن زملائي، كما أنني كنت أهمل النقل والكتابة، وأطرز دفاتري بوجوه النساءِ والورود، وأحسد شقيقين توأمين كانا معنا في الصف، علياء وعلاء، فقد كان لديهما دفتر رسم وألوان جميلة، ويرسمان بشكلٍ رائعٍ.

كنت مرة أجلس على الأرض وأنا منشغلةٌ بالنقل من دفترهما الذي جاءا به من البيت، كانت الرسمة عبارة عن سلّم وطائر بألوان كثيرة، ولم أفطن إلى الست فضيلة التي كانت تراقبني، حتى انفجرت بالضحك وهي تنادي على ابنتها قائلة: “تعالي وتعلمي الرسم من فلسطين،” وحتى اللحظة كلما تذكرت ذلك الموقف، أتساءل: هل كانت الست فضيلة جادة ومعجبة برسمتي، أم أنها كانت تسخر مني؟!