فريضة الصوم وتعاليمها عند الأديان الأخرى
ترجمة: آلاء فائق عن موقع موركو والدنيوز /
يصوم غالبية المسلمين حول العالم شهر رمضان الفضيل، لكن هل يصوم أتباع الديانات الأخرى في أيام مقدسة معينة؟ كيف يصومون ولماذا يفعلون ذلك؟
عموما، يقوم مفهوم الصوم في أغلب الديانات السماوية على فلسفة الانقطاع عن الشهوات كالطعام والشراب والعلاقات الجسدية الحميمة أو كل عمل أو قول قد يسيء للقيم الإنسانية السامية.
الصوم في المسيحية
رغم أن الغاية من الصيام هو التطهر من الذنوب والخضوع لله، فإن طقس الصيام في المسيحية، يختلف عنه في الإسلام، حيث يسمح للصائم المسيحي بعد فترة انقطاع، بالطعام والشراب بشرط الابتعاد عن الأطعمة الحيوانية ومنتجاتها والألبان ومشتقاتها، ويعود هذا المنع للكنيسة، إذ تمنع الكنيسة الروسية أكل اللحوم والسمك في أثناء الصيام، بينما تسمح الكنيسة الكاثوليكية في إنكلترا لأتباعها بتناول اللحوم والسمك في أيام الصيام، عدا أيام محدودة، كالأربعاء والجمعة والخميس المقدس.
أما العلاقة الجنسية بين الزوجين – وهذا ما تتفق عليه كل الطوائف المسيحية – فلا تفسد صيام المسيحي، ومع ذلك فصيام المسيحيين يختلف بين طائفة وأخرى، ففي الكنسية الأرثوذكسية يعني الامتناع لفترة معينة عن الطعام، يتناول بعدها الصائم أطعمة بقولية ونباتية خالية من أي مشتقات أو مكونات حيوانية، أي إن فترة الانقطاع جزء أساسي من الصوم، كذلك يشتمل طقس الصوم عند الأرثوذكس على صنوف التقشف والنسك وقمع الأهواء والشهوات.
صيام اليهود “عدم أكل الطعام”
الصوم عند اليهود من أقدم التشريعات اليهودية بعد شعيرة تقديم القرابين في الهيكل التي اختفت وحلت محلها الصلاة، ولشعيرة الصيام مكانة قوية بالديانة اليهودية، وهو يشبه لحد كبير الصيام في الإسلام، ويتمثّل بالامتناع عن الجنس والطعام والشراب وكل ما هو مشين من قول أو فعل، بالإضافة لتحريمهم للاستحمام وانتعال الأحذية الجلدية وغسل الأسنان، وتغيير الملابس والعمل والتعطر أثناء الصيام.
يتنامى مفهوم الصيام باليهودية نتيجة لاجتهاد اليهود في إيجاد أنواع منه ترتبط بالأحداث التاريخية، كما يصوم اليهود أربعة أيام إضافية بذكرى الهزيمة على يد البابليين ويوم صيام آخر احتفالاً بصوم الملكة استر.
وردت شريعة الصيام بالتوراة بأشكال مختلفة، ولكن إجمالاً، هناك نوعان من الصيام في اليهودية: صيام فردي للتكفير عن خطيئة أو ذنب ارتكبه الفرد، وصيام جماعي وفيه يصوم اليهود جميعاً عند وقوع كارثة عامة، كهزيمة في حرب أو ذكرى الاضطهاد والتشريد أو دمار محصول أو أي بلاء عام يقع باليهود.
ويندرج هذان النوعان تحت تشكيلات الصيام في اليهودية، وفقا لأمر الله تعالى للنبي موسى في سفر اللاويين (أحد الأسفار المقدسة في التناخ). فهناك الصوم الفرض كصوم يوم الغفران ويبدأ قبل غروب اليوم التاسع من تشرين “رأس السنة العبرية” بربع ساعة، ويستمر إلى ما بعد غروب شمس العاشر من تشرين بنحو ربع ساعة، بحيث تصل مدة الصيام إلى 25 ساعة متتالية، ويُطلق عليه يوم “كيبور” او يوم الكفارة (التكفير عن الذنوب)، إذ يصوم فيه اليهود بشكل متواصل بدون طعام أو ماء. يرتدي فيه الرجال وشاحاً أبيض، وترتدي النساء ملابس بيضاً.
صوم الصابئة المندائيين
يعدّ الصيام الركن الخامس من أركان عقيدة الصائبة، وللصابئة صومان، صوم كبير وآخر صغير، إذ يصومون في أيام معدودات 36 يوماً كل عام، موزعة على أشهر السنة عن الطعام وتحديداً عن تناول لحوم الحيوانات ومشتقاتها وعن شرب الخمر، ويمتنعون عن نحر أي حيوان وعن كل ما يسيء لصلة الإنسان مع الرب من فواحش ومحرّمات، ويفطرون بيوم عيدهم على لحوم الأغنام.
كما يستحب صيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس من كل أسبوع، وصيام أيام شهر ناتق القمري “رمضان”، صيام نافلة، كما يحلو للصابئة صيام الأيام التي تظهر فيها ظواهر فلكية كالخسوف والكسوف.
صوم الأيزيديين
يؤمن أتباع الديانة الإيزيدية بعقيدة ورغبة الوصول لرضا الله سبحانه وتعالى، والصوم أحد مظاهر الرضا، إذ يمتنع الإيزيديون عن تناول الطعام والشراب والتدخين ولا يمارسون الجنس، كما يتفادون التفوه بكلمات بذيئة وغير مرغوب فيها أثناء تأدية فريضة صومهم.
والنصوص الدينية الإيزيدية المترجمة تؤكد هذا الجانب، ومفادها من يصون لسانه ويحترم نفسه كأنه صام 40 يوماً.
ويقدّس الأيزيديون الصوم في ديانتهم، إذ يصومون أكثر من مرة في السنة، ويفضلون صيام الأيام التي يكتمل في لياليها القمر (صيام الأيام البيض)، وهو صيام طوعي، وهناك صوم عام يتوجب على كل أيزيدي صومه لمدة ثلاثة أيام ويسمّى (صيام الله) ويكون بمنتصف شهر ديسمبر، وتمتد فترة الصوم من شروق الشمس حتى الغروب.
ويمارس الأيزيديون أعمالهم أثناء الصوم، وعندما يسدل الليل ستاره ويبتلع الأفق قرص الشمس الذهبي تظهر أول علامات المساء، يذهب الأيزيدي لمنزله ليفطر مع أسرته، وقبل ذلك يقوم بتقبيل “البرات” التراب المقدس لدى الأيزيدية ويتجمّع أفراد الأسرة جميعاً دون استثناء حول سفرة عامرة بكل ما لذّ وطاب.
ولدى الأيزيديين صوم آخر لكنَّه ليس فرضاً عليهم وإنما يصومونه لوجه الله تعالى، وهو عيد “خدر إلياس” او البيخون ويقع في شهر فبراير، ويجب صيامه على كل أيزيدي يحمل اسم “خدر إلياس”، تكريماً للخضر (عليه السلام)، كما يصوم الايزيدي يوماً كل سنة يسمّى صوم صاحب البيت.
صوم البوذيين.. إشراق للروح
يعدّ الصوم في البوذية ممارسة زهد وتقشّف، إذ يصوم البوذيون بامتناعهم عن تناول اللحوم والأطعمة الفاخرة مرتين أو أكثر في الشهر. يأكل بعض البوذيين وجبة واحدة فقط كل يوم، قبل الظهر بقليل. يذهب الرهبان إلى أبعد من ذلك. يستمر الصيام الرهباني النموذجي لمدة 18 يوماً ويتضمّن شرب جزء صغير فقط من الماء.
يصوم البوذيون لتطهير أنفسهم وتوضيح أفكارهم. قال بوذا إنه عند الصوم “تصبح روحي أكثر إشراقاً، وروحي أكثر حيوية بالروح والحقيقة”.
صوم الهندوس.. “مرتان في الشهر”
يمكن أن يتخذ الصوم في الهندوسية أشكالاً عدة، يمكن أن يكون الأمر بسيطاً كتناول وجبة بدون لحم أو شرب الماء والحليب فقط. الصيام الأكثر شيوعاً في الهندوسية صوم إيكاداسي، يصومه البوذيون مرتين في الشهر في اليوم الحادي عشر من القمر الجديد والمكتمل. يصوم كثير من الهندوس أيضاً في شهر شرافان، الذي يصادف في تموز وآب، ويتمثّل بعبادة الإله شيفا.
قال بهشما، أحد محبي الإله كريشنا: “سوف يُنظر إليه على أنّه صائم دائماً إذا أكل مرة واحدة أثناء النهار ومرة أثناء الليل في الساعات المحدّدة دون أن يأكل أيّ شيء خلال فترة الاستراحة”.
السيخ: “الصيام … لا جدوى منه”
أتباع السيخية لا يصومون، لأنَّهم يعتقدون أنه لا يعطي أي فائدة روحية. على حدّ تعبير جورو جرانث صاحب جي، “الحج والصيام والتطهير ووضع الحدود لا فائدة منها، كما أنَّها ليست طقوساً أو احتفالات دينية أو عبادة فارغة”.
ومع ذلك، يتمّ تشجيع السيخ على ممارسة الاعتدال في كل الأشياء، بما في ذلك تناول الطعام، هم لا يأكلون بشراهة ولا يصومون.