في ذكرى رحيله عزيز السيد جاسم اعدم الطاغية جسده لكن فكره ظل متوهجا

722

كاظم حسوني/

خسائر التسلط الدكتاتوري طيلة الخمسة والثلاثين عاما، لا يمكن حصرها، بما فيها الخراب الذي أضر بالثقافة العراقية، اذ لاقى خيرة رجال العراق من مثقفين وأدباء وسياسيين صنوفاً شتى من الاضطهاد والتقتيل والعزل والتشريد في مختلف بقاع الأرض، ليتربع على عرش السلطة الثقافية طابور من المرتزقة والانتهازيين، الذين لا عمل لهم سوى تأليه الطاغية، وتزيين صورته البغيضة
وكان من ضحايا عواصف الموت البعثي الفاشي، الأستاذ عزيز السيد جاسم التي مرت قبل أيام ذكرى رحيله، الكاتب الاستثنائي الذي توزعت أنشطته في ميادين مختلفة كالسياسة والأدب والاقتصاد والتاريخ والفكر والفلسفة والدين، وكما يصفه صديقه الناقد الراحل محمد مبارك (بأنه مفكر من طراز نادر جمع في كتاباته وأدبه نزعة موسوعية أصيلة في التفكير، ونظرة شمولية في الفهم لا تتهيأ الا للقلة من حملة القلم)، وقد أتحف المكتبة العربية بما يربو على أربعين كتاباً توفرت مادتها على أكثر من حقل أو مجال في المعرفة البشرية، كان في جميعها مبرزاً مرموقاً في ابداعه وحيوية طرحه وتحليله، وجرأته في الاجتهاد والتقييم، حتى ملأت شهرته الآفاق محلياً وعربياً في كتاباته ومؤلفاته التي صدرت في بغداد وبيروت، خاصة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ما دفع السلطة الغاشمة الى اعتقاله ثم قتله في أقبية التعذيب، ليخسر العراق واحداً من كتابه الأفذاذ وهو في قمة عطائه، فالى جانب مؤلفاته السياسية والفكرية والدينية، كتب كذلك في الحقل الأدبي، ففي مجال النقد الشعري والروائي له عدة كتب وعشرات البحوث والمقالات الموزعة في الصحف والمجلات، مثلما كتب عدداً من الروايات والقصص منها رواية (الزهر الشقي) و(المناضل) و(المفتون)، وهذه الأعمال تمتلك جدارة فنية عالية على صعيدي التكنيك السردي والاسلوبي، فضلاً عن قيمتها الجمالية وثراء أفكارها ومعمارها. ثم توجها بكتابه القيم (علي بن ابي طالب سلطة الحق) الذي احدث ضجة في معظم الأوساط الثقافية والدينية لما فيه من براعة في التناول والمعلومات القيمة، تسببت باعتقاله ثم اسشهاده على يد الطاغية، بالرغم من ذلك فان أعماله الفنية والأدبية لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسات النقدية والاهتمام الذي تستحقه، ولعل أبرز ملمح في الكتابة لدى الشهيد عزيز السيد جاسم يتمثل في اسلوبه المؤثر المفعم بالعذوبة المتفردة والوضوح والتجانس لبيان أفكاره ومعالجة طروحاته.. وعلى الرغم من استشهاد عزيز السيد جاسم، الانسان والمفكر والفنان فان عنفوان عطائه وثمار جهوده الفكرية والأدبية سيظلان لأعوام طويلة قادمة منهلاً للقارئ ومحل تقدير واكبار لتجربة بقيمتها الحية في الفكر العراقي المعاصر.