قراءة في خطاب النصر
اياد عطية _ تصوير: صفاء علوان/
خطاب النصر الذي أعلنه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي، مع أنه موجّه الى الشعب العراقي والقوات المسلحة العراقية، لكن تأثيره ورسائله تتعدى حدود العراق.
فقد تضمن الخطاب رؤية عراقية لمستقبل المنطقة المحاصرة بالأزمات والحروب، وأفصح عن حقيقة الملحمة العراقية في مقارعة تنظيم إرهابي مثل أكبر تهديد للأمن والسلام في العالم، وعن قيمة وحجم الانتصارالعراقي الكبير الذي عدّ بحق هدية العراق للعالم.
فقد وصف رئيس الوزراء الانتصار على تنظيم “داعش” بأنه إنجاز تحقق في الظروف الصعبةِ وبعونِ الله وبصمودِ الشعب وبسالةِ القوات العراقية. وأشاد العبادي بالتضحيات الكبيرة وبدماءِ الشهداءِ والجرحىحيث أثمرتْ أرضُنا نصراً تأريخياً مبيناً يفتخرُ به جميعُ العراقيينَ على مرِّ الاجيال وفي الوقت نفسه أعلن فيه للعالم كله أنَ المقاتلين الأبطالَ الغيارى وصلوا لآخرِ معاقلِ داعش وطهروها ورفعوا عَلمَ العراقِ فوق مناطقِ غربي الأنبار التي كانت آخرَ ارضٍ عراقيةٍ مغتصبة، وأن علمَ العراقِ يرفرفُ اليومَ عالياً فوق جميعِ الأراضي العراقيةِ وعلى أبعدِ نقطةٍ حدودية .
وقد عبّر الخطاب عن إرادة العراق وهو يخوض على مدى ثلاثِ سنواتٍ حرباً ضروساً ضد تنظيم وحشي. وأشار الخطاب الى أن المقاتلُ العراقيُ أبلى بلاءً أرعبَ العدوَ وسرّ الصديقَ وأذهلَ العالم .. وهذه هي حقيقةُ العراقي الذي يَقهرُ التحدياتِ وينتصرُ في أقسى الظروفِ وأصعبِها.
خطاب النصر أشاد بدور المرجعية العليا لسماحة السيد علي السيستاني الذي لولا فتواه الجهادية التي أطلقها لكان هناك حديث آخر. كما شدد خطاب القائد العام للقوات المسلحة على أن التاريخ سيسجلُ الموقفَ المشهودَ للمرجِعيةِ الدينيةِ العليا لسماحةِ السيد على السيستاني وفتواهُ التأريخيةِ بالجهادِ الكفائي دفاعاً عن الارضِ والمقدسات، تلك الفتوى التي استجابتْ لها الجموعُ المؤمنةُ شِيباً وشُباناً في أكبرِ حملةٍ تطوعيةٍ ساندتْ قواتِنا المسلحةَ وتحولتْ بعدَها الحربُ ضدَ الارهابِ الى معركةٍ وطنيةٍ شاملة قلَّ نظيرُها وتشكّلَ على اساسِها الحشدُ الشعبيُ وقوافلُ المتطوعين
.. وشدد خطاب القائد العام للقوات المسلحة على وحدة البلاد مذكراً أن الوطن كان على حافةِ التقسيم، معتبراً أن الحفاظ على وحدة البلاد ومنع محاولات تقسيمه هي أهمُ وأعظمُ إنجاز، فقد خرجَ العراقُ منتصراً وموحداً والحمدُ للهِ ربِ العالمين. وتعهد العبادي بأنه ماض بنفسِ العزيمةِ والقوةِ في خدمة جميعِ أبناءِ شعبِنا دون تمييزٍ وحفظِ ثرواتِه الوطنيةِ وتنميتِها وتحقيقِ العدالةِ والمساواةِ واحترامِ الحرياتِ والمعتقداتِ والتنوعِ الديني والقومي والمذهبي والفكري الذي تَزخَرُ به أرضُ الرافدين، والالتزامِ بالدستورِ والعملِ على سيادة سلطةِ القانون في جميعِ انحاءِ البلاد، وكل هذه الخطوط تمثل رؤية عراقية يمكن من خلالها استشراف مستقبل البلاد، الذي عانى من انقسام خطير في خطابه الوطني وفي متبنياته السياسية وهو الامر الذي تسبب بتغوّل تنظيم”داعش” وتمكنها من خرق النسيج الوطني العراقي .
لاشك أن خطاب النصر لامس هموم الوطن والمواطن ووضع إصبعه على جروح لطالما عانى منها العراق في ظل منطقة تعصف فيها الأزمات والحروب التي تغذيها خطابات الكراهية وتداعيات الانقسامات الطائفية والسياسية في غياب المشاريع الوطنية.
واذا كانت الحرب قد تكللت بالنصر على تنظيم استغل غياب الرؤى الوطنية واعتاش على الكراهية وعلى وطن أوهنته الاحترابات، فإن شمس النصر كما وصفها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي قادرة على أن تطهر العراق من الفاسدين “نحن الآنَ في مرحلةِ مابعدَ الانتصارِ على داعش .. هذه المرحلةُ التي كان يخشاها الإرهابيونَ والفاسدون، اما نحن وشعبُنا المجاهدُ فنراها شمساً أشرقتْ على ارض العراقِ الواحدِ لتطهرَهُ من كلِ سوء.”
وقد أذن خطاب النصر بفتح مرحلة اخرى من النضال المقدس وهو النضال لبناء العراق مؤكداً “إنَ هدفـَنا المقبلَ لن يتوقفَ عند إعمارِ المدنِ المحررةِ، وإنما سيشمَلُ كلَ مدنِ العراقِ التي خرجَ منها المقاتلونَ واستُشهدوا دفاعاً عن وطنِهم.”
ودعا خطاب النصر السياسيينَ لتحملِ مسؤولياتِهم في حِفظِ الأمنِ والاستقرارِ ومنعِ عودةِ الارهابِ مجددا، وأناشدُهم جميعاً الامتناعَ عن العودةِ للخطابِ التحريضي والطائفي الذي كان سبباً رئيساً في المآسي الانسانيةِ وبتمكينِ عصابةِ داعش من احتلال مدنِنا وتخريبِها وتهجيرِ ملايينِ العراقيين، الى جانبِ مابُذلَ من تضحياتٍ بشريةٍ وإنفاقٍ هائلٍ من ثرواتِ البلاد.
وأكد على أن حصرَ السلاحِ بيدِ الدولة وسيادةَ القانونِ واحترامَه هما السبيلُ لبناءِ الدولةِ وتحقيقِ العدالةِ والمساواةِ والاستقرار.
وفي وقت اشار الى أنَ حُلمَ داعش انتهى، فقد أكد أهمية أنْ نُزيلَ كلَ آثارهِ وأن لانسمحَ للإرهابِ بالعودةِ مرًة اخرى، فقد دفعَ شعبُنا ثمناً غالياً من أمنِه واستقرارِه ومن دماء خِيرةِ شبابِه ورجالِه ونسائِه وعانتْ ملايينُ العوائلِ من مصاعبِ التهجيرِ والنزوح، ولابدَ أنْ نطويَ هذه الصفحةَ الى الابد.
ومع ثقة القائد العام للقوات المسلحة بقواته، فقد لفت الى أهمية الحذرٍ والاستعدادٍ لمواجهةِ أيةِ محاولةٍ ارهابيةٍ تستهدفُ شعبَنا وبلدَنا، فالارهابُ عدوٌ دائم والمعركةُ معه مستمرة، ولابد أنْ نحافظَ على هذه الوحدةِ التي هزمنا بها داعش والتي هي سرُّ الانتصارِ الكبير.