قطاعٌ منسيٌّ اسمه السياحة.. عارضٌ سياسي أم تدميرٌ مقصود؟
إياد السعيد /
ثمة أسئلة عديدة عن أسباب غياب الاهتمام بالسياحة في بلد يمكن أن يتحول بأقل الجهود والميزانيات الى واحد من أكثر الوجهات السياحية إقبالا في العالم. فعلى هامش تقريره السنوي لعام 2022، نشر المنتدى الاقتصادي العالمي قائمة مؤشرات تنمية السياحة والسفر، وصنف الدول العربية حسب ترتيبها العالمي، فاحتلت الإمارات الترتيب الـ25 واليمن 116 عالمياً، لكن اختفت من القائمة دول مثل العراق وسورية والجزائر!! فهل يرجع ذلك لعدم وجود إحصاءات واقعية أم لعدم وجود نشاط سياحي أصلا؟
في عام 1973 وفد إلى العراق 500 ألف سائح أجنبي، كانت نسبتهم تشكل 25% مقارنة بمرتادي السياحة الداخلية، وأكد تقرير لصحيفة “ديلي ميل” أن العراق كان يمثل وجهة مشهورة جداً للسياح من بلدان مختلفة كاليابان و فرنسا و ألمانيا و بريطانيا. في عام 1989 بلغ عدد الفنادق 1906 فنادق في عموم العراق استوعبت نحو 5 ملايين سائح. ولكن في التسعينيات سجلت السياحة انخفاضاً بسب الحروب والحصار الاقتصادي على العراق، إذ أكدت التقارير وصول 15 ألف سائح أجنبي فقط في عام 1997. أما بعد عام 2003 فقد انتعشت السياحة الدينية في العراق، وفي عام 2010 دخل أكثر من 1.5 مليون سائح إلى العراق، شكّل الإيرانيون ما نسبته 88% منهم، وقد اقتصرت زياراتهم بشكل رئيس على مدن كربلاء والنجف وبغداد وسامراء. بعد عام 2014 انخفض عدد السياح الوافدين الى العراق بسبب سيطرة داعش على بعض المحافظات، وكادت النسبة تكون صفراً.. لذلك أسقط التقرير دولاً من اللائحة من بينها العراق.
أرقام حزينة
حملنا هذه الأرقام الحزينة وطرحناها أمام السيد حيدر عامر، رئيس رابطة شركات السفر والسياحة في العراق، ليحدد أين الخلل؟ فقال: “رابطتنا مسؤولة عن شركات السياحة المجازة رسمياً من هيئة السياحة العراقية، ولم نشهد تطوراً فعلياً ولا اهتماماً حكومياً في مجالات السياحة كافة، ولا توجد خطط ستراتيجية مخصصة لقطاع السياحة، البلدان كافة تعمل على إنعاش هذا القطاع والمحافظة عليه من خلال المنح والقروض بدون فوائد، وبالتأكيد إلغاء الرسوم الحكومية كافة، لكننا في بلدنا لم نستطع، مع كل المحاولات من قبل الرابطة، أن نحصل على إعفاء دفع رسم واحد لأية جهة حكومية من هيئة السياحة ومسجل الشركات والضريبة والضمان وغيرها. أما الحلول فهي بسيطة تتلخص بتأهيل البنى التحتية الموجودة حالياً وإضافة بنى ومنشآت سياحية رصينة من خلال منح فرص استثمارية متنوعة لشركات عالمية ومحلية، وبدراسة حقيقية لاحتياجات اقسام السياحة التي ذكرناها سابقاً، وتسهيل دخول السياح بصورة سلسة من خلال المطارات العراقية، وكذلك الاهتمام بوسائط النقل ونشر التوعية السياحية بين شرائح المجتمع من خلال الإعلام والبرامج والسوشيل ميديا لتقبل السياح والتعامل معهم بصورة لائقة. كما أن القطاع الخاص يعد مكملاً لقطاع الدولة، لذا يجب أن يكون الاستثمار في مسار متوازٍ من خلال توفير بيئة استثمارية لاستقطاب المستثمرين، كما أننا كدولة نفطية يجب ألا تعمل الدولة على أن كل مشروع يجب أن يكون بمقابل مادي، قبل أن تنظر الى أن المشاريع الاستثمارية هي أسس بناء للدولة تميزها بين الدول، وكذلك المشاركة في المعارض الدولية لإبراز تاريخ العراق وحضارته على أرض الواقع، وفي المحافل الدولية كافة.
أما السياحة الدينية فإنها مع الأسف محاربة من كل الأطراف ذات الصلة، وكذلك التأخير في إصدار سمات الدخول من قبل النافذة الواحدة في السياحة، والتلكؤ في إنجاز معاملات منح سمة الدخول في السفارات، وعدم وجود تسهيلات في المطارات أسوة بباقي الجنسيات بمنح سمة الدخول في المطارات، برغم حصول موافقة الإقامة بالدخول، فضلاً عن تدخل بعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية في هذا العمل، مثل العتبات الدينية ودواوين الأوقاف وبعض الجمعيات من خلال إدخال مجاميع دينية بدون مراقبة، ما يسبب تسرباً للعمالة نحو العراق “.
كنز كبير وضخم من المواقع الأثرية، أقل تقدير لعديدها هو عشرة آلاف موقع في العراق، لكن هل استثمرناها؟ عمرناها؟ هيأناها؟ أحصيناها بصورة مضبوطة؟ حميناها من العبث وسرقة وتهريب محتوياتها؟ أسئلة حائرة بصراحة، وإجاباتها ستكون مقلقة حسب توقعاتنا، لكن الخبير والدليل السياحي المخضرم علي عبد الواحد فاجأنا: “منذ السبعينيات وأنا أعمل في هذا المجال وفي مفاصل عدة منه، لم أمرّ بمرحلة إحباط كما هي الآن، وبقيت أنتظر ثلاثين سنة لأرى أية خطوة رسمية أو من القطاع الخاص تنعش السياحة في بلدنا، لكن للأسف أنه ليست هناك إرادة سياسية، إذ أن كل شيء مرتبط بالسياسة، وأكاد أجزم أن القطاع السياحي لو أنيطت مهمته بالمختصين، بعيداً عن السياسة، لعاد أفضل من ذي قبل، إذ أن هناك آثاراً ومواقع نعرفها جيداً بعيدة عن أنظار السراق والمتاجرين بها لنا القدرة على إحيائها ووضع الخطط لتكون بمثابة وجهة سياحية رائعة للبلد بشرط –أكرر- إبعاد المحاصصة السياسية عن هذا القطاع.”
تساؤلات عديدة ربما تفوق عدد المواقع السياحية والأثرية والمزارات تبقى بدون إجابات.. فما أجدرنا بحمام العليل وينابيع المياه المعدنية وعيون المياه الكبريتية والرمال والشمس، لو تحولت كالبحر الميت في الأردن أو واحة سيوة في مصر بهدف علاج بعض الأمراض الجلدية والآلام الروماتيزمية لسائحين عرب وأوربيين؟ وهذه قطرة من بحر السياحة في العراق لو استثمرناها فعلاً!