كان اسمها كرخينة قبل أن تسميها الدولة التركمانية: كركوك!

813

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

يهز المعمرون الذين عاصروا الماضي وشهدوا الحاضر رؤوسهم دهشة واستغرابا عندما يرون العمارات الحديثة والشوارع الواسعة معبدة، والحدائق الغناء تتناثر في كل مكان، والسيارات الكثيرة تمرق بسرعة، والجسور، والمصابيح الكهربائية التي تتلألأ في الشوارع والمنعطفات، والماء العذب في البيوت والمدارس الحديثة المنتشرة في الحواضر والبوادي.

وينظر كل منهم الى صاحبه نظرة حائرة ولسان حالهم يقول: اين الماضي المحتضر بدورِه القديمة المشيدة بالطين والحجر وأكواخه المتداعية وبأزقته الضيقة التي تغدو فيها الدواب وتروح تنقل حاجات الناس واثقالهم من مكان الى اخر.

واين عهد “الكتاتيب” حيث الصغار يفترشون الأرض ليتعلموا شيئاً من مبادئ القراءة والكتابة، وأين عهد “الفوانيس” والمحراث الخشبي والمنجل المهشم.. أين هذا كله من الحاضر؟

كانت كركوك لا تتعدى ان تكون قرية كبيرة شوارعها بدائية تعلوها الأتربة أو تملؤها الأوحال وقد علق عند بداية كل شارع فانوس يتلاعب به الهواء وقد يطفئه في الليل الحالك..

بيوتها مشيدة بالطين والحجر محرومة من ضياء الشمس والمرافق الصحية والمدارس قليلة اقيمت في بيوت رطبة قديمة يغمرها الماء كلما أمطرت السماء.
تبلغ مساحة كركوك 20 الف كيلومتر مربع، وقد كان عدد نفوس اللواء بأجمعه سنة 1927 لا يتعدى الـ100 ألف نسمة، اما اليوم فيقدر عددهم بـ300 الف نسمة وعدد نفوس مدينة كركوك فقط 110 آلاف نسمة وقد كان عدد نفوسها سنة 1927 لا يتجاوز 26 الف نسمة فقط.

وكان مجموع المدارس الابتدائية سنة 1927 (18) مدرسة، ثلاث منها للبنات ومجموع طلاب هذه المدارس 1167 طالبا من ضمنهم 222 طالبة.

ويبلغ مجموع المدارس الابتدائية اليوم مئة وعشر مدارس، ثمانون منها للبنين ويبلغ مجموع طلابها 13500 طالباً، وثلاثون مدرسة للبنات مجموع طالباتها خمسة آلاف طالبة.

كانت الشوارع في سنة 1927 ليست اكثر من أزقة وطرقات ضيقة ملتوية، اما الان فقد بلغت 55 شارعاً واسعاً معبّداً تخترق المدينة طولاً وعرضاً الى مسافات بعيدة وقد شيدت في جوانبها الأبنية العصرية وزينتها الحدائق.

وكان عدد البيوت في كركوك سنة 1927 أربعة آلاف وخمسمئة وعشرين بيتاً مبنية بالحجر والجص والطين وخالية من المرافق الصحية ومحرومة من الماء والنور.

اما في سنة 1957 فإن عدد البيوت في كركوك بلغ اثني عشر ألف دار أكثرها على الطراز الحديث.

كان الماء سنة 1927 ينقل الى البيوت على ظهور الحمير والبغال واصبح الماء الصافي الصحي ميسوراً لكل بيت بفضل تأسيس مشروع اسالة الماء وان 78% من البيوت مجهز بأنابيب الماء، وكذلك الكهرباء، فقد كانت شوارع المدينة ودورها تنار بالفوانيس، اما الآن فان جميع البيوت والشوارع وضواحي المدينة تضاء بالكهرباء.

ولم يكن هناك اي اثر للفنادق في سنة 1927 وكانت تقتصر على الخانات القديمة التي تحتوي على مرابط دواب المسافرين.

اما اليوم ففي كركوك ثلاثون فندقاً من درجات مختلفة مجهزة بأسباب الراحة.

اما الصناعة في سنة 1927 فكانت اولية، وكانت المعامل والآلات الحديثة والصناعات الجديدة غريبة تماماً عن اهالي كركوك، اما اليوم فإن كركوك تزدحم بمصانع وصناعات عديدة.

معامل النجارة الآلية

في مدينة كركوك اكثر من 30 معملاً آلياً تصنع فيها المفروشات والأثاث واكثر ما تنتجه من الأرائك والدواليب، وهناك غير هذه المعامل اكثر من مئة حانوت للنجارة تقوم بإعداد اللوازم البيتية بالآلات اليدوية.

معامل الطابوق

في كركوك معمل واحد للطابوق ينتج في اليوم مئة الف طابوقة ويدار بالكهرباء وتمتلك شركة نفقط العراق معملاً آخر عصرياً للطابوق ايضاً يجهزها بما تحتاجه في اعمال البناء والإنشاء.

معامل الكاشي

تعتبر معامل الكاشي من احدث الصناعات التي تم تأسيسها مؤخراً في كركوك حيث توجد سبعة معامل للكاشي يبلغ مجموع انتاجها يومياً 15 ألف بلاطة مصنوعة صنعاً متقناً جميلاً.

المعادن

تنحصر المعادن في اعمال الخراطة والسمكرة واللحام. والحدادون يصنعون البوابات الحديدية وحواجز الشرفات وغيرها من الأعمال الخاصة بالأسوار والمصابيح.

وسائط النقل

بعد ان كانت وسائط النقل في سنة 1927 هي الدواب على اختلاف انواعها وبضع سيارات قديمة لا يراها الأهالي الا في المناسبات اصبح الكثيرون من اهالي كركوك في سنة 1957 يمتلكون السيارات، وفي مدينة كركوك الآن 2175 سيارة اجرة و1324 سيارة خاصة.

الزراعة

تعتبر الأراضي الزراعية الخصبة بمساحاتها الكبيرة في مقدمة ألوية العراق من حيث انتاج الحبوب ويزيد ما تنتجه سنوياً على ربع مليون طن من الحبوب، أما المحاصيل الأخرى التي ينتجها اللواء فهي العدس والرز، بذر الكتان، والسمسم والبرسيم.وينتج اللواء اكثر من الف بالة من التبوغ سنوياً. وفي كركوك مئة وثلاثة وثلاثون كيلومتراً مربعاً غرست بأشجار السنديان والطرفاء والتوت والجوز واليوكالبتوس والشربين والحور، وزراعة الفواكه تجري وفق الأسس الحديثة بمساعدة دوائر الزراعة وخرائبها.

المواشي

في كركوك ما يقرب من مليون رأس من الغنم. أما الماعز الذي يبلغ عدده مئة الف رأس فيربى في المناطق الشمالية من اللواء.

ويقدر عدد رؤوس البقر في اللواء بمئة وعشرة آلاف رأس، اما الجاموس فيقدر ان في اللواء خمسة عشر الف رأس منه.
وفي كركوك معامل عديدة للألبان تقوم بالعمل على أسس صحية حديثة.

وبعد هذا كله، أفلا يحق لأولئك المعمرين ان تساورهم الدهشة وهم الذين عاصروا كركوك وهم الذين عرفوها على غير ما هي عليه اليوم؟

كركوك في التاريخ

قال ياقوت الحموي المتوفى عام 1228 للميلاد في (معجم البلدان) انه رأى قلعة حصينة في ارض سهلية لا جبلية “دقوقاً طاووق” و”اربل-اربيل” وحولها دور ومساكن وتسمى كرخيي وتلفظ كرخينة وهذا الوصل الجغرافي ينطبق تمام الانطباق على كركوك الحالية ويؤيده التقارب بين حرف الاسمين.

وكانت للفظتها صورة اخرى في القرن السادس للهجرة وهي “كرخاني” كما جاء في سيرة صلاح الدين الأيوبي لابن شداد الموصلي وتاريخ بني سلجون لصدر الدين ناصر الحسيني وسماها بن فضل الله العمري في فصل (الأكراد من مسالك الأبصار) “الكرخين” وذلك في اواسط القرن الثامن للهجرة.

وتاريخ كركوك وأصل تسميتها “كرخيني” او “كرخاني” ثم “الكرخين” لا يزال مجهولاً، فالاسم “كرخيني” قديم، والعصر الذي سميت به بلدة كرخيني كركوك هو زمن الدولة التركمانية القراقونيلية. وفي النصوص التاريخية عرفت تارة باسم كرخيني وتارة باسم كركوك مع ان الحوادث لم تتبدل بحيث لا يبقى شك في ان الاسمين كانا يتنازعان الشهرة تنازع الجديد والقديم ثم كان ان غلب الاسم الجديد فكانت كركوك.