كتاب “بغداد”.. أحلام طفلة مغتربة!

579

إيناس فاضل /

من مآلات الاغتراب أنك تبحث بين الوجوه والأماكن عن هوية وطن. حقيقة لا تقتصر على عراقيين عاشوا مخاض الوداع في مرحلة الشباب, بل أيضاً تطال أطفالاً ولدوا وتربوا في المهجر ولم يسمعوا يوماً عن عظمة زقورة أور أو أساطير مسلّة حمورابي، أو حتى لم تسنح لهم الفرصة بالتجوال بين أزقة شارعي المتنبي والرشيد.
تلك كانت بداية استهلالية لحكاية طفلة عراقية في سن السابعة تعيش في كنف أسرة من أب وأم عراقيين هاجرا إلى الولايات المتحدة على مضض، ولم يهجر قلبيهما حب العراق. نور تحلم بأن تجد كتاباً في مكتبة المدرسة يحكي عن تاريخ العراق، أو معالم عاصمة السلام بغداد. في كل مرة تتجول فيها الفتاة بين رفوف المكتبة تأمل أن تجد كتاباً أو قصة أو حتى مجلداً باللغة العربية يسرد أمجاد أول حضارة في العالم، كما قيل لها على لسان والديها.
“لماذا لا يوجد كتاب عن بغداد؟ هنالك كتب باللغة الإسبانية والفرنسية، لماذا لا يوجد كتاب باللغة العربية”؟ بلغة بسيطة وتعبير أبسط توجه نور تلك الأسئلة لمعلمتها كلما التقتها في المكتبة!
ذات يوم جاءت الفتاة الحالمة إلى المنزل تشكو الحال وتطلب من والدتها شراء كتب عن العراق باللغة العربية كي تتبرع بها إلى المكتبة! طلبٌ أثار تساؤلات الأم: “ماذا تعلمين عن العراق وعن بغداد وأنت ولدت وعشت هنا في قسوة الاغتراب”؟ لتأتي الإجابة من نور بسرعة البرق: “لي رسالة عليّ إيصالها، مفادها أننا جزء من العالم وعلينا إبراز هويتنا لا طمسها في الخارج، وقد يبدأ المشوار بكتاب”! وفعلاً تم المراد, حيث تبرعت نور بعدد من الكتب لمكتبة المدرسة.
حكاية نور كالآلاف من جيلها, أمام مفترق طرق بين ثقافة غربية مغرية من حيث التسهيلات وطبيعة الحياة، وثقافة عربية لم يبق منها في المهجر سوى بعض الملامح التي تواجه الاندثار, ورغم محاولة الأهل باحتواء الأبناء وتعريفهم بثقافة شعبهم، تبقى التحديات قائمة، ولاسيما في غياب مؤسسات تعليمية تتخذ اللغة العربية نهجاً ثابتاً وأساسياً كي تنشئ جيلاً قادراً على الاختيار، بل ربما العودة إلى الوطن محمّلين بتجارب وخبرات تخدم البلد في قطاعات مختلفة.