كنائس نينوى بين الألم والأمل

589

ضحى مجيد سعيد /

تضم مدينة الموصل ومدن سهل محافظة نينوى وقصباته عدداً كبيراً من الكنائس، بعضها أثري مثل كاتدرائية أو كنيسة مار توما في حي الساعة بمدينة الموصل، وثمة عددٌ غير قليل من الكنائس في عموم المحافظة، لكنها كباقي معالم العراق وحضاراته نهشتها أنياب الإرهاب الداعشي.
فبعد سيطرة التنظيم الإرهابي على المدينة، تعرضت الكنائس إلى التدمير والتخريب والحرق والهدم، إذ دمر التنظيم الإرهابي كنيسة مار كوركيس “مار جرجس” وهي إحدى أبرز كنائس منطقة سهل نينوى شمال شرقي الموصل، وقد كانت هذه الكنيسة من أوائل الكنائس التي عادت لتمارس طقوسها الدينية من جديد، وتقرع أجراسها داخل مدينة، لتعلن عودة التعايش السلمي في الموصل، هذا فضلاً عن أنها أول كنيسة أعيد ترميمها بمنطقة سهل نينوى في الموصل، من بين كثير من الكنائس التي هدمت وتضررت على نحو شديد من إرهاب داعش.
ومن أجل الاطلاع على واقع الكنائس اليوم بعد ثلاثة أعوام على تحرير المحافظة من قبضة الإرهابيين، حاورنا عدداً من المعنيين كان في طليعتهم المطران ميخائيل نجيب ميخائيل رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة للكلدان، وفي سؤال عن أعداد الكنائس المدمرة في الموصل وسهل نينوى قال المطران ميخائيل: لا توجد إحصاءات دقيقة عن الأعداد، لكنه أوضح أن قرى ألقوش وقرقوش وكرمليس وبرطلة وبعشيقة وبطنايا توجد في كل قرية منها كنيسة واحدة رُممت وأُعيد تأهيلها، لكن هناك كنائس لم تصلها يد الإعمار حتى اللحظة، وبعضها لم يرمم على نحو صحيح، مشيراً إلى أن أكثر من خمس عشرة كنيسة لم يصل إليها الإعمار حتى اليوم. وفي ما يتعلق بالجهات التي أسهمت في إعادة إعمار الكنائس والأموال التي رصدت لهذا الموضوع يقول ميخائيل إن منظمات عدة تولت عملية إعادة الإعمار ولم تسلمنا أية أموال بل كانت الأموال تنفق بشكل مباشر من قبل المنظمات فيما يتعلق بإعادة إعمار الكنائس ونحن بدورنا نقدم الشكر الجزيل لهذه المنظمات على ما بذلته من جهود في إعادة إعمار الكنائس، ونوجه عتباً إلى الحكومة كونها كانت مقصرة في هذا الموضوع ونسبة مشاركتها لا تزيد عن ٥٪ لكنها ساعدت في تيسير أمور المعاملات.
وفي ما يتعلق بعودة الطقوس الكنسية أردف ميخائيل قائلاً: إن أول قداس أو أول صلاة بعد تحرير المدينة من قبضة داعش الإرهابي كانت لعيد الميلاد عام ٢٠١٧ في كنيسة مار بولص بعد أن رممتها منظمة فرنسية تُدعى اوفغو دوغيو، وساعد في ترميم هذه الكنيسة وتنظيفها شباب مسلمون من كلا الجنسين، ورجال ونساء كبار وصغار شاركوا المنظمة في تنظيف هذه الكنيسة وإعادة تأهيلها وتنظيفها وترتيبها، وبعد القداس الأول أقيمت قداديس أخرى عديدة ولكن على نطاق محدود في كنيسة مار توما لكن الكنيسة المتكاملة التي اشتركت فيها كل الطوائف وكل الجهات من المحافظة من المسؤولين والعسكريين هي كنيسة البشارة الموجودة على الساحل الأيسر في حي المهندسين.
وتحدثنا إلى السيد بركات شمو نايف، رئيس كتلة التآخي والتعايش في مجلس محافظة نينوى، فحدثنا عن دور الحكومة في إعادة إعمار الكنائس قائلاً: خصصت بعض الأموال من الموازنة المخصصة لمحافظة نينوى لتأهيل الكنائس وهناك دعم من المنظمات الدولية أيضاً، أما عن دور مجلس المحافظة فأشار إلى أنه دور رقابي إضافة إلى المصادقة على الموازنة المخصصة لمحافظة نينوى، وقد كانت هناك أموال مخصصة للمساجد والجوامع والكنائس ودور العبادة. وفي سؤال عن نسبة المسيحيين في نينوى قال: إن أعداد المسيحيين كبيرة في قضائي الحمدانية وتلكيف فضلاً عن ناحية برطلة وناحية ألقوش وبعشيقة، ونصف هذه المناطق من المسيحيين، أما بخصوص عدد المسيحيين العائدين إلى الموصل وسهل نينوى فأعدادهم ليست كبيرة حتى الآن، وحركة عودة النازحين ومنهم المكون المسيحي والمكون الإيزيدي بطيئة بسبب الدمار الذي لحق بمناطقهم ومنها الكنائس ودور العبادة.
ويضيف نايف قائلاً: ما زال هناك هاجس خوف لدى المسيحيين على الرغم من عودة العائلات المسيحية إلى قضاء الحمدانية وناحية برطلة وبعشيقة لكن داخل مدينة الموصل أعداد العائدين قليلة جداً
وفي سؤال عن دور القوات الأمنية في توفير الحماية لدور العبادة ومنها الكنائس قال نايف: أعتقد أن الحكومة جادة في هذا المجال والأجهزة الأمنية للدولة توفر الحماية المطلوبة.
السيد جوزيف صليوا، النائب السابق في البرلمان، حدثنا قائلاً: إن تأهيل الكنائس في الغالب اضطلعت به المنظمات الدولية وليس الحكومة، أما الأموال التي أرسلت لإعادة إعمار الكنائس فإنها للأسف الشديد لم تنفق على نحو صحيح وضاع نصفها أو ذهب إلى جيوب بعض الجهات الفاسدة، وأوضح أن 25% من الكنائس الموجودة أُعيد تأهيلها وإعمارها وهناك 75% ما تزال خربة.
وفي ما يتعلق بعودة المسيحيين إلى المناطق المحررة في سهل نينوى والموصل يقول صليوا: إن المسيحيين لم يعودوا إلى مناطقهم المحررة إلا ما ندر والأسباب تكمن في وجود قلق قائم في عدم إعمار المناطق أو تأهيل المشاريع الخدمية، فضلاً عن غياب الاستقرار الأمني، مؤكداً أن الحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية وفرت الحماية للكنائس المؤهلة وليس لكل الكنائس، والضرورة قائمة وملحة لحماية الكنائس بسبب احتمالات حدوث الاعتداءات.
ومن أجل توثيق شهادات حية عما جرى للمسيحيين وواقعهم اليوم التقينا السيد عماد صبحي، أحد أهالي منطقة بغديدا، استذكر صبحي بادئ الأمر ما حل به وبأسرته عند دخول داعش إلى مناطقهم، إذ قال: جمعت أولادي وزوجتي قرابة الساعة 11 ليلاً وخرجنا بسرعة ولم أفكر حينها بشيء سوى إنقاذ عائلتي وكانت هناك عائلات كثيرة تهرب مشياً على الأقدام، في ظلام الليل والجوع وتوجهنا إلى عين كاوه بأربيل في ساحة مار يوسف وقضينا ليالي عدة في ساحة الكنيسة، وبعد ذلك فتحوا لنا المدارس لما يقارب الشهرين في أحد صفوف مدرسة عين كاوه، منوهاً إلى أنهم قبل مجيء داعش كانوا يعيشون بأمان ويمارسون كل الطقوس الدينية بحرية، وبعد تحرير بغديدا عام 2016 رجعنا إلى بيوتنا ولكن وجدناها مهدمة. خيمة إعمار الكنيسة كان لها دور كبير في إعادة إعمار بيوتنا ولكن في البداية كان هناك خوف كبير وقلق وألم لما شاهدناه وكذلك لم تكن هناك رغبة بعودة أهالينا وأصدقائنا بسبب الخوف من القادم المجهول، ولكن رغم ذلك ورغم عدم إعمار كل كنائسنا لا نزال نحافظ على أداء طقوسنا بكل فرح ورجاء في منطقتنا قرقوش حيث لا نخاف أبداً، ونشكر الكنيسة وبعض المنظمات التي لها دور في إعادة إعمار الكنائس التي دمرها داعش، مردفاً: ما نزال نشعر بالألم الذي سببه الإرهاب لكن الأمل بعودة الحياة يحدونا أيضاً.
يذكر أن سهل نينوى من أبرز مناطق تجمع المسيحيين العراقيين في البلاد، ويقع شمال شرق الموصل ويضم بلدات عديدة أبرزها شرفية وبغديدا وتلكيف والقوش وعين سفين وبرطلة وكرمليس وتل سقف وبعشيقة، التي يعيش فيها مئات الآلاف من المسيحيين العراقيين، إلا أن الاحتلال الأميركي وما تلاه من أعمال عنف وإرهاب، ولاسيما عقب احتلال داعش لمدن في شمال العراق وغربه عام 2014 ساهم في تناقص عدد المسيحيين بعدما فتحت دول أوروبية عديدة باب اللجوء والإقامة لهم وقسم كبير منهم حصل على جنسيات تلك الدول ولاسيما السويد وكندا وأستراليا وفرنسا واليونان، ومع كل ذلك تبقى عودة الروح والحيوية إلى تلك المناطق مرهونة بعودة أهلها إليها.