كيف تتكيف صناعة السياحة مع ظاهرة الاحتباس الحراري؟

441

إعداد: مجلة الشبكة عن موقعDW/

موجات الحرارة الشديدة ألقت بتأثيرها على حركة السياحة في العالم، وفي ظل كل هذه الكوارث بدأ قطاع السياحة في العالم يتأثر تدريجياً، ويبقى السؤال: كيف تتكيف صناعة السياحة مع ظاهرة الاحتباس الحراري؟
شواطئ مايوركا
مايوركا إحدى أكبر جزر إسبانيا الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، وجزء من أرخبيل البليار الإسباني. كما أنها إحدى ضحايا التغير المناخي، فقد ضاق أطول شاطئ طبيعي فيها، وكل الذين قصدوا أرقى شواطئها، وتحديداً شاطئ EsTrenc، لاحظوا عن كثب مدى تأثير التغير المناخي على هذا الشاطئ الجميل.
كانت مخابئ الجنرال الإسباني فرانشيسكو فرانكو الخرسانية الضخمة، مخبّأة في الأصل وسط الكثبان الرملية. اليوم، برزت هذه الهياكل كالإبهام المؤلم، فقد ابتلعت المستويات المرتفعة لسطح البحر أجزاء من الشاطئ، وتغير هذا المشهد الساحلي جذرياً، فقد اصبح الشاطئ الآن أقصر بـمعدل 40 متراً مما كان عليه سابقاً، وإذا استمر الاحتباس الحراري كما هو متوقع، فسوف يختفي العديد من شواطئ مايوركا ويبتلعها البحر.
شواطئ آخذة في التلاشي
يقول توماس دوراك، أحد منسقي دراسة أجرتها وكالة البيئة الفيدرالية الألمانية حول آثار الاحتباس الحراري على السياحة، التي نُشرت في العام 2022: “هذا احتمال مقلق للغاية بالنسبة لجزر مايوركا التي تحظى بشعبية بين المصطافين، تحديداً بسبب شواطئها الواسعة، وبرغم عدم تأثر انكماش شواطئها في الوقت الحالي على أعداد الزوار، بل بالعكس، فقد شهد هذا الصيف تحديداً أعداداً قياسية للسائحين، غير أن الأمر يظل مقلقاً للغاية.”
التغير المناخي وسلوكيات السفر
يوضح توماس: “ثمة القليل من الأدلة التي تشير الى أن الناس يغيرون سلوك سفرهم بسبب تغير المناخ.” فبرغم تصاعد التحذيرات بشأن العواقب على صناعة السياحة لسنوات عديدة، يشير توماس الى إنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدراسات التي توضح إمكانية حدوث تأثيرات ملموسة على تأثر السياحة بالمناخ.
وفي إطار حديثه عن طبيعة الأوروبيين، يقول: إن “الأوروبيين نمطيون بالعادة، فالشخص الذي أمضى السنوات العشرين الماضية من عمره في إجازات صيفية في إيطاليا وإسبانيا، سوف يستمر بفعل ذلك مهما حصل من تغيرات مناخية.” حتى الكوارث الطبيعية المروعة التي حصلت، كانهيار الكتل الجليدية في جبال الدولوميت الإيطالية في أوائل تموز الماضي، التي أودت بحياة 11 شخصاً، لا يبدو أنها تركت انطباعاً مروعاً بما فيه الكفاية لدى الناس كي يغيروا آراءهم بدرجة كبيرة.
قلة تساقط الثلوج ضربت منتجعات التزلج
في أيلول 2019 ، ضربت العاصفة الاستوائية المدمرة دوريان جزر البهاما، ما ألحق ضرراً بالغاً بقطاع السياحة، إذ تقع منتجعات التزلج في بعض المناطق الأكثر تضرراً من الاحتباس الحراري، فكان لارتفاع درجات الحرارة أثر في تقليل كمية تساقط الثلوج بهذه المنتجعات.
ويشير توماس، منسق الدراسة: “هذا هو المكان الأكثر وضوحاً للعلاقة بين تغير المناخ والسياحة.” إذ لم تتساقط سوى كميات قليلة من الثلوج في تلك المنطقة، في حين لم تتساقط أية ثلوج على الإطلاق لسنوات متتالية عدة في المناطق المجاورة لها، الأمر الذي سيدفع بعشاق الرياضات الشتوية بعيداً عن هذه المنتجعات مستقبلاً.”
بدائل سياحية.. ولكن
سمحت مدافع الثلج للعديد من المنتجعات بإطالة موسمها، بغض النظر عن الظروف الجوية، وكانت فعالة للغاية بضمان بقاء المنحدرات مفتوحة.
تعرف مناطق جبال الألب هذه المشكلة جيداً، برغم أن الكثير من المنتجعات لجأت الى مدافع الثلج لتعويض تساقط الثلوج. يشير وزير السياحة في جنوب تيرول (مقاطعة إيطالية شمال إيطاليا) الى أن إنتاج الثلج الاصطناعي خدم المنطقة بشكل جيد، وشجع السياح على القدوم شتاءً للاستمتاع برياضة التزلج، لكن وزير السياحة نوه الى أن إنتاج الثلج الاصطناعي لا يعمل إلا في درجات حرارة منخفضة جداً، وتوجد بالفعل مناطق في جنوب تيرول لم يعد التزلج ممكناً فيها على مدار السنة بسبب انكماش الأنهار الجليدية وارتفاع درجات الحرارة.
مخططات عمل للتكيف مع التغير المناخي
يشير غالبية مسؤولي السياحة الى أنه لا يوجد مخطط عمل واحد للتكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، فكل وجهة سياحية بحاجة لاتخاذ تدابير خاصة بمنطقتها، فالمتنزهات الوطنية الإفريقية مهددة بحرائق الغابات، بينما تواجه اليونان نقصاً حاداً في المياه، في حين تعاني جزيرة سيلت (إحدى جزر بحر الشمال الشهيرة في ألمانيا) من تآكل شواطئها. كل هذا يعني أن الحلول يجب أن تكون مصممة حسب المنطقة المتضررة. بعض سكان هذه المناطق السياحية سيبحثون عن عمل خارج قطاع السياحة، كما سيجبر استمرار الاحتباس الحراري العديد من الشركات السياحية على تشجيع السياح للسفر في موسمي الربيع والخريف، بدلاً من السفر في أشهر الصيف اللاهبة.