كيف تحمي بياناتك الرقمية من التعقُّب تكنولوجياً ؟

396

رفاه حسن /

ينظر كثير من مستخدمي الشبكة العنكبوتية إلى أمر حماية بياناتهم على أنه تصرف مبالغ فيه، وأن ما يتداولونه على منصات التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني أو تطبيقات الدردشة الأخرى، ليس جديراً بالحماية أبداً، لعدم إدراكهم خطورة هذه البيانات وكيف تستغلها الشركات المزوِّدة للخدمة والحكومات والشركات العملاقة في عمليات الترويج الرقمي لمنتجاتها.
وهذا ما تطرقنا إليه في العدد السابق عن كيفية تتبع نشاط المستخدمين على الإنترنت، وكيف تستفيد الشركات العملاقة من تتبعك وجمع البيانات عن اهتماماتك والمواقع التي تتصفحها في سبيل توجيه الإعلانات المناسبة لاحتياجاتك على نحو دقيق.
عقوبات صارمة
ولعل أكثر البلدان التي تعاني من انتهاك الخصوصية هي الدول العربية والإفريقية، باستثناء جنوب إفريقيا لأنها واحدة من الدول التي شرعت القوانين لحماية المستخدمين وبياناتهم من التجسس أو الاستغلال في النشاطات التجارية أو السياسية. لقد حددت هذه الدول عقوبات صارمة على الشركات المزوِّدة للخدمة في حال إخلالها بهذه القوانين، وتعد السويد الأولى عالمياً في مجال حماية البيانات الرقمية تليها النرويج وهولندا، كما تعد الدول الأوروبية الأفضل في مجال تشريع القوانين لحماية المستخدمين وبياناتهم. أما الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أنها شرعت القوانين لحماية بيانات المستخدمين من الاستغلال للأغراض التجارية، إلا أنها ألزمت الشركات المزوِّدة للخدمة بالتعاون مع الجهات الأمنية وتزويدها بالبيانات المطلوبة بشرط الحصول على إذن قضائي لاستحصال هذه البيانات.
وسيط للمستخدمين
كثير من الخبراء يعدّون الشركات المزوِّدة للخدمة ماهي إلا وجه آخر من أوجه الاستخبارات الأمريكية. أما كوريا الشمالية فإن حكومتها تسجن مواطنيها ضمن شبكة داخلية (إنترانيت) تسمح لهم بالتواصل داخل الشبكة ضمن الحدود والقيود التي تسمح بها الحكومة فقط. إذن هل الشركات المزوِّدة للخدمة وجدت للتجسس على المستخدمين؟
الجواب: كلا، فالـ ISP أو ما يعرف بالشركات المزوِّدة للخدمة أو شركات الاتصالات هي الوسيط بين المصدر الرئيس المزود لخدمات الإنترنت والمستخدمين، فالمزوِّد الرئيس يوصل خدمة الإنترنت إلى بلدك ثم تقوم شركات الاتصالات بتوصيل هذه الخدمة إلى بيوت المستخدمين وهواتفهم عن طريق فروعها ومكاتبها المنتشرة في عموم البلاد. ويمكنك أن تعدّ الشركات المزوِّدة للخدمة هذه بوابتك للاتصال بالعالم الخارجي، وذلك لأن أية محاولة لك للاتصال بالإنترنت يجب أن تمر عبر مزوِّد الخدمة أولاً، وهذا ما يمكّنه من رؤية كل بياناتك وتحركاتك على الإنترنت حتى وإن كان لا يرغب في ذلك، فهذه هي طريقة عمل الشبكة العنكبوتية. ومن جرّاء ذلك فإن مزوِّد الخدمة قادر على تتبع كل صغيرة وكبيرة أثناء تصفحك على الشبكة، ابتداءً من المواقع التي تزورها وكم تستغرق من الوقت على هذه المواقع، ومتى تنهي جلستك، إذ تسجّل بعض الشركات -حتى لو لم تعلن عن ذلك- هذه البيانات وتبيعها للمعلنين. كما تمنح هذه البيانات صورة أفضل للشركات المزوِّدة للخدمة عن المواقع التي تهتم أنت بزيارتها على نحو مستمر فتعمدُ بعض الشركات إلى تقليل سعات الإنترنت الخاصة بك لتجبرك على الاشتراك في خدماتها الأغلى في سبيل زيادة سعات الإنترنت الخاصة بك التي تتيح لك تصفحاً أفضل إلى حد ما، وليس بنحو مطلق. إذاً، كيف تحمي بياناتك من التعقب؟
لايوجد نظام محمي بالكامل
ثمة كثير من الطرق والبرامج التي صُممت لهذا الغرض، منها ما أثبت فاعليته، ومنها ما حدثت فيه ثغرات كثيرة، لكن حتى أقوى البرامج التي وجدت لحماية البيانات والتصفح على الشبكة تعرضت لنكسات وإخفاقات، بيد أنها استطاعت أن تطور نفسها كثيراً لتتجاوز هذه الإخفاقات.
خلاصة القول، لا يوجد نظام أو برنامج محمي 100%، فلابد لكل قيد أن يكسر ولابد من تطوير هذه القيود للاستمرار في حماية البيانات، ربما من أهم الإجراءات الأساسية التي يجب أن يتخذها المستخدم عند تصفح الإنترنت هو الانتباه إلى تصفح المواقع الآمنة التي تبدأ بالبروتوكول HTTPS الذي يعمل مع البروتوكول SSL على تشفير صفحات الويب لتأمينها، وتجنب المواقع التي تبدأ بالبروتوكول HTTP، كما وفرت مؤسسة EFF.org إضافة للمتصفح تسمى HTTPS Everywhere التي تشفّر كل المواقع التي تزورها وتجعلها آمنة. كما أن هنالك كثيراً من الطرق والبرامج التي تساعدك على تصفح الويب بكل أريحية دون الخوف من المتابعة التجارية أو السياسية، وتستعمل هذه البرامج كبريات الصحف والمجلات العالمية لإرسال الأخبار والتسريبات من مراسليها في كل دول العالم وتَسلّمها. أهم هذه البرامج هو TorProject الذي يعد اليوم الأول عالمياً في حماية المستخدمين، وكان قد أطلق أول مرة قبل خمسة عشر عاماً، ولديه اليوم ملايين المستخدمين حول العالم، إذ يقوم عمله على تشفير كل بياناتك ابتداءً من عنوان الـ IP الخاص بك، مروراً بالمواقع التي تزورها ومدة جلساتك فيها والجهات التي ترسل إليها المعلومات التي ترغب بإرسالها في سرِّية تامة دون أن يعترضها أحد، إلى أن تغلق هاتفك أو جهازك، ولن يتمكن أحد من تحديد هويتك ولا البيانات التي أرسلتها ولا إلى أين أُرسلت، ولقد حاولت دول كثيرة فك شفرة هذا المتصفح مثل روسيا والصين، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. ويعد الـ VPN طريقة أخرى لحماية بياناتك من التعقب، وهو عبارة عن برامج مدفوعة أو مجانية تعمل على إنشاء شبكة خاصة آمنة ضمن الشبكة العامة تعمل على إخفاء هويتك وبياناتك والجهات التي تتعامل معها، وثمة كثير من البرامج الخاصة بخدمات الـ VPN لكن يُنصحُ بغير المجانية منها إذا كانت البيانات المرسلة ذات أهمية عالية، أما للاستخدام العادي فإن أفضل برنامج VPN مجاني يفي بالغرض.