لنؤسس لثقافة تنبذ الطائفية

1٬077

طالب عبد العزيز /

«بعد خراب البصرة»، أجدُ أنَّ المثل العربي هذا ينطبق تماماً على دعوتنا الحكومة لاستصدار قانون «تجريم التحريض الطائفي» لكنْ، لِمَ لا؟ فالوصول المتأخر خيرٌ من عدمه، وما دمنا أسارى طبقة سياسية فاشلة، سلحفاتية التفكير والخطى، لا تصغي لنداء ضمير الشرفاء، وقد أضعنا بين هذه وتلك وبسبب هذا وذاك الدم والمال والأرض، سندعو معكم لقانون تجريم التحريض الطائفي.

تشريع حامٍ، رادع

نعم، في مجتمع منقسم طائفياً كمجتمعنا تدعونا المسؤولية للوقوف مع دعوة «الشبكة» في الضغط على الحكومة لاستصدار القانون هذا، إذ، لا بد من تشريع حامٍ، رادع، ضامن لحياة الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، تشريع يضع البلاد على عتبة التحولات، فلا تحولات حقيقية مع وجود ثقافة كراهية الآخر، مع وجود التناحر بين أبناء الوطن الواحد، ولنا في تجارب الشعوب، ذات التركيبة المنقسمة الأسوةُ الحسنة، وليس أقرب من تجربة سلطنة عمان إلينا تجربة، هذا إذا ارتأينا ألا نعبر المحيط الهندي ونصغي لسيرة وكلمات المهاتما العظيم.

وبما أنني من البصرة فستكون تجربة الكتابة والمناشدة مختلفة إلى حد ما، او ذات طابع خاص، فالمدينة الجنوبية هذه أصابها ما أصابها جرّاء العنف الطائفي، الذي عصف بالبلاد خلال السنوات الماضية، وكانت مسرحاً لأصداء ما يحدث في بغداد والمنطقة الغربية، إذ أنها، وبعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريّين بنصف يوم واحد، شهدت تفجير ضريح الصحابي طلحة بن عبيد الله وتعرض أبناء الطائفة السُنية فيها الى ما تعرضوا من القتل وصنوف التعذيب، حتى أن الشيخ عبد الكريم الدوسري، مدير الوقف السُني، قال حينها: «ما عدنا نملك الوقت لكي نحضر مجالس العزاء للذين يقتلون كل يوم من أبنائنا»، وما زالت تبعاتها تحول دون الطمأنينة والأمن والسلام لشريحة كبيرة من أبناء المدينة، لهذا نجد أن الضرورة باتت ملحّة وملزمة لاستصدار قانون يجرّم التحريض الطائفي.

يافطات تمنع الغناء والموسيقى

بين آونة وأخرى يرفع حزب إسلامي معلوم في شوارع وتقاطعات المدينة، على أعمدة الكهرباء وعلى أسيجة المدارس يافطات تتحدث عن مظلومية السيدة فاطمة الزهراء، يخطّ فيها عبارات يُفهمُ منها أنَّ كلَّ رجلٍ سنيٍّ، ميتاً كان أو حيّاً هو متهم بإيذائها او موتها، وكنتُ شاهداً على رعب أبناء الطائفة السُنية، في كل مناسبة لوفاة الزهراء، في كل عاشوراء. ثم أن الحزب هذا تمادى أكثر، فراح يرفع يافطات تمنع الغناء والموسيقى وتعاطي الفنون وتوصم من يمتنع بالكفر والمروق وتهدده بالويل والثبور وعواقب الأمور.

ولكي نجعل من الحياة العراقية آمنة للجميع، يتوجب علينا الانتقال من منطق الطائفة الى منطق المواطنة، من خلال تسمية المدارس والمستشفيات والشوارع والجسور والمحال التجارية وغيرها، فهناك نفس طائفي واضح في التسميات هذه، فقد بلغ الأمر ببعض الموتورين طائفياً أنهم رشّوا الأصباغ على اللوحات التعريفية التي تضعها دائرة البلدية لبعض ضواحي المدينة، والتي تحمل أسماء الصحابة او التابعين، وقد شاهدت من رشّ الصبغ على لوحة تقول:»بلدية الزبير ترحب بكم» ومثل ذلك الكثير، وقد عمدت مديرية التربية والبلدية في البصرة الى تغيير المئات من التسميات منذ العام 2003 الى اليوم في إجراء طائفي واضح.

من أجل ثقافة تنبذ الطائفية

سيكون القانون بلا أدنى معنى ما لم نؤسس لثقافة نبذ الطائفية بين طبقات المجتمع، ولنبدأ بما في المناهج الدارسية فهي مرتع خصب للأفكار تلك، ومن يفحص مناهج التربية الإسلامية والتاريخ سيقع على العشرات والمئات مما وضعه فريق التأليف، الذي غالباً ما يكون قد شُكِّل على وفق آلية توافقية، حيث يقوم الفريق الشيعي بوضع ما يتفق مع طائفته وكذلك يفعل الفريق السُني، ثم أن جهودنا في استصدار قانون تجريم التحريض الطائفي سيصطدم بعقبة كأداء أخرى ألا وهي ما يبثّه من سموم طائفية بعضُ أئمة المساجد وبعض الخطباء في الحسينيات، وأشهد الله أني ما سمعت من خطيب، من كلا الطائفتين ممن دعا الى توحيد الخطاب ونبذ الطائفية والتقريب بين المذهبين، أو أنه أشاد في خطبته بورع وتقى وصلاح شخصية من خارج طائفته.

ولكي نضع الأمور في نصابها الصحيح أدعو الى دمج الوقفين، السُني والشيعي، في دائرة واحدة وتحت مسمى جامع، غير طائفي(الأوقاف الإسلامية) وبذلك نكون قد أسسنا مبنى جديداً، لا رائحة للطائفية فيه، مبنى وطنياً خالصاً، وهذا من مسؤولية الدولة قبل كل شيء، وأجد أن الأمر ينسحب الى ما هو أبعد من ذلك، فالحاجة تدعونا الى تشريع قانون يمنع تأسيس الأحزاب على أساس طائفي، وبذلك سنكون قد حجّمنا دور الأحزاب الطائفية في قاعدتها، وأسسنا كيانات عابرة للطائفية. كل حزب ديني هو طائفي بالضرورة، إذ أننا لم نجد سُنياً في حزب شيعي، مثلما لا وجود لشيعي في حزب سُني. أمر آخر ندرجه وننبه عليه، ترى لماذا لا تجعل وزارة الخارجية السفير السُني في الدولة الشيعية والسفير الشيعي في الدولة السُنية، أما في ذلك تكريس لمبدأ نناضل من أجل نبذه ؟ فلنرفع صوتنا من أجل منع ذلك.

بقي أن نقول: لنبحث في جذور الطائفية قبل كل شيء، وليكن شعارنا رفع مادة التربية الإسلامية من المناهج الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لأنها تغذي النفس الطائفي شئنا أم أبينا. ولنردم الكوى التي تأتي منها رياح الطائفية في كل مفصل من مفاصل الدولة، ما تنشره الحكومات المحلية من شعارات وما تقوم به من ممارسات في المناسبات الشيعية، وفي المدن المنقسمة طائفياً تحديداً، واحد من ممارسات طائفية صرف فلنؤسس لثقافة المواطنة في المؤسسة الحكومية والمدرسة والمسجد والحسينية والشارع والمقهى ولنرفع راية «الوطن للجميع والدين للفرد»، ففي ذلك خلاصنا. الطائفية مرض علاجه المواطنة.