ماضي الفتاة.. خطيئة لا تغتفر!

1٬730

آية منصور /

لماذا يمتلك الرجل في مجتمعاتنا المتخمة بالتناقضات حق ارتكاب الأخطاء الشخصية من دون مساءلة أو عقاب؟ بل إن فاتورته الرجولية في بعض المناطق تتحدد بما يدّخره في رصيده المؤجل من فرائس وخطايا، ولكن حينما تنعكس التجارب على المرأة، تكون بانتظارها لائحة جارحة من العقوبات والسمعة الملوثة.
ترى لماذا لا يمكن اعتبار مجاهرة النساء بأخطائهن ومظالمهن السابقة نوعاً من المكاشفة الصادقة ودعوة لطرح الثقة المفرطة بين الشريكين، بدلاً من وضع المرأة الخالية من الماضي في مرتبة القدسية، والمجربة في دائرة الشبهات، ولماذا لا يفهم أحد منا حتى اليوم سرّ تعامل الرجل الشرقي مع قضاياه وحكاياته السابقة بتباه وفخر، فيما يستهجن ذلك حينما يصل الموضوع إلى نسائه، ومن الذي شرّع مفردة (ماضي الفتاة)، الملوث في كل الحالات، فيما يحتفي الرجل بماضيه؟
دونجوان يقابله جدار!
“كان خطيبي السابق سعيداً للغاية ومتباهياً، فيما هو يحدثني عن تجاربه العاطفية السابقة، كان يريني صوراً احتفظ بها في أرشيفه الشخصي، إنه محق، فهذه العلاقات هي جزء من حياته السابقة، ومن غير المنطقي أن يلغيها، إذ أنها السبب في ما وصل إليه اليوم من تجارب ودروس، كنت أنظر وأستمع إليه بشغف، كذلك كنت أمازحه، حتى وهو يتحدث عن حبيباته السابقات، حتى وصل الأمر لي، وسألني:
هل أحببت من قبل؟ وعندما أجبته بالإيجاب، استشاط غضبا، وطلب أن ننفصل!”
تخيلوا، هكذا فسخت (نجاة) خطوبتها بسبب اعتراف بسيط، تقول بذهول: “خطيبي طلب إعادة المجوهرات والهدايا، بعد أن علم بارتباط عاطفي بشخص قبله. شعرت بالصدمة حينما استشاط غضباً، وهو قبل دقائق كان يتحدث، بضحك ومزاج عال، عن عشرات الحبيبات. بكيت يومها كثيراً، ثم حمدت الله لأني تعرفت على حقيقته مبكراً، فكيف يطيب للرجل أن يفكر بهذه الطريقة البائسة، ويعتبر حبي وعاطفتي السابقة أمرين محرمين، فيما يكونان حلالاً له.”
وتبين نجاة أن “هذا التسامح مع ماضي خطيبها، الذي تقبلته برحابة صدر واستيعاب، تتقبله كل نساء المجتمع العربي، ويرضون به، بل ولا يسألن عنه حتى. في المقابل، نجد الموقف المناقض له من الزوج إزاء ماضي الزوجة والتجارب التي عاشتها قبل الزواج، إذ أحيانا تضطر النساء لإخفاء هذه التفاصيل عن شركائهن، رغم أنه أمر طبيعي جداً، إنهم يضعون الحواجز بيننا وبينهم لأسباب لا نعرفها، فلماذا يفضل الرجل أن يكون (الدونجوان) الذي لا تعيش المرأة بدونه، بينما يريد للمرأة أن تكون جداراً؟ علماً أن من حق المرأة أن تحب، وتجرب، وتعيش، وتمارس حقها الطبيعي.”
هواجس شرقية مقلقة
يوضح (أحمد خالد) أن “الرجل شكّاك بطبيعته، ولا يتقبل فكرة أن يعرف أن المرأة التي يحبها، كان هناك شخص آخر يحبها قبله، نعم، إن القضية مضحكة، وإن الحياة لا تسير على هذا النحو، لكنها الهواجس التي تسيطر على عقلية الرجل الشرقي وأفكاره. شخصياً، أنا لا أستطيع، لكني في الوقت نفسه، لا أسأل من أحبها عما عاشته سابقاً، تجنباً لأي إحراج أو شكوك، لا أعرف، لكنه جزء من تركيبتنا نحن الشرقيين، أن نبقى أسرى وهم التفكير والقلق.”
فيما ترى (سارة) أن “سؤال الفتاة عما عاشته يندرج في موضع التدخل والحشرية، وإقحام النفس البشرية بمن لا يعنيهم الأمر، إنه يشبه السؤال عن مذهبك ومعتقداتك الدينية، سؤال غير صالح للاستهلاك والمعرفة، فما فائدة أن يعرف الرجل كيف كانت حياة المرأة قبل ارتباطها بالرجل الحالي، ما الذي سوف يجنيه لو أنها أخبرته أنها كانت على علاقة أو لم تكن، هل يستطيع الرجل أن يعرف الحقيقة من خلال سؤاله؟ ما الذي سيستفيد منه، حقاً أنا لا أعرف كيف يفكر الرجل الشرقي، إنه غريب جداً. وكثيراً ما يصبح السؤال عن الماضي بمثابة شبح يطارد المرأة، فكلما امتنعت المرأة عن الجواب، ستجد رد فعل عنيفاً من الشريك تجاهها، والأمر سيان حينما تتحدث له عن حياتها قبل أن تعرفه، فهي لا تعرف ما الذي تفعله، فهل تكذب على شيء طبيعي؟”
لا إنسان بدون ماضٍ
إلى ذلك.. توضح الخبيرة النفسية (زينب العائل) أن “هذا الموضوع يرجع إلى العادات والتقاليد التي تحكم المجتمعات وتجعلها مقيدة ومسجونة، بل وتعمد إلى إذلال الفرد وجعله منبوذاً، فقط لتسميات غير صحيحة مثل (ماضي الفتاة)، لأن العلاقة الحقيقية بين الشاب والفتاة تبدأ منذ الليلة الأولى للزواج، ولا يحق لأي منهما أن يسأل عن ماضي الآخر وعلاقاته قبل هذا اليوم، وحتى بعد الزواج يجب أن يحتفظ كل منهما بخصوصياته تجاه الآخر، مع احترام أسرار بعضهما بعضاً، فكيف بما كان قبل الزواج؟ إذ لا يجوز نبشها والحديث فيها والخوض في تفاصيلها، لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض من دون ماض، ومن دون تجارب ومغامرات.”