ماهر السامرائي: فنُّ الخزف يحتاج الى قدرات إبداعية ومخيّلة حيّة

1٬652

خضير الزيدي  /

حقق فن الخزف على يد الفنان ماهر السامرائي أهمية كبيرة في مرحلتنا الراهنة، فقد استطاع هذا المبدع إنجاز عشرات الأعمال التي بقيت في مخيلتنا بعد أن طورها بتقنياته ومهاراته الإبداعية.
ولم تزل مساهماته العربية والعالمية تثير التساؤل حيال منظومة الاشتغال الفني لمنجزه الفني. في هذا الحوار هناك محاور متنوعة استجاب لنا فيها هذا الفنان لنعرف منه ما الذي يثيره فن الخزف وما الصعوبات التي تواجه من يتعامل به:
* بتصورك كيف يبدو فن الخزف مع موجات الحداثة والفنون المعاصرة، هل سيكتب له البقاء؟
-لا يخفى علينا جميعاً أن فن الخزف المعاصر قد شكل انعطافة قويه نحو الفن الأصيل وبفضل الخزافين الفنانين الرواد. ليس من السهل أن تنخلع جذرياً من الخزف التقليدي، فجذوره قوية وله أتباع، بل مدارس متمسكة بقيم خزفية تقليدية، فلو رجعنا لمواطن الخزف في الصين واليابان وما جاورهما من مزاولي المنتج الخزفي سنرى أن توارث المهنة كان للرزق والعيش الكريم فتنافست العوائل وطورت التقنيات والفورمات والأحجام.. حاله حال حياكة السجاد في آسيا الوسطى. ما حدث في منتصف القرن الماضي من دخول الخزف عالم آخر، التحول إلى المعاصرة ومواكبة الرسم والنحت في طروحات شكلت انعتاقاً ينحو للفن الخالص والتخلص من الكلاسيكي الخزف الاستعمالي او التزييني للقصور من جرار وزهريات وما يوضع على موائد الطعام.
*ماذا عن الفن العراقي وما أنتجه الخزّافون؟
-العراق هو السبّاق في المنطقة بإنتاج الخزف المعاصر وطرح تحول جديد لأشكال وتقنيات حداثوية بدأت من أول خطوة عند استقدام مدرّس للخزف في معهد الفنون من قبل جواد سليم وفائق حسن. في منتصف الخمسينات وصل الخزّاف الإنكليزي “أيان أولد”، وبعده بسنتين قدم الخزّاف خريج المدرسة الملكية اللندنية السيد “فالنتينوس” وأسس أول فرع لاختصاص الخزف الفني.
في تلك السنة بدأ معهد اوتس في كاليفورنيا وقاد الخزّاف “بيتر فولكاس” بعض الخزّافين واشتغلوا على هدم كل القيم الخزفية التقليدية وتحرروا من القولبة وأنتجوا أعمالاً غريبة، وسرعان ما انتشرت أساليب التحرر من التقليد إلى التجديد، وبتطور الأفران وصناعة المستلزمات التي يحتاجها الخزّاف لإنتاج أعمال كبيرة تنافس منتج النحاتين لتلك الفترة. في العراق بعد رجوع المبتعثين الى أوروبا والصين أصبحوا مدرّسين لفروع الخزف في المعهد وأكاديمية الفنون.
كان فرع الخزف في أكاديمية الفنون “بغداد” يخرِّج الطلبة الذين بدورهم وسّعوا قاعدة الإنتاج الخزفي الفني. توسع الإنتاج الخزفي في ظروف صعبة جداً.. كثيرون هم الذين هاجروا، لكن الخزّافين في الداخل قد أغنوا قاعة جمعية الفنانين من خلال المعرض السنوي للخزف العراقي المعاصر بأعمال جيدة ونخبة من الخزّافين كانت أعمالهم قوية بأشكالها وتقنياتها .
* كنت دائماً من يزاوج بين الشكل والحروفيات، ما الغاية من هذه الإشارة؟
-شخصياً، ومنذ الطفولة، أكدت على مسعى الرسم والنحت والخط العربي، فمنذ امتهاني لاختصاص الخزف وجدت نفسي استعرض نحت الحرف على سطح الطينة الخزفية التي أصبحت ملازمة للأشكال التي هيأتها لتتناغم مع ما أرسم وأنحت الخط والذي قد يقرأ وقد لا يقرأ لأني استخدم الحرف القديم قبل التنقيط بل أعتقه وبتقنياتي التي تطورت لمراحل أربعة عقود، أما فيما يخص الغاية من استخدامي الحروف فقد ذكرت أن أحدها هو استعراض ولع وحب أن أرسم وأنحت حروف القرن الهجري الأول وتعتيقه وإرجاعه لقرن من الزمان وكأن أعمالي لقىً أثرية بمعاصرة الكتلة، والتجريد أسلوبي وهذه القيثارة التي تراها هي جزء من اشتغالاتي.
* دعني أتساءل عن قيمة أن ينجز الخزّاف عملاً بعيداً عن مؤثرات أساتذته ويشقّ طريقاً له بين أقرانه مثلما حدث معك اذ تعد من أهم الخزافين العراقيين اليوم.
-لا يمكن أن تكون فناناً دون عوامل تأثير، وأقصد هنا الجوانب الإيجابية من فهم التأثر بالأساتذة وطريقة رؤيتهم وأعمالهم، ولكن في الوقت نفسه على كل فنان أن يشق له طريقاً وأسلوباً خاصّين به، وهذا ما يدفعنا لنبحث وننقب في مفاصل الجمال والطرق الإبداعية، فلكي تكون فناناً عليك أن لا تنحاز الا لطريقة عملك ورؤيتها، والأمر في طبيعته يبدو صعباً، لكن لنتساءل: هل يكمن ذلك في دور المخيلة؟ هذا هو بيت القصيد.. لتعمل مخيلتنا على إيجاد ما يحقق الرؤية الجمالية وفقاً لنمط بنائي جديد يسعى إليه كل فنان بعيداً عن الآخرين.
* لنتحدث عن خيارك لفن الخزف، لماذا هذا التمسك به؟ خاصة إذا ما علمنا بأنه من الفنون الصعبة الذي يحتاج لمواد مختلفة؟
-للخزف مكانة كبيرة في نفس كل من تعامل معه فهو يملك حساسية وقدرة لا تحتملها باقي الفنون، ومن هنا لا بد أن نجد لأنفسنا العذر في هذا التمسك. لطالما تساءلت قبلك لماذا عليّ أن أتمسك بالخزف؟ الإصرار على التعامل مع هذا الفن يفتح لي جوانب مضيئة من الروح والنفس البشرية، والطريقة التي أنجز فيها تجعلني أصر بقوة على حمل خيار الجمال الذي تبديه منظومة الخزف اليوم بعد أن تغيرت الرؤية لهذا الفن التقليدي.. الخزف ليس حرفة، إنه منظومة مختلفة تتكون من بصمات تصر على أن تعطينا زخماً من المعرفة.
* ساهمت في أكثر من معرض في الخليج.. كيف وجدت فن الخزف وكيف الإقبال عليه؟
-نعم، كانت لي مساهمات شخصية في معارض مشتركة ومنفردة ووجدت من الإنصاف أن نتحدث عن هذا الفن، فهو يلاحق خطوات التأثير في أجواء الشرق القديم ولا يهادن على غلوّ معيّن دون أن يفرز لنا أطراً جمالية، ومهما كانت المعارض والمساهمات فهي تبقى على مستوى عال من الجد والإرادة لكسر رتابة بعض الفنون الجامدة.. دول الخليج لم تزل سبّاقة في الاهتمام بفن الخزف وإحياء هذا الفن وهذا ما يحسب لها ويجب التذكير به.