ماهي بغداد: هِبة الشيطان أم حظيرة الغنم؟!

889

ارشيف واعداد عامر بدر حسون /

بقلم صفاء الحيدري/

لقد اختلف المؤرخون في ذلك وذهبوا مذاهب شتى في تفسير المعنى الذي يرمز اليه اسم بغداد فقد جاء في معجم البلدان ان بغداد معناها (بستان رجل) فباغ بستان وداد رجل. بينما ذكروا في مكان آخر ان بغ اسم صنم وان كسرى اهدى خصياً من المشرق اقطعه هذه الأرض وكان من عبدة الأصنام فسمي بغ دادي وقيل بغ هو البستان ودادي تعني أعطى.

وردت كلمة بغداد في كثير من المراجع القديمة متغيرة وكانت مرة بغداد ومرة أخرى معداد ومغذاذ ويغذاذ ومدينة السلام والزوراء.

فما هو معنى كلمة بغداد وماذا يعني كل هذا الاختلاف؟

وذكر حمزة بن الحسن ان بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه لأن قسما من مدينة المنصور كان “باغا” بستانا لرجل فارسي اسمه داذويه وذكر بعضهم ان بغداد كانت من قبل سوقا كبيرة يقصدها تجار الصين فكانوا اذا انصرفوا الى اوطانهم يقولون بغ داذ اي ان ارباحهم هذه هي من عطايا الملك بينما ذكر ابن الجوزي ان بغ شيطان وداذ عطيته.ويرى بعض المعاصرين كيوسف غنيمة والمطران نوري وفؤاد افرام البستاني ان لفظة بغداد من أصل آرامي فهي تجمع بين كلمتين “ب” المقتضبة من “بيبت” عند الآراميين و”كداد” وهي تعني القطيع او الغنم فيكون معناها بيت القطيع او حظيرة الغنم. والمعروف انه كان لمدينة بغداد في السابق سور قوي يحيط بها ويقيها من خطر الغزاة، وظل هذا السور حتى عام 1870 حيث امر بهدمه الوالي مدحت باشا تمهيدا لتوسيع المدينة وتعميرها، وكانت في هذا السور خمسة ابواب يطل احدها على النهر وتطل الاخرى على البر،
وهي باب المعظم وقد هدم عام 1922 والباب الوسطاني وتم هدمه عام 1917 والباب الشرقي وقد تم هدمه مؤخراً سنة 1937 ولم يبق الان الا الباب الوسطاني الذي اتخذته مديرية الاثار متحفا للاسلحة القديمة في وزارة الدفاع، وكان اول من احدث ثغرة في هذا السور هو السلطان مراد الذي اثغر جانباً منه المدينة.

وذكر الرحالة الفرنسي تافرينه في كتاب له ألفه عن رحلته في الشرق عام 1633 ان بعضهم يذهب الى ان بغداد اشتق اسمها من دير كان في برج وسميت بغداد اي موقوفة او موهوبة وعندما كان بعض الحفرة يحتفرون الارض لبناء خان قبل ثلاثمئة وخمسين سنة وجدوا جثة مسجاة كما يسجى الأسقف وكان الى جانبه كافور وطيب، وفي المكان نفسه ظهرت عدة تلال من بيوت دينية مما يحمل على الظن ان الموضع الذي بنيت عليه بغداد كان في القديم ديراً كبيراً وبيوتاً عديدة يسكنها النصارى ويبلغ طولها 1500 خطوة وعرضها 800 اما محيطها فثلاثة اميال.

ويروى عن سور بغداد انه شيد من الآجر وقد بنيت عليه ابراج كالمتاريس نصب فوقها زهاء ستين مدفعاً ولكن ليس بين هذه المدافع ما يحمل اكثر من خمس او ست قنابر ويكتنف السور خندق عريض عمقه نحواً من خمس او ست قامات في بعض الاتجاه وثلاث قامات او قامتين في انحاء أخرى وان المدينة كانت تتصل بالضفة الاخرى عن طريق الباب الوسطاني الذي يتصل بدوره بجسر ذي ثلاثة وثلاثين قارباً المسافة بين قارب وآخر بطول القارب نفسه وكانت بداخل المدينة قلعة يطل قسم منها على النهر وهو يحمل مئة وخمسين مدفعاً.

كانت بغداد قبل ان يحتلها الاتراك تحكم من قبل خان فارسي اسمه صفي قولي خان انتحر لعزله عن الولاية فسلم جنوده البلدة للاتراك انتقاما لواليهم ولكن الاتراك ذبحوهم عن بكرة ابيهم بعد ان كانوا قد وعدوهم بالعفو، فحدثت مذبحة ذهب ضحيتها عشرون الف رجل.

ويذكر تافرنيه انه كانت في بغداد قديماً خمسة جوامع وعشرة جغانات وكانت اسواقها ترش في اليوم ثلاثاً او اربع مرات وكانت العادة ان يدفع من يمر ببغداد –ترانسيت- اجرة قدرها اربعة قروش الى الباشا وكانت يوم استولى عليها السلطان مراد ليس فيها اكثر من قاضٍ واحد ومعه دفتر دار يتسلم واردات السلطان. ولم يبق في بغداد الحديثة اليوم ما يذكر ببغداد القديمة غير الباب الذي اتخذته مديرية الاثار متحفاً وبعض الاثار كمقبرة الست زبيدة وطاق كسرى وبعض الاثار الاخرى، فقد تغيرت معالم بغداد واتسعت اتساعاً كبيراً وينتظر ان تتوسع اضعافاً مضاعفة بعد تحقيق الحزام الاخضر وهو المشروع الذي ينوي مجلس الاعمار تحقيقه قريباً وهو عبارة عن تشجير مساحة ارض بعرض كيلومتر واحد تحيط ببغداد ليلطف جوها ولتساعد على تصريف مياه الفيضان الى ما وراء المدينة. ويبلغ عدد سكان بغداد الآن نحو 800 الف نسمة وينتظر ان يرتفع المعدل الى اكثر من مليون نتيجة لهذه المشاريع وتدفق الناس على العاصمة التاريخية واتساع شبكة مصالحهم فيها.