ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
أنسام الشالجي /
( تفاءلوا بالخير تجدوه).. حكمة نسمعها دائماً، لكن هل توقفنا عندها او أن مصاعب الحياة اليومية في الوظيفة والبيت تضغط علينا وتجعلنا وكأننا لم نسمعها؟
بسعاد
سيدة أربعينية موظفة في دائرة خدمية وأم لأربعة أولاد أكبرهم في سنته الجامعية الأخيرة وزوجها مشغول بأصدقائه ومقهاه، ولاعلاقة له بشؤون عائلته، عدا دفع مصاريف كل حاجياتهم. طلبت مني كمدربة طاقة إيجابية، أن أجد لها حلولاً لحياتها الصعبة التي لا تجد فيها يوماً تشعر فيه بالراحة والسعادة، وكانت تتهم بما تعانيه زوجها ومراجعي دائرتها وشكاواهم..
قدمت لي نفسها بـ (أم عزيز)، سألتها عن اسمها وأجابت (بسعاد)، وبعد الاستماع اليها، طالبتها بأن نلتقي مرة أخرى بوجود زوجها الذي توقعت أن يرفض لأنه حسب قولها “لا يهتم بنا”. في اليوم التالي جاءت مع زوجها الذي بدا متعاوناً والابتسامة لا تغادر وجهه.. قال: “منذ أول أيام زواجنا كانت تشكو من اسمها، واكتشفت بمرور الأشهر أن اسمها هو مشكلتها التي لا تريد أن تتعايش معها، وأساس تشاؤمها، وبسببه لم تعرف معنى التفاؤل، فضلاً عن طبيعة عملها التي تركتها تسهم مع اسمها بالتشاؤم الدائم، وسنة بعد اخرى جعلتني أتهرب من جو البيت”، وأضاف: “هل تصدقين أنني لم أرها أبداً مبتسمة حين تستيقظ من النوم”.. الزوج بطبيعته متفائل وهي لا تعرف غير الشكوى والحديث عن المتاعب..
فرحة
أولى خطوات العلاج كانت موافقتها على تغيير اسمها داخل البيت الى (فرحة)، وأن تترك شكاوى المراجعين عند عتبة الباب ولا تتحدث بها مع الزوج والأولاد وأن تقتنع أن الابتسامة أسهل من التجهم، فلا يتعب عضلات الوجه كما يفعل التجهم، وبالتالي ستبعدها عن التجاعيد المبكرة التي بدأت تغزو وجهها وأصبحت سبباً آخر للتشاؤم، والابتسامة تعني التفاؤل والخير الذي سيجلبه.. وشرحت لها أن الطاقة الإيجابية التي تبحث عنها تأتي من التفاؤل.. وهما يغادران، قال زوجها “يلا فرحة” وابتسمت، واندهش وأكد أنه يرى ابتسامتها لأول مرة منذ سنوات..
عمر طويل
لو أردنا أن نعرف التفاؤل سنقول إنه عكس التشاؤم، او الإيجابية ضد السلبية، أي طاقة إيجابية تجعلنا نتعامل مع كل مصاعب الحياة بلا تردد ولا شكوى وأن يكون لدينا أمل بالغد دائماً..
في دراسة علمية نشرتها البي بي سي ومواقع خبرية أخرى، قام بها باحثون من كلية الطب – جامعة بوسطن على مدى ثلاثين سنة وكشف عن نتائجها مؤخراً، نقرأ أن الذين اتخذوا التفاول اُسلوب حياة يعيشون أطول من غيرهم وأن الأشخاص (نساء ورجال) الذين ينظرون الى الجانب المشرق من الحياة ويتعاملون بإيجابية مع التوترات، يتمتعون بصحة نفسية أفضل. هنا لابد من أن نتذكر غالبية الأمراض العضوية المستعصية مثل ضغط الدم والسكري وقرحة المعدة والقلب والقولون.. بكلمات اخرى، فإن التفاؤل يبعدنا عن كل هذه الأمراض التي تحيل الحياة الى جحيم من أدوية و مراجعات أطباء وعمليات جراحية وتكاليف مالية كبيرة..
فأل حسن
نقرأ في كتب الأحاديث النبوية الشريفة أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة، وفي شروحات الأحاديث الشريفة نقرأ أن الفأل الحسن إيمان بالله سبحانه وحسن ظن، بينما التشاؤم سوء ظن والذي لا يليق بمؤمن، ولنتذكر دائماً الحديث الشريف الآخر الذي يصر على التفاؤل وهو عن الرسول (ص): يقول الله تعالى : “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”.
إن حسن الظن بالله سبحانه يعني التفاؤل والخير الذي يأتي منه سبحانه. والفأل أصل كلمة التفاؤل ولنتذكر شطر البيت الشعري للطغرائي الذي اصبح حكمة وهو (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، الفسحة هنا التفاؤل، والأمل الطاقة الإيجابية التي تجعلنا نحسن الظن ونكون أكثر ثقة بأنفسنا.
و أخيراً..
في مواضيعنا السابقة تحدثنا عن مصادر الطاقة الإيجابية وأكدنا أنها تساعدنا في التغلب على المصاعب اليومية، لكن كل هذه المصادر يختصرها التفاؤل، فالمصادر الأخرى تكلفنا مادياً، قليلاً او كثيراً، مثل ألوان صبغ الجدران ونوعية الأثاث وتوزيع النباتات، بينما التفاؤل لا يكلفنا سوى ابتسامة ونحن نستيقظ صباحاً..