مترو.. يعتلي بناية من 19 طابقاً

1٬102

 جواد غلوم/

لاحدود لإبداع العقل الإنساني، فإذا ملأ الأرض إعماراً ورقيّاً حضارياً نظر إلى الأعلى ليشيّد ويبني ويؤسس مبتكراته، ويخدم الإنسان وينمِّي الأرض ويوسع السماء تحليقاً في أرجائها، ويتنقل في أجرامها ونجومها.

نفق في السماء!

ففي مقاطعة تشونغ تشينغ الصينية المأهولة بالسكان (49) مليون نسمة، وفي أحد أحيائها ذات البناء العمودي المسمى “مدينة الجبل” كان لابد من توفير خدمة المواصلات السريعة (المترو) لساكنيها لكن المشكلة التي واجهت المسؤولين في بلدية المقاطعة أن لا أرض فارغة تمدّ فيها سكك القطارات.

هنا تفتّق عقل واحد من مهندسي الطرق السريعة مما نطلق عليه” High Way ” اذ أحدث نفقا ليس في الأرض كما نتخيّل بل في الطابقين السادس والثامن من بنايةٍ مكوّنةٍ من 19 طابقاً قائمةٍ على سفوح وأعالي الجبل ليكون ذلك النفق ممراً ومحطاتٍ متتابعة لركوب ونزول السكان القاطنين في الأعالي حتى يستقلوا القطار المار عبر بنائهم العمودي من دون أن يضطروا للنزول ويطأوا الأرض من قممهم العليا.

هذه المقاطعة الصينية؛ برغم عدد نفوسها الكبير جداً لكن أهلها لايشغلون سوى 31 ألف ميل مربع مما اضطرهم إلى الاستعانة بالبناء العمودي ومدّ خطوط المواصلات في الفضاء الأعلى.

هكذا يتم ايجاد الحلول حينما تضيق الأرض بمن عليها فلا يجد الإنسان إلاّ أن يرتفع بصره إلى عنان السماء ولتذهب نظرية القـسّ “مالثوس” إلى الجحيم، من دون أن نلجأ إلى الحروب والنزاعات والتهجير القسري والحدّ من النسل لتقليل عدد السكان، حتى أن الصين سمحت مؤخراً بالإنجاب لأكثر من وليد واحد بما يرضي نوازع الأبوة والأمومة.

مترو بلا ضوضاء

اما كيف عولجت مشكلة الضوضاء عند مرور القاطرات في هذا التجمع الهائل من الشقق المتلاصقة بسكانها ذي الكثافة العالية، فقد ابتكر تقنيو المترو من المهندسين معدات خاصة كاتمة للصوت ومسكّـتات تمتص غالبية الضجيج الناتج من العجلات بحيث لاتزيد كمية الضوضاء عن تشغيل غسالة الصحون في مطبخ البيت.

هكذا يعمل أحفاد الحكيم كونفوشيوس ويخلقوا ابتكاراً حضارياً من دون أن ينسوا عراقة تاريخهم ليوصلوا به مستقبلاً زاهراً بالعمران أرضاً وسماءً ورفاهية يستحقونها بجدارة العقل والكدح اليدوي. وحقّ علينا أن نردد ما قاله نبيّنا الكريم (ص): اطلبوا العلم ولو في الصين.