مجاناً في بغداد.. مشروع عطاء لمساعدة المحتاجين

1٬386

ذوالفقار يوسف/

بعيداً عن الدعاية والرياء، وبدون أي دعم مادي من مؤسسات حكومية، أو منظمات خيرية، انشأت مجموعة من الشباب الواعي، مشروعاً لخدمة الفقراء والأيتام. فكرة المشروع انطلقت عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، وتنامت حتى غدت مشروعاً إنسانياً فاعلاً، يديره شباب عراقيون يهدف إلى مساعدة المحتاجين وفتح آفاق أمل للشباب العاطلين والباحثين عن فرصة لإثبات الذات.

فكرة المشروع

ولدت فكرة المشروع من خلال صديق محمد منهاج وهو شاب عراقي يقيم في السويد، والتي تمتاز هي وباقي دول أوروبا بمداولة الأثاث المستخدم، ومن هذا المنطلق ابتكر محمد وأصدقاؤه المشروع، حيث قاموا بفتح صفحة في الفيس بوك تحمل عنوان “شبكة عراقيون كالجسد الواحد” في بادئ الأمر، ثم تغير اسم الصفحة إلى “مجاناً في بغداد” انضم من خلالها بعض الأصدقاء والمقربين، ومن ثم أصدقاء المقربين، وهكذا استمرت وتنامت المجموعة إلى أن وصلت إلى أكثر من (80) ألف متابع وصديق، والعدد في زيادة مستمرة، برغم أن الفكرة لم يتجاوز عمرها السنة، وقد طرأت فكرة لكسب أصدقاء، وهي عند الذهاب لأية محافظة يقومون بحجز 4 مقاعد لمن يريد الذهاب دون أن يدفع تكلفة السفر، وبهذا يكسبون الأصدقاء والمتبرعين.

مهن

شمل المشروع العديد من أصحاب المهن والحرف ورجال الأعمال والعديد من الأنشطة، ولم يقتصر على التبرع العيني والأموال، فمنهم من تبرع بتعليم مهنته للشباب وبعضهم ومن خلال مهنته تبرع، يحدثنا محمد منهاج عن احدى الطبيبات، حيث يقول: هناك طبيبة تبرعت بمعاينة المواطن مجاناً في عيادتها، وهناك أيضاً العديد من الصيدلانيين الذين يوفرون الدواء لمن لايستطيع شرائه، وهناك أيضاً من يقوم بالتبرع بالدم عند الحاجة.

لم تكن مهنة الطبابة هي الوحيدة في مشروعنا، فقام أحد الحلاقين بحملة لتعليم 10 أشخاص لمهنة الحلاقة مجاناً، عسى أن يتمكنوا من فتح باب رزق لهم، وهناك العديد من المهن، كالسائق، والبناء، والمضمد، والحداد، فلكل مهنة وجود في مشروعنا الخدمي.

من الفلوجة إلى كربلاء

مع مضي الوقت تطور المشروع من التبرع بالأثاث إلى أنشطة أخرى حتى وصلت إلى التكفل بمصاريف اجراء العمليات الجراحية، هذا ما اخبرنا به “حيدر عبد حلول” أحد أعضاء مشروعنا حيث قال: وصلتنا مناشدة من أحد الاخوة من محافظة السماوة يحتاج لاجراء عملية جراحية، فتبرع رجل من مدينة الفلوجة بمبلغ العملية والعلاج بأكمله، واقترح أن تكون العملية في احدى مستشفيات كربلاء فالعراقي “حليبه طاهر”.
وأضاف حيدر: ليس كل ما يتم التبرع به زائداً عن الحاجة، بل في بعض الأحيان يتبرع بعض الأشخاص بأشياء عزيزة، وفي أكثر من موقف، ففي أحد الأيام تم الرد على مناشدة أحد الاخوة المحتاجين من قبل امرأة تسكن الأعظمية، وقد تبرعت بغرفة نوم لأحد مقاتلي الحشد الشعبي، والذي كان مقبلاً على الزواج، حيث قالت عندما استلمنا الغرفة منها بأن هذه الغرفة عزيزة عليها إلا أن فرحتها كانت أكبر من اعتزازها بها عندما علمت بأن المستلم من الحشد الشعبي، مضيفةً بأن لولا جهودهم في الحرب على داعش لما كان لنا حياة، وهذا أقل ما أقدمه لأحدهم لما قاموا به من تضحيات بالغالي والنفيس.

مبيت في السيطرات

همنا الوحيد هو ايصال الحاجة للمحتاج، والوقت عنصر مهم لدينا ولديه، لأنه يكون في انتظار ما وعدناه به بأقرب وقت، هذا ماقاله “محمد منهاج” ويضيف: أن وقتنا محدود فنحن أصحاب عوائل ولسنا متفرغين للعمل الطوعي، ولدينا التزامات خارج اطار العمل في المجموعة، ومن المشاكل التي نواجهها، هي السيطرات الأمنية وقد تصل إلى حد المبيت في السيطرة إلى صباح اليوم التالي، وفي بعض الأوقات نقوم بالرجوع إلى منزل المتبرع لارجاع الحاجة له، بسبب ” كتاب عمليات بغداد” وصعوبة الحصول عليه، ولا أجد نفسي هنا الا مناشداً كل من رئيس الوزراء ومكتب عمليات بغداد بأن توفر لنا وسيلة لتسهيل مهمتنا في نقل مايمكن ايصاله لخدمه المحتاج بأقرب وقت.

مبادرة “كيا”

انطلقت فكرة مجاناً في بغداد وانطلقت معها أفكار كثيرة، وآمال كبيرة، ومع هكذا آمال لابد أن تتوفر وسائل تقوم بتسهيل هذه الغاية، فقد بادرنا بمشروع لشراء سيارة من نوع “كيا حمل” لتسهيل مهمة نقل الأثاث من المتبرع إلى المحتاج بدون كلفة، والرائع في الأمر بأن المشروع قد تكلل بالنجاح، فمنهم من تبرع بمبلغ (800) دولار، وآخر بـ(200) دولار، وآخرين تبرعوا بخمسة الاف دينار، وبعضهم قد تبرع بمبلغ (1000) دينار، على حد قول “محمد منهاج” حيث أضاف: نحن بصدد شراء عجلة ثانية في السنوات القادمة بأذن الله.

نخوة عراقية

شددنا العزم ونحن موقنين بأن العراقيين ليس لهم مثيل في نفوسهم الطيبة، وعطائهم الذي لن ينجلي برغم المأساة والظروف التي طرأت عليهم على مر السنين، قالها حيدرمعللاً بذلك” غمرنا أكثر من موقف جميل لكن هناك مواقف لاتغيب عن أذهاننا، فاخواننا من الطائفة المسيحية، كانوا كما عهدناهم أهل نخوة وغيرة لاخيهم المسلم، فقد تبرع رجل مسيحي إلى مسلم يحتاج لعملية جراحية، وقد تكفل هذا الرجل الذي رفض الافصاح عن اسمه بمبلغ العلاج وقدره (7) ملايين دينار، وقد اجريت العملية بأكمل وجه، وآخر من الطائفة المسلمة تبرع إلى عائلة مسيحية متعففة، براتب شهري، فعندما تواجهنا هكذا مواقف نجد بأن العراق لا يزال كما عهدناه، شعبه واحد، لايفرق بين طائفة وأخرى، أو بين مذهب وآخر.

توقعنا أن ينجح المشروع على المدى البعيد، ولم يكن في الحسبان بأن نصل إلى ماوصلنا إليه الآن وبهذه السرعة، فحب الوطن وتوفيق رب العالمين وطيبة العراقيين كلها أسباب جعلت هذا المشروع يصبح على ما أصبح عليه الآن، والقادم أفضل بأذن الله.