محاولات جادة لاستكشاف وحش الـ(نينيو)

1٬037

شَرَع علماء المناخ منذ مدة قصيرة في مهمة بحثية لدراسة ظاهرةالـ “نينيو”، مثير المتاعب المناخية، والمتسبِّب في اضطرابات المناخ في مساحات شاسعة من الكرة الأرضية. وعلى مدار الشهرين المقبلين، سوف يستخدم باحثون أمريكيون طائرات، وسفينة أبحاث، ومئات من مناطيد الأرصاد؛ لمراقبة الإقليم الواقع في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ،
حيث يتشكل الـ “نينيو”. في نهاية المطاف، يقول العلماء إن قياساتهم قد تساعد على تحسين تنبؤات الطقس، وقد تكشف أسرارا عن كيفية تطوُّر أحداث أل (نينيو) القوية.
ارتفاع الحرارة
يقول “لراندال دول” العالِم البارز في المشروع، وخبير الأرصاد الجوية بإدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأمريكية «NOAA» في بولدر بولاية كولورادو: «إننا نشهد حالة من المناخ المتطرف.. حالةً نعرف أنها تميل إلى إنتاج ظروف مناخية قاسية في جميع أنحاء العالم. ونحن في طريقنا إلى اكتشاف جوهرها».
إن ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن ظاهرة الـ« نينيو»، الذي انتشر في المحيط الهادئ الاستوائي، يُعد واحدا من أقوى الارتفاعات المسجَّلة مع وصول درجات حرارة المحيط إلى أكثر من ثلاث درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي عبر الأجزاء الوسطى والشرقية من حوض المحيط. تحفِّز هذه الحرارة تيارات الحمل الحراري في الغلاف الجوي، التي بدورها تعدِّل مسار التيارات الهوائية الرئيسة، وفي كثير من الأحيان تقوم بإرسال العواصف العاتية نحو كاليفورنيا، بينما تؤدي إلى جفاف أجزاء من جنوب شرق آسيا، وأستراليا، وشرق أمريكا الجنوبية، لكن الباحثين لا يمتلكون سوى القليل من البيانات عن التغيرات في الغلاف الجوي في قلب المنطقة الواقعة تحت تأثير الـ (نينيو)، لأن منطقة المحيط الهادئ الاستوائية البعيدة هي بمثابة الثقب الأسود للأرصاد الجوية.
استشعار عن بُعد
ولبدء الحملة البحثية الاستكشافية، أرسلت إدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأمريكية طائرة أبحاثها «جولف ستريم5-» إلى هاواي، كقاعدة انطلاق لحوالي 20 رحلة جنوبًا باتجاه خط الاستواء. وباستخدام جهاز استشعار عن بُعد، ومجموعات من الأجهزة المحمولة على متن الطائرة، سوف يقيس الفريق البحثي سرعة الرياح، ودرجة الحرارة، والضغط الجوي، والرطوبة من على ارتفاع يتراوح بين 12 و14 كيلومترا، وصولًا إلى سطح المحيط.
كبر الصورة
كما انضمت طائرة «جلوبال هوك» – بدون طيار- تابعة لوكالة «ناسا» في فبراير الماضي إلى الحملة؛ لتطوف فوق الجزء الشرقي من المحيط الهادئ في أربع رحلات، تستغرق كل منها 24 ساعة. وفي الوقت نفسه، سوف تُطْلِق إدارة المحيطات والغلاف الجوي القومية الأمريكية حزمة من الأجهزة على متن مناطيد الأرصاد من كيريتيماتي، أو جزيرة عيد الميلاد، وهى جزيرة مرجانية قرب خط الاستواء في قلب الإقليم الذي تتكون فيه ظاهرة الـ« نينيو». وسوف يُطْلِق الباحثون أيضا أجهزة يحملها منطاد من سفينة أبحاث «رونالد إتش براون»، وذلك أثناء قيامها برحلة بحرية مُعَدَّة سلفا في وسط المحيط الهادئ.
مشروع مناخي
جاءت فكرة الحملة التي تكلفت تحديدا 3 ملايين دولار بسبب زيادة معدل الاحتباس الحراري في العام الماضي. وقد لاحظ “دول” وزملاؤه أن لديهم فرصة نادرة لتجميع أول قياسات مفصَّلة للغلاف الجوي لوحش الـ« نينيو». وقد بذلت إدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأمريكية قصارى جهدها لتبدأ الحملة في غضون بضعة أشهر، بدلًا من مدة السنتين أو الثلاث سنوات المعتادة، المستغرَقة لبدء مشروع مناخي ميداني كبير.
كان لدى الوكالة بعض الموارد التي استطاعت توفيرها. ويرجع الفضل في ذلك إلى الطريقة التي غيَّرت بها ظاهرة الـ« نينيو» الظروف المناخية فوق المحيط الأطلنطي، حيث كان هناك عدد أقل نسبيّا من العواصف الاستوائية في العام الماضي. ويعني ذلك أن الوكالة لم تَستخدِم كل وقت الطيران المخطَّط للطائرة «جولف ستريم-5» صائدة الأعاصير، التي تطير فوق العواصف؛ لتجمع بيانات مفيدة لخبراء الأرصاد الجوية. وقد أدَّى موسم الأعاصير الهادئة أيضا إلى عدم قيام «جلوبال هوك» بالكثير من رحلات الأبحاث في المحيط الأطلسي، كما كان مخططا له في العام الماضي.
وحسب ما قاله “دول”: «لقد حققنا ذلك إلى حد كبير، عن طريق إعادة تخصيص المَبالغ المالية، فنحن نعمل في حدود الميزانية الحالية، ونغيِّر كل شيء حسب الحاجة».
وطبقًا لأليكسي فيدوروف، منمذِج المناخ في جامعة ييل في نيو هيفن، كونيتيكت، فنظرا إلى أن أحداث الـ« نينيو» الحادة نادرة جدا، «فمن المهم أن ننتهز أي فرصة لجمع بيانات بقدر الإمكان». ويقول فيدوروف ـ الذي لا يشارك في الحملة ـ إن الباحثين يفتقرون إلى فهم كامل للطريقة التي يتطور بها الـ« نينيو»، ويغيِّر بها أنماط الطقس العالمية.
إنّ الهدف المباشر للمشروع هو مساعدة خبراء الأرصاد الجوية لفَهْم كيف يؤثر الغلاف الجوي الجامح على الطقس حاليا. ومن خلال جمع القياسات المباشرة من هذه المنطقة فقيرة البيانات، يأمل قادة حملة إدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأمريكية في تحسين التنبؤ بالطقس، والسماح للباحثين باختبار نماذج الطقس، من أجل فهْم أفضل لمصدر الأخطاء في تلك النماذج.
وسوف تتيح الوكالة بيانات الحملة الميدانية من خلال رفعها على نظام الاتصالات العالمي الخاص بمنظمة الأرصاد الجوية العالمية، بحيث يمكن للمتنبئين بالطقس في جميع أنحاء العالم الوصول إليها. ويقول بيتر باور ـ منمذِج غلاف جوي في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى في ريدنج، المملكة المتحدة ـ إنه يخطط لتغذية تجارب النماذج بالبيانات؛ بهدف تحسين التنبؤات لأوروبا. ويكمل باور حديثه قائلًا: «إن لهذه الحملة أثرا محتملًا بالغ الأهمية».

بتصرف عن Nature دورية العلوم الدولية متعددة التخصصات