مزار الشريفة بنت الحسن.. يضاهي بخدماته العتبات المقدسة

1٬447

عامر جليل ابراهيم – تصوير:  حسين طالب /

ليس من قبيل المصادفة أن يكون قبر الشريفة ومرقدها في مدينة كانت عبر التاريخ موطناً لحضارة بابل ومكان ولادة الكثير من الأنبياء والرسل ومحط رحال آل البيت عليهم السلام، فهي بنت الحسن بن علي بن أبي طالب سبط أشرف الأنبياء.

هي رملة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب وأمها فاطمة أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة الخزرجية.
الحلّة.. حاضنة الحضارة
“مجلة الشبكة” كانت لها زيارة لمرقدها الشريف للتعرف على تفاصيله ضمن سلسلة السياحة الدينية في العراق. وكان اللقاء مع الأمين الخاص للمرقد سماحة الشيخ رؤوف عبد العباس الفتلاوي.
الفتلاوي يقول في بداية الأمر: مدينة الحلة الفيحاء مدينة عريقة وعظيمة, مدينة ولادة الأنبياء ومقرهم, وكانت حاضنة للحضارة البابلية وهي مدينة متنوعة الأطياف.
تشرفت هذه المدينة بولادة الأنبياء، سلام الله عليهم، منهم نبي الله إبراهيم الخليل وذو الكفل وأيوب، ثم كانت محط رحال الأئمة، سلام الله عليهم. وهي منطقة عبور إلى نينوى وإلى البصرة، واعتمدها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كعاصمة دينية وثقافية.
أصبحت مقراً للحوزة العلمية، واستمرت على هذا المنوال لأربعة قرون منذ زمن العلّامة الحلّي والمحقق الحلّي والسيد ابن إدريس، وتخرج منها الكثير من العلماء.
ولاتزال الحلة مدينة الشعراء والأدباء أمثال الشعراء جعفر الحلي و حيدر الحلي ومهدي القزويني وصفي الدين الحلي وآخرون.
وهذا المكان، حيث مرقد العلوية شريفة بنت الحسن، مكان قديم جداً توارثناه من آبائنا وأجدادنا.
اسمها ونسبها
ويضيف: هي الشريفة، اسمها رملة بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب (ع)، وتكنى بأم الحسين, أما إخوتها من أبيها وأمها فهما نفيسة وزيد.
كان من عادات العرب أنهم يستخدمون الكنية مع الاسم, لما فيها من التعظيم والاحترام ولكلا الجنسين الذكر والأنثى, فكانوا يقولون للمرأة أم فلان, وأحياناً يكون الابن الأكبر لها, إن هذا الأمر من الأمور المستحبة في الشرع الإسلامي, إذ كان يستحب تكنية الرجل والمرأة حتى الصغار منهم, قال النبي (ص): “من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن كنيته وأدبه وأن يعفه إذا بلغ”. وكانت رملة بنت الحسن عليه السلام تكنّى بأم الحسين, ويبدو أن هذه الكنية جاءت تيمناً بكنية جدتها فاطمة الزهراء (ع) التي كانت تكنّى بأم الحسن وأم الحسين, لذا فإن الإمام الحسن عليه السلام كنّى ابنتيه من زوجته أم بشير تيمناً بكنية أمه الزهراء (ع) فكنّى ابنته الأولى نفيسة بأم الحسن, وابنته الثانية رملة بأم الحسين, أما كنيتها الأخرى فهي أم الخير.
عاشت مع الإمام الحسين
ولدت رملة قبل وفاة أبيها الإمام الحسن (ع) بمدة قصيرة ويرجح أنها ولدت سنة 49هـ, لم تحظ رملة برفقة طويلة مع أبيها, فقد استشهد الإمام الحسن (ع) سنة 50هـ وكان عمر الطفلة رملة لا يتجاوز السنتين, فانتقلت لتتربى في كنف عمها الإمام الحسين (ع) وفقاً لوصية الإمام الحسن.
ويبين الأمين الخاص قائلاً: ترعرعت هذه الطفلة الصغيرة “رملة” في أحضان عمها الإمام الحسين ليمدها بالحب والحنان, وهي تكبر أمام عينيه, وتمر الأيام والسنون والأحداث المختلفة بين عمها الإمام الحسين ومعاوية بن أبي سفيان، ومن ثم ابنه يزيد حتى قدوم سنة الأحزان والمصائب سنة 61هـ.
يضيف الشيخ الفتلاوي: حضرت رملة مع عمّها الإمام الحسين إلى كربلاء حيث معركة الطف، وشاهدت وعاشت وقائع عاشوراء الأليمة من مصائب ومحن. فقد شهدت مصرع أعمامها وفي مقدمتهم الإمامان الحسين والعباس(ع). وقبلهما رأت مقتل إخوتها القاسم وأبي بكر وعبد الله وهجوم أعداء الله والدين على خيم النساء من عماتها وأخواتها، وما رافقه من حرق للخيام وسحق الخيل لعدد من الأطفال والفتيان والفتيات في هذا المخيم, وكانت الشريفة (رملة) بنت الحسن من ضمن الذين تعرضوا للسحق هي وأختها أم الحسن.
سيقت رملة بنت الحسن مع السبايا من كربلاء إلى الكوفة وهي عليلة، وبعد الكوفة تقرر سوق الأسرى والسبايا إلى يزيد بن معاوية في دمشق, وفي منطقة سوق أسد سلمت العليلة رملة أمرها لله عزوجل لتنتقل روحها إلى باريها, بعد معاناة مع مرضها ومعاناتها, وتقرر دفنها في هذه المنطقة لتتشرف هذه البقعة من الأرض بمدفن هذه العلوية الطاهرة المطهرة (اليتيمة, السبيّة, العليلة, الشهيدة)، وكان تاريخ استشهادها في 20محرم 61هـ وكان عمرها (11ـ 12) سنة.
المرقد الشريف
تبلغ مساحة المرقد الشريف 82 دونماً، كما يقول مناضل علي حسن، رئيس دائرة المهندس المقيم، ويضيف: بدأنا مشروع التوسعة في العام 2017 وشمل بناء الحضرة المطهرة بأبعاد 48×42م وبارتفاع 9,7 م. يحتوي المشروع على مئذنتين بقطر 3,5م وبارتفاع 40م وتتوسط الحضرة قبّة من الخارج بقطر 15م وبارتفاع 32,5م ومن الداخل بقطر 14,5م وبارتفاع 25م.
تحتوي الحضرة على 12 باباً 4 منها أبواب ذهبية، في كل جانب باب، و 8 أبواب خشب، في كل جانب بابان. كذلك يحيط بالحضرة المطهرة من الجهة الجنوبية رواق الإمام الحسن (عليه السلام) بمساحة 2000م والذي يحتوي على قاعة وسطية بمساحة 540م مربعاً و16 غرفة موزعة على الطابقين لخدمات الزائرين وكذلك يحتوي على 4 أبواب جانبية لدخول وخروج الزائرين. ومن الجهة الشرقية رواق أم البنين (ع) وبمساحة 2000م2 ويحتوي على قاعة وسطية بمساحة 432م2 وتحتوي على 20غرفة موزعة على الطابقين لخدمة الزائرين و 4 مداخل ثانوية ومدخل رئيس يحتوي على جابيات للضوء في أكثر من مكان للنساء والرجال، أما من الجهة الغربية فهناك رواق الحوراء زينب (عليها السلام)، وهو مشابه لرواق أم البنين عليها السلام.. أما من الجهة الشمالية فيحتوي على طارمة أمامية بأبعاد 6×42م وبوابة رئيسة للدخول إلى الحضرة.
السرداب والأواوين
ويكمل حسن: أسفل منتصف الحضرة من الجهة الجنوبية تم إنشاء سرداب بأبعاد 38×42 م مع إضافة 15×6 م من الجانبين للخدمات. وبهذا تكون المساحة 1776 م 2وبارتفاع 5،4 م يحتوي على 4 سلالم كهربائية و4 مصاعد كهربائية و4 سلالم كونكريتية لحركة الزائرين، كذلك يحتوي على شفت خدمة لتمرير كل الخدمات الميكانيكية والكهربائية.
وهنالك مشروع الأواوين الخارجية الذي تم إكمال التصميم المعماري لها، وحالياً يتم المباشرة بالتصاميم الإنشائية والميكانيكية والكهربائية، وبعد إكمالها سيتم المباشرة بالتنفيذ.
وتوجد مجاميع صحية موزعة حسب المخططات المعمارية يتم تنفيذها تباعاً وحسب خطة الإعمار المعدّة، وحالياً توجد ثلاث مجاميع صحية كل مجموعة تحتوي على 64 مجموعة للرجال والنساء.
الخدمات
ويختم الشيخ الفتلاوي، اللقاء بالقول:
يقدم المزار حالياً خدمات تضاهي خدمات العتبات المقدسة، فلدينا مضيف يومياً لإطعام بحدود 2000 شخص في وجبة الغداء وألف شخص في وجبة العشاء، وتتوفر محطات تحلية الماء وتصفيته .
لم نقطع الزيارة طوال فترة الإعمار مع وجود أعداد كبيرة من الزائرين ولاسيما ايام الخميس والجمعة والسبت وتوافد الكثير من الفضلاء والعلماء من العراق وخارجه.
وبعد زيارة وتوجيه السيد السيستاني شفوياً بالاهتمام بمركز القرآن الكريم قمنا بإنشاء شعبة ثقافية وشعبة الشؤون الدينية للرجال والنساء لتوجيه الناس والإجابة عن الأسئلة الشرعية بكادر نسوي وآخر رجالي.
نطمح أن تكون المدينة مدينة سياحية دينية بوجود فندق من خمسة طوابق درجة أولى على مسافة قريبة من المرقد وفندق ثان سوف يفتتح عن قريب ومولات ومطاعم.