مقاهي دمشق العتيقة .. عبق الماضي بألق الحاضر

1٬133

 مهدي باجلان /

في قلب دمشق القديمة، وعميقا بين أزقتها، مقاهٍ احتضنت روادها من داخل وخارج دمشق وحافظت على تراثها بالرغم من الحداثة في أغلب المقاهي والكافيهات الحديثة.

مجلة “الشبكة” كانت لها جولة داخل أروقة مقاهي دمشق العتيقة وحكايات من ماض بعيد .

مقهى النوفرة

النوفرة هو أقدم مقهى في دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية حيث يتجاوز عمره الـ 500 سنة. يقع مقهى النوفرة في حي النوفرة، الذي كان يعد من محاسن دمشق في العصور الوسطى، ويطل على الجهة الخلفية الجنوبية للجامع الأموي ويتكون من صالة داخلية وصالة خارجية.

وسُمي المقهى بالنوفرة نسبة للنافورة التي كانت تتدفق بارتفاع 4 إلى 5 أمتار في بحيرة مجاورة للمكان. وقد توقفت هذه النافورة عن التدفق بعد توقف النهر الذي كان يغذيها واسمه “نهر يزيد” عن الجريان منذ 50 عاما.
حكواتي معاصر في مقهى النوفرة في دمشق

يحتفظ مقهى النوفرة بالتراث العريق للمقاهي الدمشقية القديمة المتمثل بوجود الحكواتي، النوفرة الذي ما زال محافظا على هذا التراث والذي يقوم في ليالي رمضان بفتح الكتاب ليروى الروايات والحكايات القديمة ويجلس الكثير من الناس وحتى الزائرون للمدينة لغرض الاستمتاع بمهنة اندثرت في أغلب البلدان العربية.

مقهى الهافانا

مقهى دمشقي يقع في قلب مدينة دمشق، العاصمة السورية، على الجهة اليمنى لشارع بور سعيد الممتد بين ساحة يوسف العظمة ومحطة الحجاز، يقع في منطقة مهمّة رسميا واقتصاديا وثقافيا، حيث يجاور بناء المحافظة التي تقع في ساحة يوسف العظمة، ويجاور منطقة الفردوس التي تنتشر فيها أغلب مكاتب الطيران، ويجاور سوق الصالحية الذي يعدّ من أقدم وأعرق أسواق دمشق، وتعود شهرته لجذبه لعدد كبير من المثقفين، ما جعله مكانا لالتقاء الأدباء والمفكرين والشعراء ليس السوريين وحسب، بل العرب أيضا.

ولمقهى الهافانا تاريخ عريق في دمشق، احداث وقصص وشخصيات بارزة من المجتمع السوري ومن العرب كانت ترتاده منذ الأربعينات في القرن الماضي فقد كان من المقاهي الهامة، ومن رواده السوريين الشاعر محمد الماغوط والعالم زكي الأرسوزي والاديب الشاعر إسماعيل عامود والكاتب الساخر شريف الراس ومن الشعراء والأدباء السوريين ومن السياسيين في الأربعينات والخمسينات، ومن رواده ممن كانوا يأتون دمشق من الدول العربية كان بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وأحمد الصافي النجفي الذي كان مقيما في دمشق، وكان يجلس في «الهافانا» لساعات طوال، محمد مهدي الجواهري مظفر النواب والمصري أحمد عبد المعطي حجازي.

مقهى الروضة‌ والبرلمان الدمشقي

أسس مقهى الروضة في سنة 1938عندما حول عبدالرحمن المرادي دار سينما صيفية الى مقهى شعبي.

على مر السنوات أصبحت الروضة معلماً من معالم دمشق وتقع على بعد امتار من مبنى البرلمان ونجحت في ان تصبح مكانا مفضلا للقاء السياسيين بحيث كانت الوزارات تشكل في الروضة، كما أصبحت ملجأ لعدد من اللاجئين السياسيين وخصوصاً العراقيين.

وجوه في مقهى الروضة

ابو الحكم، الذي يعمل في المقهى منذ 20 تشرين الثاني 1975 ، يقول: لو كنت اسير على الماء لكنت وصلت الى اميركا خلال ثلاثين سنة من المشي في بهو المقهى وهو فخور بأنه شاهد معظم مثقفي سورية وفنانيها يجلسون فيه ويتناقشون على كأس شاي ونرجيلة او صفحات جريدة ويعرف مواعيد الزبائن وكما يعرف مزاجاتهم وما يرغبون بشربه من يده.

المختار في المقهى

ففي مقهى الروضة يوجد مختار يقل نظيره في عالم المخاتير كونه ليس بمختار تقليدي وليس ممن يحمل ختما لكي يؤيد الناس ويسهل معاملاتهم.

إذ خرج لبيد رشيد بكتاش من بيته في بغداد العام 1975 ولم يعُد حتى هذه اللحظة لم يعرف أنَّ عمراً بأكمله سيصرفه على طاولة مقهى في دمشق، أبو حالوب الشاب العراقي الذي درس في روسيا وعاد منها إلى دمشق وبقي فيها إلى الآن.

كانت طاولة أبو حالوب هي السفارة العراقية في دمشق، وكان أبو حالوب هو السفير. كل عراقي يريد السؤال عن عراقي آخر يأتي إلى أبي حالوب لديه عناوين العراقيين في الداخل والخارج في المنافي البعيدة، في السويد ولندن وكندا وأستراليا والعالمين العربي والغربي، في الشمال والجنوب. إذا ضيع عراقي عائلته دلّه أبو حالوب إلى عنوانها، وإذا خرج عراقي من الداخل فإن أول شيء يفعله هو المجيء إلى مقهى الروضة كي يدله أبو حالوب إلى العناوين التي يحتاجها..سمي بسفير العراق في دمشق في أكثر من مقال. وبعد عدة سنوات من سقوط النظام المباد وعند افتاح السفارة العراقية من جديد لابد ان يكون تسلم وتسليم بين السفيرين، اتصلت السفارة الجديدة عبر أحد موظفيها وقيل بأن السفير الجديد يريد ان يكرم أبا حالوب ودعوته إلى غداء مع السفير، لكنه رفض الدعوة بحجة أنه لا يستطيع ترك دوامه في المقهى وأردفَ بأنه لا يمانع في استقبال السفير في مقهى الروضة ومازال صامدا في دوامه ومحافظا على توقيتاته بالدوام من العاشرة صباحا لغاية الرابعة عصرا ومن الخامسة عصرا لغاية العاشرة‌ والربع ليلا وكل يوم جمعة في الساعة الثالثة وعشرين دقيقة يذهب لحمام الورد وينتظر اي عراقي يريد الاستعانة به او لديه بريد .

مقاهي دمشق مازالت تحافظ على عبق ماضيها ولم تؤثرالمقاهي التي تحمل الطابع الحديث على المقاهي القديمة. ومازالت تستقبل روادها وليست كالمقاهي التقليدية ولاتقتصر بكون روادها من الرجال فقط بل أيضا اجمل بنات دمشق من رواد المقهى .