مكتبة الجبايش للأطفال.. كانت حلماً في البدء

1٬164

ريا عاصي/

أدرجت اهوار العراق في لائحة التراث العالمي يوم 17 تموز2016 من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حسب المعاهدة الموقعة من قبل 192 بلدا عام 1972والتي تسمى (معاهدة حماية الموروث الحضاري الطبيعي)، التي تضمنت توصيات للتعاون الدولي في الحفاظ على المواقع ذات القيمة العالمية، باعتبارها ملكا للأجيال المقبلة.

ويعني إدراج أي موقع في اللائحة أنه أصبح ضمن المواقع الفريدة التي يجب الحفاظ عليها وإبعاد خطر اندثارها.
ويوم الادراج شهدت مواقع التواصل الاجتماعي العراقية الكثير من مظاهر الفرح والدعوات من قبل الجميع لزيارة هذه المواقع التي تعد من اجمل بقاع الجنوب العراقي.وحمل بعض المدونين الدولة مسؤولية الحفاظ عليها كثروة وطنية والبعض الآخر اصر على ان يتقاسم هذه المسؤولية وان يساهم في دعم هذه المناطق التي عانت الإهمال من قبل السلطات المتعاقبة على العراق.

نخلات عراقيات

مجموعة من النساء العراقيات قررن تحمل المسؤولية وارتأين ان يرسمن الفرحة على وجوه اطفال هذه المناطق من خلال تأسيس مكتبة للطفل في مدينة الجبايش في محافظة ذي قار، جنوبي العراق وأسموها (مكتبة الجبايش) ايمانا منهن بالعمل الجماعي وبحقوق الطفل ومساهمة منهن في دعم الاهوار والطفولة.

التقت *الشبكة* بالسيدة رغد عداي، وهي كاتبة شابة في مجال ادب الاطفال، لديها قصة باسم “حكاية لينا وجنيات دجلة” والتي رسمت لوحاتها الفنانة رؤى عبد الكريم والحاصلة على الماجستير من جامعة لندن في مجال دراسات التنمية عام 2013، كما التقينا الفنانة انطلاق محمد علي صاحبة البصمة الكبيرة في ذاكرة الأجيال العراقية التي تسعدنا ريشتها برسم كم كبير من الأحلام العراقية داخل مغلفات مجلتي (مجلتي والمزمار) العراقيتين اللتين تصدران عن دار ثقافة الاطفال حيث عملت ومازالت تعمل كرسامة تصويرية منذ اربعة وثلاثين عاما، متخصصة في مجال ثقافة الأطفال واليافعين وهي متفرغة للعمل الحر اليوم. والحاصلة على العديد من الجوائز العالمية والشهادات التقديرية والحريصة أبدا على التوعية في مجال تربية الطفل وتثقيفه.

“لمة فرح”

كانت فرحتهن لا توصف وهن يتحدثن عما دار في مكتبة الجبايش اذ تقول رغد “أهالي المنطقة وخصوصاً الأطفال كانوا فرحين ومتحمسين لافتتاح المكتبة.. وقد حضروا بأعداد جيدة مما اسعدنا جداً”، اما السيدة انطلاق فتقول “كثيراً ما أسمع عن (فرحة غامرة) ولكن في الجبايش لمست ذلك بقوة وعشتها من الاخرين ومعهم وفي داخلي كانت أيام من العمر حيث الأهالي مهتمون جداً والأطفال كانوا سعيدين بهذا الحدث بكل تفاصيله التي ادهشتهم .. هم اناس انقياء على الفطرة طيبون وكرماء بشكل عجيب وطموحون.”

في البدء كان حلماً

تقول السيدة رغد عداي إن دخول الأهوار لائحة التراث العالمي وانخراطي في العمل المدني ألهمني أن أطرح فكرة اقامة مكتبة في الجبايش للأطفال على صديقاتي وعائلتي، الجميع ابدى اهتمامه وحرصه على تحقيق هذا الحلم وقامت الفنانة انطلاق بالتواصل مع الناشرين في العراق والدول العربية الذين تعرفهم بحكم عملها في مجال رسم كتب الأطفال منذ زمن طويل، وقد استجاب الكثير منهم. وكلما ارسل أحدهم صورا للكتب التي تبرع بها كانت تنشرها على صفحتها مع عبارات الشكر لهم. وهذا الاعلان كان حافزاً لبعض مؤلفي كتب الأطفال للتبرع بكتب من تأليفهم. وهنا اشارت السيدة انطلاق عندما حدثتني رغد عن المشروع أخبرتها أن بإمكاني التواصل مع ناشري كتب الأطفال الذين أعرفهم بحكم عملي في هذا المجال لسنوات طوال. وفعلاً كانت استجابتهم كريمة جداً. وأحب هنا أن أشكرهم على وقفتهم الداعمة وهم : دار أصالة ودار البنان ودار الحدائق ودار كان ياما كان ومجلة مهدي من لبنان ودار السلوى ودار الياسمين من الأردن … كما تبرعت كل من : مؤلفة كتب الأطفال (باسمة الوزان) من الكويت و (سمر محفوظ) من لبنان بمجموعة كتب من تأليفهن…وبحمد الله وصل عدد ما تبرعوا به الى (750) كتابا بالإضافة الى 350 كتاباً تم التبرع بها مباشرة لرغد من قبل دار البراق لثقافة الأطفال ومكتبة الشمس العلمية وشركة كي كارد مع عدد من الأصدقاء والصديقات وغيرهم من المهتمين الذين تحمسوا مثلنا للمكتبة ودأبوا على مساندتنا حتى الافتتاح. اضافت السيدة رغد: اي حلم تحاول تحقيقه عليك ان تشاركه بمن يؤمن بنفس الحلم وبالفعل ساهم معنا الحالمون والحالمات من الاصدقاء والصديقات مثل الدكتورة الجراحة ورسامة قصص الأطفال رؤى عبد الكريم والدكتورة في مجال المكتبات هناء الأبرشي وسامر سعد المختص بتكنلوجيا المعلومات وهو ملجأنا الاول في معالجة مشاكلنا الحاسوبية والتقنية.

الحلم صار حقيقة

“أود ان اشكر السيد مارك مؤسس الفيس بوك”، هذا ما قالته السيدة رغد وهي تبتسم وتضيف: فمن خلال صفحات الفيس بوك تعرفت على كل من السيدة انطلاق رؤى والدكتورة ثناء، لقد كنّ يمثلن رمزا للعطاء والطيبة والاصالة العراقية اذ تبرعن بكل جهدهن ووقتهن لمساندة مشروع المكتبه وتحويل الحلم لحقيقة، لولاهن ما تمكنت من تكملة المشوار كما تمكنت من التواصل مع الناشط المدني رعد حبيب الأسدي من محافظة الناصرية واعلمني انه بصدد الترتيب لمكان يضم منظمته اللاربحية في الجبايش ودعاني لإقامة المكتبة لديهم. وبكرمهم المعهود قام السيد حبيب الأسدي والد الناشط رعد ببناء مضيف في منطقة الجبايش من القصب والبردي.

طفلة الجبايش

ابنة الجبايش الطفلة ذات العشرة اعوام مشاعل الأسدي اخذت على عاتقها ادامة المكتبة والتواجد داخلها من اجل مساعدة الاطفال في القراءة وقضاء اوقات ممتعة في سبر عالم المعرفة والعلوم والخيال من خلال الكتب المتوفرة اليوم داخل المضيف الذي بني على طريقة الأجداد يساعدها السيد انور الأسدي. استقبل اهالي الجبايش خبر اقامة المكتبة بفرح وارسلت الأمهات ابناءهن الى المكتبة بفرح غامر، علت الابتسامات والضحكات الوجوه جميعا وانتشرت صور الفعالية في الفيسبوك مضيفة لونا زاهيا صافيا رقراقا يمثل العراق وأهله بأجمل صورة من صور التعايش الاجتماعي.

بقي ان اقول: كان الحوار معهن يمثل لي هالة من الفرح والحب واستمددت من كلماتهن الطاقة الايجابية وشعرت أن لا وجود لحلم مستحيل، فبين كلمة واخرى كن يعدن ويزدن اننا لم نفعل شيئا خارقا، كل ما فعلناه أننا وحدنا الجهود وفتحنا قلوبنا للجميع وتلحفنا بحب بعضنا البعض.

عاشت اهوار العراق لسنوات عديدة تحت ظلم الطاغية ومن ثم تقلب الأجواء وشحّ المياه واليوم هي مصدر سعادة وخير للعراق فبداخلها بني اول البيوتات العراقية التي خلدها جدّنا السومري في منحوتاته ورسوماته مورثا لنا حب الماء والسمك وخيرات هذه الارض، الأهوار اليوم عروس العراق والحفاظ عليها ليست مسؤولية الدولة وحدها وهي تحتاجنا مثلما تحتاج الماء والطفل العراقي هو مستقبلنا القادم لذلك اتمنى ان نهتم بالهور والطفولة كاهتمام هذه الثلّة الجميلة البديعة.