مكتبة العين روَّادها طلبة حوزويون وعلماء

836

آية منصور – تصوير: يوسف مهدي /

لم تكن الكتب والإصدارات الجديدة متاحة بنحو مريح للقراء كافة، كما أنَّها لم تكن تفي بالأغراض العلمية والأدبية والفنية وغيرها ما قبل عام 2003 في العراق، لكنّها أُتِيحتْ وتوفرتْ بمرور الوقت، وأصبحت جميع الإصدارات موجودة بكثرة فوق الأرصفة، وعلى الرفوف، وبين خبايا القلب، امتلأ شارع المتنبي وشوارع أخرى بالمكتبات، فكانت العين إحدى تلك المكتبات “المحظورة سابقا” التي استطاعت أن تعود إلى النور بهيئة مكتبة كبيرة، مختصة بالتراث والتأريخ الإسلامي.
الحياة بعد 2003
يخبرنا السيد “عبد الأمير عبد الستار والمعروف باسم أبو أمل” مدير مكتبة العين، أنَّها تأسَّستْ بعد 2003 لكونها مختصة بالكتب الإسلامية فقط، وكان الترويج لهذه العناوين ممنوعاً على نحو قاطع، لكنّها اليوم أصبحت متوفرة بكثرة.
أبو أمل الرجل الأشيب، البالغ من العمر 53 عاما، الذي قضي حياته متنقلا بين الأزقة والدرابين لبيع الكتب، يرى أنَّ بيع الكتب المحظورة كان له نكهة خاصة، رغم عدم رواجها وقلة المحتاجين إليها
– عملت في أماكن عدة عملاً حرّاً، في الأسواق بعت البقوليات والخضراوات، لكن عملي الأبرز كان فرش الكتب على الأرصفة وبيعها في مناطق عدة، لم أثبت في مكان واحد، خوفا من الاعتقال أو المطاردة لبيعي الكتب المحظورة سرّا.
الكتب الخائفة من المطاردة
ويؤكد أنَّه كان يعتمد على شراء الكتب من أغلب العائلات التي تود الهجرة من العراق في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، لكنّه استطاع افتتاح المكتبة بمساعدة العديد من دور النشر العربية والأجنبية الإسلامية بعد افتتاح أول معرض للكتاب عام 2004.
– وفرت لنا هذه الدور عشرات العناوين الإسلامية والإصدارات العربية، وكان الجميع في بادئ الأمر متعطشاً للكتب الدينية بسبب حظرها في السابق، لكن اليوم لم يبق من رواد المكتبة سوى النخبة وطلبة الحوزة أو الجامعات الإسلامية.
المصحف في البدء
ويؤكد أن القرآن الكريم، هو أكثر الكتب المطلوبة، فضلاً عن كتاب مروج الذهب للمسعودي، وكتب الطبري وغيرهم، مضيفا أن روَّاد المكتبة ليسوا من بغداد وحسب، بل إن أغلب طلبة الدراسات الإسلامية او الشيوخ والمراجع يرتادون هذا المكان.
ويسترجع لنا، محاولة اعتقاله بسبب بيعه أحد الكتب وتذرعه بكون الكتاب مستنسخاً، ويذكر لنا كيف استطاع الحفاظ على رباطة جأشه والتصدي لهم:
– تذكرت وقتها كلام عائلتي لي، الذين أكدوا لي أنّهم في حال تعرضت لاعتقال أو قتل، سيتبرؤون مني، وألحوا علي طالبين أن أترك هذه المهنة الخطرة! لكني لم أفعل.
طلبة الحوزة هنا
وعند حديثنا مع السيد أبو أمل، دخل أحد رواد مكتبته، وزبائنها الدائمين، وهو سيد وائل، (40 عاما)، الذي يرتاد المكتبة منذ أكثر من عشرة أعوام، من أجل الكتب الخاصة بالحوزة، لدراسته فيها، ولكونه مدرّساً كذلك فيها، فضلاً عن دراسته الخاصة بهندسة الحاسبات، ويؤكد السيد وائل، أن المكتبة وفّرت له مئات المصادر والبحوث الخاصّة بدراسته:
– توفّر لنا مكتبة العين، مختلف العناوين والإصدارات، من مختلف المدن والمحافظات، اذا ما واجهت صعوبة بإيجاد كتاب، بالطبع سأجده هنا دون تفكير.
المكتبة التي تطبع الطلبات
ويذكر أن دراسة الحوزة تتطلب توفير عناوين ومنها منطق المكاسب الخاصة بالحوزة، وعلم الكلام، وغيرها من مناهجها الخاصة، الأمر الذي جعل مكتبة العين، تصبح دار نشر كذلك، لتضطلع بطباعة عشرات، بل مئات الإصدارات:
– منذ ستة أعوام حوَّلنا المكتبة إلى مطبعة، وذلك لكثر طلبات العناوين، ومن أجل توفيرها لا سيما لطلاب الحوزة، فضلاً عن إصدار كتب أخلاقية عدة، ومنها المصحف الشريف وقصص أذهلتني، والدنيا الفانية، وكتب دينية أخرى، وكل ما يطلبه الزبائن الاكاديميون والإسلاميون.
في حين يرى السيد وائل الذي بات اليوم خطيبا في مساجد المدينة، أن أغلب الكتب التي يحتاجها في الخطابة والمنبر يطلبها من العين:
– عالم الخطابة والمنبر، عالم واسع للغاية، ويتطلب استمرارا بالبحث عن العلم.
خذ ما يعجبك، ولا تدفع
ويخبرنا طالب الحوزة، مصطفى عادل (25 عاما)، الذي يرتاد مكتبة العين منذ أكثر من عشر سنوات، عن وجدانه ضالته دوماً في مكتبة العين، وأنه اشترى ما يقارب 400 كتاب ومجلد خاص بالحوزة والعلوم الدينية.
– لم تتهاون المكتبة يوما معنا، حتى أني أشعر بأنها مكاني الذي يمنحني راحة تامة، استطيع أخذ ما يعجبني دون الاهتمام بالمبالغ، لأنَّ السيد عبد الامير، يساعد طالبي العلم، ويوفر لهم كل شيء ولو بصورة مجانية.
أبرز شخصيات العين
ويؤكد السيد عبد الامير، أنَّ عمله الخاص بالكتب كان متنوعا فيما مضى، لكنّه تمكّن من التخصُّص بمرور الوقت، ويوضح لنا أن روَّاد العين كثر، وأغلبهم من علماء الدين وطلبته، ومنهم السيد حسين الصدر والشيخ احمد العطار، وصاحب مكتبة ومؤسسة الثاني عشر الثقافية، والسيد ياسين الموسوي، مؤسس العلوم الحديثة في النجف، وغيرهم الكثير.
وتحوي مكتبة العين، عشرات الكتب النادرة، ولكنّها بالطبع حسب تأكيد السيد أبو أمل، غير قابلة للبيع، لأنّها تمثّل التراث الإسلامي القديم، ومنها طبعات حجرية، مثل كتاب الإمام الصادق (ع) “مصباح الشريعة” ويبلغ عمر النسخة الحجرية أكثر من مئة عام، وكتاب سر تقدم الإنجليز الذي تجاوز عمره مئة عام أيضا، وعشرات الكتب الأخرى التي يحتفظ بها السيد عبد الامير
– وهبت العديد من هذه الكتب، للمكتبات العامة والخاصة بالتراث الإسلامي، وذلك لأجل فائدة الجميع لكونها غير قابلة للبيع ويمكن أن تكون مصادر جيدة.
أهلا بالتنوع المعرفي
ولا يرى صاحب مكتبة العين أي ضرر بوجود عشرات الكتب المتنوعة والمروجة للأفكار المعاكسة، مؤكداً ضرورة الانفتاح الثقافي والمعرفي على الأفكار كافة.
– المكتبات التي تبيع الكتب العلمانية هنا قرب مكتبتنا، وهذا التنوع مهم جداً، كما أن أغلب المكتبات تبتاع منا عدداً من العناوين، ونحن بدورنا كذلك، نشتري بعض الروايات والكتب التعليمية من مكتبات أخرى.