ملايين المؤمنين يحيون ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (ع)
أحمد امجد – تصوير: صباح الربيعي /
بينما كان المؤمنون يؤدون الزيارة، فإن عشرات السرادقات والمواكب الدينية انتشرت على طول مسير الزائرين، ونجحت وزارة الصحة بتنفيذ خطة طوارئ طبية خاصة، إذ نشرت سيارات إسعاف مجهزة بشكل كامل، وتهيئة فرق طبية جوالة لخدمة الزائرين، ولاسيما كبار السن.
أحيا ملايين المؤمنين ذكرى استشهاد صاحب السجدة الطويلة وإمام الأخيار موسى بن جعفر (عليه السلام). هو سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من العترة الطاهرة، الذين قرنهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بمحكم التنزيل، وجعلهم قدوة لأولى الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد.
فقد زحف الزائرون سيراً على الأقدام، وسط إجراءات أمنية وصحية، من أقاصي مدن العراق إلى حيث مرقد الإمام الكاظم (عليه السلام)، سليل شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة، ومحط علم الرسول، وباب من أبواب الوحي والإيمان، ومعدن من معادن علم الله. استمرت إمامته 35 عاماً إلى أن استشهد سجيناً مسموماً في 25 رجب سنة 183 هـ عن عمر 55 عاماً، ودفن جسده الطاهر في الكاظمية شمالي العاصمة بغداد.
رسالة الإمام
لقد سار الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) على منهاج جده رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وآبائه المعصومين في الاهتمام بشؤون الرسالة الإلهية وصيانتها من الضياع والتحريف، والجد في صيانة الأمة من الانهيار والاضمحلال، ومقارعة الظالمين، وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للوقوف بوجه تمادي الحكام في الظلم والاستبداد.
لُقب الإمام موسى بالكاظم بـ (كاظم الغيظ) لشدة حلمه بالعباد، إذ أنها صفة أخلاقية نبيلة لا يتحلى بها سوى أصحاب النفوس الكبيرة، وقد مدح الله (سبحانه وتعالى) من يتصف بها فقال تعالى “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.”
كم نحن بحاجة إلى مثل هذه الصفة اليوم لفض النزاعات التي تحدث لأسباب تافهة، لكي نتعلم من هذا الدرس البليغ، ولنتخذه نبراساً يحتذى به؟
مواكب الزيارة
وبينما كان المؤمنون يؤدون الزيارة، فإن عشرات السرادقات والمواكب الدينية انتشرت على طول مسير الزائرين، ونجحت وزارة الصحة بتنفيذ خطة طوارئ طبية خاصة، إذ نشرت سيارات إسعاف مجهزة بشكل كامل، وتهيئة فرق طبية جوالة لخدمة الزائرين، ولاسيما كبار السن.
من جانبها، عملت قيادة عمليات بغداد على تأمين زيارة الإمام الكاظم (عليه السلام)، التي شاركت فيها مفاصل قواتنا الأمنية كافة، من قطعات وزارتي الدفاع والداخلية، وهيأة الحشد الشعبي، والوكالات والأجهزة الاستخبارية، التي كثفت جهدها الاستخباري، قبل وأثناء أيام الزيارة، ونفذت العمليات الاستباقية النوعية المتمثلة بالبحث والتفتيش والاستطلاع المسلح في مختلف قواطع المسؤولية، ولاسيما مناطق الفضاءات والبساتين في محيط العاصمة بغداد.
جولة الشبكة
حرصاً منها على تغطية المناسبات الدينية كافة، كانت لـ “مجلة الشبكة” جولة مسائية في مدينة الكاظمية المقدسة، التي اتشحت بالسواد ومظاهر الحزن والأسى، وهي تعيش أجواء الذكرى الأليمة باستشهاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، فقد اتشحت جدران الصحن الكاظمي الشريف بالسواد، فيما نشرت الرايات السود على قبتي الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).
كان مشهد الزائرين الذين اكتظت بهم الأزقة والشوارع الرئيسة في الكاظمية المقدسة يدعو إلى الخشوع، وهم يهمون صوب مرقد الإمام، بينما تسابقت المواكب في تقديم الخدمة للزائرين من مأكل ومشرب وتوفير أماكن الراحة والمبيت للقادمين من المحافظات.
وتميزت منطقة الأنباريين في مدينة الكاظمية بطقوسها الخاصة في إحياء زيارة الإمام الكاظم، حيث بادر عدد من سكنة تلك المنطقة بفتح أبواب منازلهم بجميع محتوياته لاستقبال الزائرين الوافدين من مناطق بعيدة لأخذ قسط من الراحة، ولم تخلُ تلك الخدمة من تقديم الطعام أيضاً…
يقول الحاج رسول الأنباري، صاحب موكب “الأنباريين”، الذي كان منهمكاً بخدمة الزائرين:
“إننا في هذه المناسبة الأليمة نعيش أجواءً إيمانية بقلوب خاشعة إلى العلي القدير.”
مضيفاً: “نعزي الأمة الإسلامية وجميع المسلمين في العالم بذكرى استشهاد رمز من رموز التضحية والصبر، سابع الأئمة المعصومين، الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، الذي كان علامة فارقة في محاربة الظلم والطغيان ورفض الاستبداد في سبيل إعلاء كلمة الحق.”
وأشار الأنباري إلى أن “موكب الأنباريين من أقدم المواكب وأعرقها في مدينة الكاظمية، الذي لم يتوان عن تقديم الخدمات إلى الزائرين في كل عام، وتوفير أماكن نظيفة ولائقة وطعام شهي من مختلف الأصناف.” موضحاً أن “أغلب أهالي المنطقة لديهم اشتراك مالي اختياري، وليس إجبارياً يسجل باسم الموكب يجمع المال سنوياً بإشراف عدد من وجهاء المنطقة ليصرف في شراء المستلزمات الغذائية والحاجيات اللازم توفرها في زيارة الإمام الكاظم.”
باب الحوائج
عرف الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بـ “باب الحوائج”، إذ كان الإمام في حياته الدنيوية باباً لقضاء حوائج الناس، ففي سيرته المباركة أنه كان يتفقد الفقراء من العباد في الليل، فيحمل إليهم الدقيق والتمر، دون علمهم بذلك.
ولم يقتصر لقب “باب الحوائج” على الحياة الدنيوية للإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، بل استمر في حياته (البرزخية) أيضاً، فمرقده الشريف بعد موئلاً لطالبي الحاجات من مختلف المذاهب والأديان، ما إن قصده مكروب، أو حزين، إلا وفرج الله آلامه وأحزانه، وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا وقضيت حوائجه ورجع إلى أهله مستريح القلب والروح والفكر مما ألم به من طوارق الزمن.