منظماتُ المجتمع المدني بين حسن النيّة المسوّقة.. والمبيّتة المسمومة

1٬125

نور اللامي/
تغيرات جندرية واحتجاجية نسوية فاعلة مازالت تناضل بشراسةٍ لاثباتِ ذاتها في ساحة الهوية المجتمعية الملغومة بالتابواتِ والمحاذير، إذ أسهمت تلك النقطة المفصلية في التغييرِ بتشكيلِ منظومة مدنية اكثر تشعباً واتساعاً وبات وجود عدد لا متناه من المنظمات شيئاً لافتاً بعد عام ٢٠٠٣ واصبح شيوع ثيمات الديمقراطية التي كفلت حق تأسيس منظمات المجتمع المدني لافتاً في الساحة العراقية التي غصت بها، ةلاسيما النسوية المنادية بحقوق المرأة والطفل والمساواة المطلقة مع الرجل، وكذلك تمكين المرأة اقتصادياً في ظل فوضوية الظروف، الامر الذي اثار تساؤلاتٍ واستفهاماتٍ كثيرة!
يا ترى، ما حكاية شبهة الاموال الاوروبية التي تُغذي مجموعة منظمات نسوية مهمتها تسويق الانفلات وترويج الشذوذ ومعاداة الرجل تحت يافطة الحريات، وهل حقاً اصطبغت نسبة كبيرة من المنظمات بصبغة مصلحية حتى صارت بؤرة لتفكيك الأواصر الأسرية، ولماذا لم تحدث المنظمات الحقيقية تغييراً حقيقياً في واقع المرأة وعالمها المهمل!
دعارة مغلفة بالتحرر!
الناشطة والمؤسسة لحراك “انتفضي” النسوي، طيبة سعد ذكرت ان هنالك حركات تحررية هادفة تقابلها حركات مشبوهة، إذ تقول:
“هناك عدد كبير من المنظمات النسوية يعمل على أهداف تغيير المجتمعات وتحديدا النساء من خلال استقطاب الفتيات الشابات والمراهقات بتقديم المكتسبات التي قد تصل لإعطاء الفتاة المنتمية راتبا شهريا ومنافع مادية واجتماعية في محاولة لبناء اعتقاداتهن، فمثلا هناك منظمة نسوية عراقية معروفة جدا تعمل من أجل التحرر التام والاستقلالية الجنسية للفتاة حتى انها تسعى لتشكيل منظمة تهتم بالنساء اللواتي يعملن في النوادي الليلية، باعتبارهن جزءا من عملية التحرر وممارسة الحرية الجسدية، هذه المنظمة ترفض اصلا انتماء فتاة محجبة لها وتشترط خلع الحجاب قبل الانتماء، وبهذا المستوى يتم تشويه الحركة النسوية الحقيقية ولنكن اكثر دقة فإن التيارات اليسارية الاوروبية، او ما يسمى باليسار الجديد، تتواصل من الخارج مع ابرز قيادات الحركة النسوية وتقدم الدعم لها مقابل عقود لمشاريع يتم الاتفاق عليها، فالمنظمات الموجودة مثلا في هولندا والمانيا والسويد وامريكا وعموم أوروبا ، ترسل اموالا ومساعدات للمنظمة المحلية التي يكون دورها في الاتفاق تنفيذ اوامرهم من ناحية اقامة ندوات او ورش وطرح الافكار التي يريدون ايصالها للشباب وفق رؤيتهم وأهدافهم، وتوفر امتيازات للمتفقين مع افكارهم، فمثلا يوفرون اللجوء للمثليين الجنسيين ومساعدات لمن يريد او تريد التمرد على اهلها، اما بعض المنظمات المحلية فتقبل بذلك لأنها تسعى للانتفاع المادي.
سرقات ومتاجرة جسدية
ومن ابرز المتاجرات الاوروبية والسرقات المدنية التي وثقتها الناشطة طيبة سعد :
“شهدت قبل سنتين أن احدى المنظمات الاوروبية التي ارسلت طلبا لإحصائية بعدد النساء الأميات في محافظات الجنوب وقامت ناشطة وقيادية نسوية عراقية بإبلاغهم ان لدينا اكثر من ٧٠٠ امرأة تحتاج الى عمل فارسلت المنظمة اموالاً تكفي لشراء ٧٠٠ ماكنة خياطة ولم توزع فعليا سوى ١٠٠ ماكنة فقط، هذا وغير ذلك من اشكال الانتفاع هو وراء اتهام عدد كبير من النسويات بالدعم المادي المقدم وفي المقابل التيارات الداعمة تحقق بث افكارها الى المجتمعات العربية بمخطط هو الأخطر في العالم لأننا لا يمكننا مواجهة حرب الافكار والمغالطات، ففي الوقت الذي تجب فيه الدعوة للمساواة الحقيقية واعطاء المرأة كرامتها المسلوبة نجد ان عددا كبيرا من دعاة النسوية يتاجرون بالمرأة ويعملون على تسليع جسدها وحقوقها.”
مُضيفةً : “انا ناشطة نسوية عملت في المجال النضالي لسنوات واطلعت على حقائق كثيرة وعرفت كيف يتم خداع الناس ، لذا قررت ان اعمل على تثقيف الفتيات والدعوة الى ضرورة وجود حراك نسوي لا يحارب الرجل ولا يحرض المرأة على الانحلال او التدني الأخلاقي، بالعكس انا في حراك (انتفضي) ادعو الى توعية النساء بضرورة حصولهن على العلم والمعرفة والحياة الاقتصادية الآمنة والاعتماد على ذواتهن وتكوين اسر ناجحة ومحترمة، نعم لا القى اي دعم او مساندة داخلية او خارجية لكن هذا لا يعني ان استسلم، وبرغم أن جهات كثيرة تواصلت معي من الخارج لتقديم الاموال مقابل مشاريع مشتركة لكن دعمهم مشروط بتقديم تقارير عن الواقع العراقي وتنفيذ توجيهات وهذا ما لا اقبله.”
المرأة تدير العالم
“المنظمات التي تعنى بحقوق المرأة ليست وليدة اليوم بل لها باع طويل نتيجة الظلم الذي وقع عليها ابتداء من وأد البنات حتي يومنا”..
هذا ما يعتقدهُ الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي الذي بيّن من جانبه:
“ازدادت المنظمات في الفترة الأخيرة بسبب الانفتاح الفكري والاجتماعي وزيادة وسائل الاتصال والحرية وخروج المرأة إلى العالم والافصاح عن مشاكلها، اذ بدأت هذه المنظمات بوضع برامج تخص المرأة من خلال الندوات والتجمعات ولهذه الفعاليات والنشاطات دور مهم في توعية المرأة بحقوقها من جانب وحمايتها من جانب اخر، إذ لمسنا أن هناك الكثير من النساء استفدن من هذه النشاطات بتغيير نمط حياتهن، وانعكس هذا على الواقع الأسري من خلال حسن التعامل وفنه سواء مع الزوج أو الاطفال أو المحيط المجاور، الحقيقة أننا لا نجد أن هناك منتفعا من سوء العلاقة بين المرأة والرجل، أو كما يسمى تمرد المرأة على الرجل، لأن سوء العلاقة يعكس آثاراً سلبية على العائلة نفسها والأطفال والمجتمع في نفس الوقت، وفيما يخص الدعم المادي للمنظمات فمنها ما يكون هدفها ربحيا إذ تقوم بجمع تبرعات من جهات وشخصيات مختلفة ومنها انساني فعلا عن طريق الأمم المتحدة أو جهات دولية ساندة ومنها تطوعي من خلال ناشطين ومثقفين.”
الإسلام كرم المرأة
الخطيب الديني الشيخ محمد الكلابي اعتبر من جانبه أن الدين الإسلامي منذ القدم أكد على القيم والمفاهيم والركائز الدينية والأخلاقية المعنية بالمرأة المسلمة لما لها من أهمية في بناء الأسرة وصيرورة المجتمع، مكملاً:
“لقد جاءت أوامر الهية فيما يخص تصرفات المرأة ولبسها وتعاملاتها، إذ قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا . وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ . وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)
ولآخر هذا النص الواضح بالإضافة الى احاديث الرسول (ص) وروايات اهل البيت (ع) كلها تؤكد على اهتمام الاسلام بالنساء واعطائهن اهمية بالغة في المجتمع الاسلامي وليس كما تدعي هذه المنظمات والحراكات بأن الاسلام يظلم النساء، علماً ان ديننا الحنيف ومراجعنا العظام يؤكدون أن الاسلام لا يحرم المرأة من العمل او التعلم او الخروج ابدا بل يجيز لها ذلك ضمن الضوابط الاخلاقية كالثياب والاحتشام والسلوك الحسن وفي الحقيقة ان هناك مؤامرات خارجية تحاك ضد المرأة المسلمة بهدف اخراجها عن اطرها الاخلاقية من خلال بذل الجهد والأموال الخبيثة.”
التمكين لا يعادي الرجل
من جانب آخر اكدت شميران مروكل سكرتيرة رابطة المرأة العراقية على انه “لا يمكن نكران دور منظمات المجتمع المدني النسوية في نشر المفاهيم المجتمعية والتثقيف والتوعية ولاسيمافي المجالين القانوني والصحي، لذا فإننا نرى ان لهذه المنظمات دورا إيجابيا، كما أن غالبية المنظمات النسوية أسهمت بشكل كبير، ولاسيما المنظمات التي تضع في برامجها ومخططاتها النساء والفتيات في المناطق الريفية وتهتم بقضية مهمة وهي التعليم الذي هو الأساس في رفع الوعي والمشاركة النسوية الفعالة في بناء المجتمع اقتصاديا إذ أن تعطيل نصف المجتمع عن أداء مهمته الإنتاجية هو هدر للقوى العاملة والمنتجة.”
مُضيفة: “من الضروري العمل على أرض الواقع والاهتمام بالأعداد الكبيرة من الفتيات المتسربات من المدارس وكذلك تزويد الفتيات بقدرات وتأهيلهن للعمل والإنتاج، وايضا التثقيف بقضايا أضرار الزواج المبكر، وكذلك التطرق الى الدعم الخارجي، لان هذه المنظمات الحقيقية لا تحصل على الدعم المادي ولا المعنوي من المؤسسات الحكومية الا ما ندر، إنما يأتي الدعم من منظمات دولية مانحة وفق برامج يتم الاتفاق عليها من قبل الجهتين ولا يتم تنفيذ البرامج لأسباب قد تكون ذاتية متعلقة بوضع المنظمة نفسها أو لأسباب عامة ما يعتبر تحديا كبيرا لها ولاسيما الوضع الأمني، أو تتعارض مع العادات والتقاليد والقيم المتعارف عليها، إذ أن مفهوم العدائية للرجل خاطئ ومدسوس.”