من فولكلور وتاريخ الهدية

434

#خليك_بالبيت

باسم عبد الحميد حمودي /

طقس اجتماعي وسياسي تحبّه الدول.. والنساء – أغرب هدايا الدول وألطف هدايا الصبايا – ليلة الهدية في تونس وهدايا الساهون والدهين.
مفهوم الهدية
يقول الباحث الأنثروبولوجي شتراوس: إنّ الهدية طقس اجتماعي مهم ابتدعه الإنسان لتأكيد الصلة بين ذاته والآخرين داخل مجتمعه، والهدية – كما هو معروف – رسالة محبة واحترام وتأكيد صداقة، وبين المحبة والاحترام صلة واختلاف، فالحب رمز لمعنى وسلوك أبعد من مفهوم (الاحترام) البادي الذي يكون بين فرد وآخر أو بين زعيم وآخر أو دولة وأخرى!
أنا غنيّة وأحب الهدية
هذا هو المثل الشعبي المتداول في كل أرض، إذ إن غنى المرأة أو الرجل لا يحول بينه وبين حب الأهداء لذاته، أو تقبل الهدايا من الآخرين، ذلك أن تقديم الهدية للفرد – إذا كانت خالصة دون منة أو رغبة في مكسب متبادل – يدل على الإعجاب …وربما يتعلق بالحبيبين، طرفي المعادلة القديمة الجديدة والمستمرة استمرار المجتمع الحضاري، بين العاشق والمعشوقة، بين الرجل والمرأة، بين من يحب ومن تحب.
ليلة الهدية
يقول السجل الفولكلوري إنّهم في تونس الخضراء يحدّدون الليلة الثانية من العرس بتسمية: ليلة الهدية، إذ تتمتّع العروس باستقبال هدايا الزوج وأسرته وأسرتها وصويحباتها، بينما لا تكون ليلة الاحتفال بالعرس، أي الليلة الأولى كاملة في الكثير من أرجاء المغرب العربي إلا إذا حصلت العروس على هدية ثمينة من زوجها قبيل البناء وذلك لا يشمل المصوغات والملابس الخاصة بالعرس وسواها.
من ألوان الهدايا النسائية
هدايا النساء للنساء وهدايا الرجال للنساء والفتيات تختلف من مجتمع إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى.
مجتمع اليوم المتطور تفضل فيه النساء الحلي الذهبية والحقائب الفاخرة وعلب الماكياج ذات النوع الممتاز والبدلات الجميلة من أقمشة الكشمير والحرير ومعاطف الفرو على سواها.
وقد ذكرت مدوّنة (نيشان) أن الهدايا المستحبة عند نساء وصبايا اليوم هي الساعات والمجوهرات والشوكلاتة وحقائب اليد والاكسسوارات، كما أن هدايا العصر الحديث للأسر المتوسطة الدخل تشمل قطعاً من الملابس والعطور والحقائب.
هدايا أمهاتنا
كانت هدايا أمهاتنا للاقارب والجارات تختلف من مناسبة إلى أخرى، فعند عودة (الزائرة) من العمرة والحاجة من الحج تجلب معها لبناتها وكنّاتها وأخواتها وجاراتها اللواتي يقمن بزيارتها للتهنئة بسلامة الوصول الكثير من مسابح الصلاة والعطور ومياه زمزم، وبعض قطع القماش أو الألبسة للعزيزات.
العلك – الساهون !
زيارات الأئمة في العراق إذا تطلبت السفر من بعيد فلا بد من عودة (الزايرة) لبناتها وجاراتها بالمسابح وسجادات الصلاة الصغيرة وأنواع الحلويات التي تشتهر بها النجف وكربلاء مثل (الدهين) و(الشكرية) و(الساهون ) وسائر الحلويات الأخرى، كما أنّ أهم هدية هي قطعة (العلك) بالكاف الفارسية التي تقدّم للزائرة الشديدة الصلة أو للابنة التي تطلب (المراد) أي أمنية ودعوة بالتوفيق أو ولادة مأمولة أو رزق وفير، و(العلك) قطعة قماش خضراء تأخذها الزايرة من كيشوانية الصحن المقدّس مقابل مبلغ بسيط يزداد بكبر حجم قطعة القماش.
صعوبة اختيار هدية المرأة
ويعترف الكثير من الأزواج بصعوبة اختيار الهدية المناسبة للزوجة فالامر يتعلق برغبة الحبيبة وتطلعاتها وكذلك بجيب الرجل الهادي.. أي قدرته المادية.
والهدايا أنواع، فهناك هدايا شخصية تقدم لشخصية المهدى اليها بالذات، وهناك هدايا منزلية تقع في إطار المنزل مثل السجاد والتحفيات وأدوات المطبخ والكهربائيات، وذلك عند تأسيس بيت جديد أو التهنئة بالعرس!
بعضهم يقدم النقود بديلا ليتخلص من (دوخة) الاختيار وذلك لكي يتصرّف المهدى له حسب حاجته الفعلية.
هدايا البنات الحلوات
سألت حفيداتي عن أجمل الهدايا التي يقدمها الأب أو الجد (مثلي) أو الام للبنات في أعياد ميلادهن أو نجاحهن من مرحلة إلى أخرى، فأجمعن على حرية اختيار الشخص الهادي ولكنهن فضلن الاكسسوارات وعلب الماكياج والعطور.. فتأمل.
مسكينات جداتنا أمهات الجرغد والفوطة والعباءة، ومسكينات أمهاتنا ذوات المطالب البسيطة.
من هدايا الدول ودلالاتها
اعتاد رؤساء الدول منذ القديم تبادل الهدايا مع بعضهم لإبلاغ رسالة سياسية واضحة.
منذ زمن قريب أهدى الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى السيد بوتين رئيس روسيا درعا فارسية عند زيارته إلى موسكو منذ عامين، بينما حمل السيد بوتين إلى طهران نسخة مخطوطة من القرآن الكريم.
في عام 1961 وعند زيارة الرفيق خروشوف رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي السابق إلى واشنطن أهدى الرئيس الأمريكي جون كيندي (كلبا) ثمينا!
قبيل ذلك بسنوات أهدى زعيم مصر محمد علي باشا، مؤسّس الأسرة المالكة إلى ملك فرنسا أيامها، لويس الثامن عشر زرافة، رغم أنّ مصر لا تعيش فيها الزرافات بل في كينيا والسودان وسواهما، دلالة على أن السودان كان تابعا لمصر، وأن مصر هي المهيمنة (في عرف باشا مصر) على أفريقيا!
وقد اختار السيد رئيس جمهورية موريتانيا أيامها في السبعينيات عند زيارته إلى اثيوبيا الزي التقليدي الموريتاني هدية قدّمها للرئيس المضيف وهو زي يتشابه مع الزي الشعبي الاثيوبي، دلالة على عمق العلاقة بين الشعبين.
إنّ حديث الهدايا بين الدول لا يمكنه أن يتجاوز هدية الخليفة العباسي هارون الرشيد عام 807 للميلاد إلى امبراطور النمسا شارلمان وهي الساعة الدقاقة الكبيرة التي تتحرّك فيها الخيول الصغيرة!
أخيراً
هذا جزء من حكاية الهدية عبر العصور والأزمان استذكارا لأول هدية قدّمها الحبيب لحبيبته في العصور القديمة، إذ ربما كانت وردة من شجرة ورد، أو قطعة شهية من لحم غزال.