نبئت أنك تطلي البيوت

659

مقداد عبد الرضا /

خط الحياة يسير دوماً عكس الرغبات، فالجسد الذي كان يوماً ما يخدمك وتلهوبه كيفما شئت، لابد أن يأتي اليوم الذي تتوسله أن لايخونك في تحركاتك التي أصبحت بطيئة, تقوم بتدليله وتقبل تلك العصا التي يرفعها بوجهك مهدداً بالتوقف أو العجز, علينا أن نعي هذا الأمر. شون كونري، الممثل الايرلندي البارع، أصيب بالزهايمر, قال: لقد خسرت الملايين نتيجة عدم قدرتي على حفظ الأدوار, البارع جاك نكلسن ابتعد عن الأضواء لمعرفته أن قدرته ربما تخونه في أى عمل يقوم به, ظل يتأرجح في يخت وفي يده كأس ومعه حسناء, تلك هي النتائج الصحيحة,لابد من وقفة وإعادة الحساب وإلا سيكون جسدك بالمرصاد.
في العام 1992 أخرج الممثل داني دفيتو، إضافة لتمثيله، فيلم (هوفا) الذي يحكي سيرة حياة جيمي هوفا رئيس نقابة الشاحنات, قام بدور هوفا جاك نيكلسن، وجاك شيران جسده داني دفيتو, كان فيلما رائعاً أكد فيه نيكلسن ودفيتو البراعة في التمثيل وإنجاز الفيلم. بعد سنوات عدة وابتعاد دام أكثر من عشر سنوات عن السينما، إذ كان آخر فيلم له بعنوان (الراحلون)، جاء المخرج مارتن سكورسيزي, يحمل معه سيناريو فيلم(الآيرلندي) الذي يحكي نفس الموضوعة التي أنجزها دفيتو, بحث عن منتج لهذا الفيلم لكن أحداً لم يوافق على التبني إلى أن جاءت شركة (نتفلكس) الحديثة العهد في الانتاج (هناك قلق واضح من بعض شركات الانتاج حول موضوع التنافس) التي تبنت المشروع وبدأ العمل. القصة الأصل لهذا الفيلم هي (نبئت أنك تطلي البيوت) قام بكتابتها تشارلس برانت، وهي عبارة عن مجموعة لقاءات بين الكاتب والقاتل جاك شيران, ستيفن زيليان هو كاتب السيناريو وكما هو معلوم أن زيليان له باع طول في هذا المجال إن كان بالتعاون مع سكزرسيزي او بقية المخرجين, فقد سبق له أن قام بكتابة بعض الأفلام مثل قائمة شاندلر، والاستيقاظ (واحد من أجمل أفلامه)، ومهمة مستحيلة. وبالتعاون مع سكورسيزي كتب أيضاً عصابات نيويورك, بعد أن وافقت نتفلكس على المشروع راح سكورسيزي يبحث عن أصحابه القدامى فاستقدم روبرت دينيرو ليجسد شخصية القاتل جاك شيران وجو بيشي (الأفضل أداءً من الجميع), ولأول مرة استقدم آل باشينو ليجسد دو النقابي جيمي هوفا, فهل نجح سكورسيزي في قيادة دفة الفيلم بهؤلاء الشيوخ؟ شخصياً لا أظن, لن أتحدث هنا عن أحداث الفيلم لأنها تشبه الكثير من أفلام المافيا و(الكانكسترز) التي اشهرت بها هاليوود عبر تاريخها. على الطريق العام تتعطل سيارة جاك شيران ليتقدم منه رسل بافالينو(جو بيشي) المسيطر على جميع منافذ المدينة التجارية من أخذ إتاوات إلى القتل إلى السمسرة والقمار, يقوم بافالينو بإصلاح العطل ويشكره شيران.
بعد سنوات يلتقيان ويصبح شيران سائقاً لدى راسل وقاتله الماجور, إذ يقوم بتنفيذ جرائم عدة ترضي بافالينو عنه ويعمل على ربطه بجيمي هوفا الذي هو مسؤول نقابة الشاحنات, فيقوم بنفس الدور الذي لعبه مع راسل إضافة الى السيطرة التامة التي يمتلكها بافالينو على شيران, يقوم الاخير بتصفية كل الخصوم وكل من يتعارض مع عمل هوفا وتنعقد بينهما صداقة حميمة, لكن هل لهؤلاء الأشخاص نفوس تعرف الحميمية والصداقة ؟ هوفا يصر على بقائه في النقابة ولايسمح لأحد بمنافسته, ظل يردد أنها نقابتي Its my union ما يدفع بافالينو للإشارة إلى شيران بتصفية هوفا, هنا تبرز المصالح وتنتفي الصداقات. وفي مشهد ضعيف جداً من حيث التنفيذ يقوم شيران بإطلاق رصاصة على رأس هوفا ويرديه قتيلاً لتزحف الأحداث بعدها (فلاش باك)، حتى نرى شيران قد شاخ وصار يتوسل أن يظل الباب نصف موارب حتى يمكنه ان يطل على العالم وهو على كرسيه المتحرك. أليس هناك الكثير من هذه الأفلام والمشاهد في سينما هوليوود؟ وما الجديد الذي جاء به سكورسيزي إلى هذا الأمر؟ ثلاث ساعات ونصف هو زمن الفيلم، لم يوفق المخرج بدءاً من اختيار الشخصيات الى الإخراج وحتى التقطيع, حتى بدا الأمر وكأن سكورسيزي في بداية تجربته السينمائية وليس كمحترف, الكثير من الرتابة, تشعر أحياناً أن ليس هناك مخرج ليعلن نهايته وبدايته, لقد تسرب الملل الينا في الكثير من احداث الفيلم, جاك شيران وقد شاخ بعد أن لفظه الجميع حتى ابنته للجرائم التي اقترفها, في أحد المصحات يجلس على كرسي المعوقين يبدأ بالحديث عن الأحداث التي مر بها ويظل الفيلم ينتقل بين سرده والأحداث, لو أننا أردنا أن نقارن بين سكورسيزي والأصحاب الطيبين وكازينو وهذا الآيرلندي لاكتشفنا أنه يمر بخريف إنجازه, فمن ناحية الأداء لم يوفق دنيرو في تجسيد دور جاك شيران والميزة الأهم في هذا الأمر أنه شاخ بعض الشيء وقلت قدرته في الحركة والصراع وأكثر ماردده في الفيلم جملة I don’t know : أنا لا أعلم, لم يرد اسمه في الترشيحات الأولى للأوسكار حسبما توقع الكثير من النقاد العكس. باشينو هو الاخر بدا ضعيفاً ومعتمداً على صوته وصراخه ليغطي الكثير من العيوب, حتى أنه في أحد المشاهد قام المصور بتنبيه سكورسيزي على أن حركة باشينو بطيئة وهذا لايتناسب والشخصية التي يؤديها, باشينو الآن يقوم بتجسيد شخصية الملك لير والتصوير يكاد ينتهي, كيف يمكن أن يكون لير وهو على هذا البطء؟ دور رسل بافالينو الذي قام بتجسيده جو بيشي كان بحكم الشخصية, هادئ لايتحرك كثيراً ما ساعده أن يكون الأفضل بين الثلاثة, عمليات إعادة تركيب الوجوه حتى تبدو أصغر عمراً لعبت دوراً سيئاً في الفيلم إذ بدا الجميع وكانهم دمى تتحرك.
يدور في كواليس الشركات أن هناك مشروعاً لإنتاج مسلسل يحكي قصة حياة جيمي هوفا وهناك معلومات تقول إن جاك شيران لم يقتل هوفا في الحقيقة التاريخية للأحداث. عموماً إن أردت أن تضيع من وقتك ثلاث ساعات ونصف فبإمكانك أن تسترخي تماماً وتروح ربما متمتعاً في سرد أحداث فيلم الآيرلندي وليس كما رأيته أنا.