ندى الربيعي.. لم تعش في جلباب أبيها

2٬042

كنان الحلفي/

ندى الربيعي وأنا غادرنا العراق مرغمين حين اختار والدانا معارضة النظام السابق في وقت مبكّر جدا، كنا صغيرين، نلعب معا و ندرس معا. هي غادرت مع عائلتها لاجئين الى هولندا وانا بقيت مع عائلتي في سوريا. لم أتوقع يوما بأنني سأكون صحفيا يحاور ندى التي اصبحت سيدة اعمال متميزة.

وضعت السيدة ندى فاضل الربيعي بصمتها حيث هاجرت، في هولندا، ليتم اختيارها سنة ٢٠١٥ كسيدة اعمال هولندا، و في السنوات اللاحقة كانت ندى على قائمة المئة شخصية الأكثر تأثيرا في هولندا.

قصة نجاح

* نسمع منك قصة نجاحك؟

– دعني أحدثك أولا عن مسيرتي العلمية التي أدت إلى تحقيقي للنجاح العملي، حين أتينا الى هولندا كلاجئين نهاية عام 1996 تعلمت اللغة الهولندية ودرست بعدها في الثانوية العامة، ثم درست في الجامعة الملكية في لايدن وتخصصت في مجال البحوث العلمية الدوائية وحصلت على درجة البكالوريوس بتقدير امتياز, من ثم أكملت دراسة الماجستير في الصيدلة في جامعة اوترخت الهولندية وتخصصت بعدها في مجال الصيدليات العامة. بعد إكمالي لهذه الدراسات عملت كصيدلانية في إحدى الصيدليات في مدينة روتردام الهولندية، تمكنت بعد فترة قصيرة نسبيا من تحقيق نجاحات كبيرة في إدارة الصيدلية ورفع نسبة الأرباح، هذا النجاح قادني لشراء حصص في ثلاث صيدليات بمراكز صحية في روتردام كشريكة في هذه الصيدليات، أشرفت على إدارة 30 موظفا من جنسيات متعددة وعلاج أكثر من 20 ألف مريض، بدأت بالتعامل مع السلطات المحلية لحل مشاكل تخص المرضى في الحي، كانت أهمها مشكلة الأمية التي تتخطى الـ 20% من المواطنين، الأمر الذي يعني أن المريض غير قادر على قراءة التعليمات والإرشادات الطبية الأمر الذي يتسبب بمشاكل صحية كبيرة تنتهي بمضاعفات وتعقيدات صحية ودخول المشفى, الأمر الذي يكلف الدولة الهولندية أكثر من مليار يورو سنويا، وللمساعدة في حل هذه الأزمة ابتكرت نظاما بسيطا لتسهيل مهمة التعرف على وقت استخدام الدواء وفهم الإرشادات الطبية بطريقة مفهومة وواضحة باستخدام الأيقونات المختلفة، أصبح هذا النظام معتمدا في كل صيدليات البلاد وقامت نقابة الصيادلة بتبنيه وتطويره.

من جانب آخر تمكنت من التعاون مع عدة جهات تعنى باللاجئين من حملة الشهادات العليا في البلاد واستطعت أن أحقق اتفاقيات تؤمن للاجئين الصيادلة إمكانية التدريب والتطور بغية دمجهم في سوق العمل الهولندي، هذا بالإضافة إلى عدد آخر من المشاريع الكثيرة بالتعاون مع الإدارة المحلية للمدينة، كل هذه الأمور أدت إلى منحي لقب سيدة أعمال هولندا (من أصول أجنبية) لعام 2015 تلاها ضمي إلى قائمة المئة شخصية مؤثرة في البلاد لعام 2017.

* النجاح ليس سهلاً في الغربة، ما هي دوافعك وما هي العوامل التي ساهمت في تحقيقه؟

– اتفق معك، النجاح ليس سهلا فهو يحمل في طياته الكثير من الاجتهاد والدموع والتعب، لم يكن النجاح بحد ذاته هدفا لكن فكرة إثبات وجودي وكياني كان هو هدفي، كانت لدي رغبة في تحطيم الصورة النمطية عن اللاجئ الشرقي في المجتمع الغربي.
وجودي داخل مجتمع لديه حد لا بأس به من العنصرية تجاه الأجانب يجعل التحدي اكبر، كانت ستراتيجيتي بداية أن أحافظ على شعري الأسود وبشرتي السمراء ومن ثم الابتعاد عن فكرة الدونية تجاه الغربي والرجل الأبيض، انتمائي لبلد عريق مثل العراق يجعلني اقوى في نقاشاتي وعملي ودفاعي عن وجودي، اما فيما يخص العوامل التي ساهمت في هذا فهي تكمن في الأساس في الوعي والإدراك لمن أنت ومن هم حولك وللبيئة التي تعيش فيها.

آذان صاغية !

* أين العراق منك ومن حياتك؟ وهل فكرتِ بالتعاون أو التواصل مع وزارة الصحة العراقية؟

– يسألني الأوروبيون على الدوام عن انتمائي الغريب للعراق رغم أني لم أسكن فيه، لكني وعلى مدى السنين استطعت تطوير إجابة شافية لنفسي وهي أنني مجبولة بماء دجلة حتى لو لم اشرب منه، انتمائي للعراق متأصل في داخلي واعبر عنه بحبي لبغداد التي ولدت فيها ولميسان-العمارة التي ينتمي أجدادي إليها، اعلم أن كلامي هذا ربما يكون ضربا من المغالاة أو الأحلام مقابل كمية الحزن والتعب الذي يشعر به من يسكن العراق، واعلم أن الحياة المعقدة في العراق بكل ما مرت به البلاد من حصار وحروب ودمار كفيلة بأن تكسر روح الانتماء والولاء, لكن الوعي الكافي بقيمة العراق وتاريخه كفيل بإحياء روح الوطنية ومشاعر الحب تجاه هذا البلد العظيم.

من الناحية العملية، وبعيدا عن المشاعر كنت احلم دوما بالعودة للعراق وان أقدم شيئا للبلد الذي انتمي إليه, لكن الواقع يختلف، حاولت التواصل مع وزارة الصحة وقدمت مشروعا متكاملا لإخراج العراق من الأزمة التي يمر بها على الصعيد الصحي والدوائي لكنه جوبه بالإهمال وعدم التقدير.

* ما هي نظرتك للنظام الصحي في العراق وأوروبا؟

– دعني أؤكد أولا انه وحسب التقارير الدولية فإن النظام الدوائي في هولندا يعتبر الأفضل على المستوى الأوروبي، عملي في المجال الدوائي وخدمتي لأكثر من 20000 مريض في هولندا شكلا لدي خبرة ومعلومات كبيرة عن احتياجات المرضى وأمراضهم المختلفة، خبرتي هذه شكلت لدي رأيا حول النظام الرأسمالي الذي يدعم ظاهريا المريض لكنه في العمق يمنح شركات الأدوية وشركات الضمان الصحي سلطات تنتهك حق المريض وتحوله الى عبد للماكنة الرأسمالية، بالمقابل فإن النظام الاشتراكي الذي تشكل عليه النظام الصحي العراقي أكثر رقيا وإنسانية، لكن الفساد احدث خلخلة خطيرة في الخدمات والرعاية الصحية، فضلا عن توقيع عقود آجلة لتغطية تكاليف وزارة الصحة ما يكبل العراق بديون سوف تتحملها الأجيال القادمة واخشى ان تكون تمهيدا لخصخصة النظام الصحي في العراق.

بعيدة عن السياسة !

* اتساءل لماذا لم تفكري في السياسة خاصة وان والدك هو الكاتب و السياسي المعروف فاضل الربيعي؟

– مع كل تقديري لعمل والدي، فإن كثيرين، اصدقاء وجهات سياسية، طرحوا علي هذا السؤال، شخصيا لم أكن معجبة بفكرة توريث العمل السياسي وتحويل العمل الجماهيري ليصبح حكرا على عوائل أو أشخاص تنتمي لطائفة معينة وعائلة معينة ولا اعتقد أن النجاح في مجال معين، علمي مثلا، لا يؤهل بالضرورة الشخص لان ينخرط في العمل السياسي. فنجاح المخرج او المحامي او المهندس والطبيب في مهامه المهنية لا يعني بالضرورة انه يصلح للعمل في الشأن العام والسياسة. والأهم ان العراق لديه إمكانيات شبابية وعلمية وسياسية كبيرة ولا يحتاج بالضرورة لعراقيي الخارج إلا في خبرات وتخصصات يفتقر البلد إليها.