نعالج الأطفال تحت سن 12 مجاناً ..

مدير (مؤسسة وارث) لعلاج الأورام د. حيدر حمزة العابدي: مستشفى العتبة الحسينية مجهز بأفضل التقنيات في الشرق الأوسط لمعالجة السرطان

391

حوار: ولاء الصفار مصطفى الباهض /

أثار الخبر الذي نشرته مجلة “الشبكة”، بشأن استعداد العتبة لمعالجة أطفال مرض السرطان مجاناً، تساؤلات عن هذا المستشفى الذي يعد من أهم المستشفيات في الشرق الأوسط، لما يضمه من أجهزة تقنية حديثة.
لهذا ارتأت “الشبكة” تسليط المزيد من الأضواء على هذه المبادرة الإنسانية من خلال هذا الحوار مع الدكتور حيدر حمزة العابدي، مدير (مؤسسة وارث) الدولية لعلاج الأورام، للحديث عن الخدمات التي تقدمها المؤسسة التي افتتحت بشكل تجريبي في (8 آب/ أغسطس/2021)، ولاسيما أن افتتاحها يأتي في وقت تشير فيه الإحصائيات الرسمية إلى تزايد حالات السرطان في العراق، حيث يبلغ عدد الإصابات (2000) حالة إصابة بالسرطان سنوياً.
استهللنا حديثنا بالسؤال عن الأسباب التي دفعت إدارة العتبة الحسينية المقدسة إلى تبني إنشاء مثل هذا مشروع؟ فأجابنا د. حيدر:
ــإن العتبة الحسينية تسعى دائماً إلى أن تكون في أي مجال يصب في خدمة المواطن العراقي، وإنها لطالما استشعرت خطورة الوضع في العراق نتيجة تزايد حالات الإصابة بالسرطان، ولاسيما في محافظات جنوب العراق، نتيجة التلوث البيئي ومخلفات الحروب التي شهدها البلد، إذ أصبحنا نسمع عن تسجيل مئات الحالات سنوياً، إلى جانب وجود نقص كبير في عدد المستشفيات والمراكز المتخصصة، فضلاً عن الأجهزة الحديثة، ما أدى إلى تكبد المواطنين مبالغ طائلة نتيجة الاضطرار للسفر إلى خارج العراق، إضافة إلى تحمل المخاطر. لذا وجه ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، الذي كان في حينها يشغل منصب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة، بضرورة تبني إنشاء مستشفى متطور، وبخطة ستراتيجية، يستوعب الأعداد المتزايدة في الإصابات سنوياً، ووجوب تجهيزه بأحدث الأجهزة الطبية على مستوى العالم.
لسنا بديلين عن الدولة
*أشرتم في حديثكم إلى أن العتبة الحسينية استشعرت الخطر فقامت بوضع خطة لإنجاز هذا المشروع، ألا تعتقدون أن هذا الأمر من واجبات الحكومة المركزية ووزارة الصحة؟ أم أن العتبة الحسينية تعد بديلاً عن الحكومة والوزارات الخدمية؟
-ـنعم، هذا سؤال مهم، لكن الأمر أصبح واضحاً، إذ أن جميع المشاريع التي تنجزها العتبة الحسينية المقدسة هي مشاريع إنسانية وخدمية، الهدف منها تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وهنا أكتفي بالجواب على سؤالك بكلام للشيخ عبد المهدي الكربلائي، الذي أوضح مراراً وتكراراً أن العتبة الحسينية لن تكون بديلاً عن الدولة، وإنما عضداً لها، إذ ورد في حديثه نصاً: “الوضع الذي يمر به البلد، وطبيعة المسؤولية التضامنية فيه، تتطلب تكاتف الجميع للنهوض بواقعه في مختلف القطاعات، وأن أية جهة أو أي شخص لديه الإمكانيات والقدرات للنهوض بأداء وظيفة مهمة وحساسة يحتاجها البلد في الوقت الحاضر، فإن عليه أن يسهم بهذه الخدمة، ويسعى للارتقاء والتطور بالتنسيق مع الجهات صاحبة الاختصاص، كما أن العتبة الحسينية لا تريد أن تكون بديلاً عن وزارة الصحة، أو التربية، أو التعليم، أو أية جهة أخرى، بل إنها تريد أن تكون عوناً وعضداً لهذه الوزارات في تقديم الخدمات إلى هذا الشعب الذي قدم الكثير والكثير من التضحيات، وأن إدارة العتبة الحسينية المقدسة ترى أن من واجبها، وانطلاقاً من مسؤوليتها الأخلاقية والاجتماعية، النهوض بواقع البلد ما أمكنها ذلك، طالما أنها تعمل ضمن القوانين النافذة التي لا تتعارض مع سلطة الدولة.”
*لاحظنا، ومن خلال الأخبار التي كانت تصدر عن العتبة الحسينية، أنها أشارت، في بادئ الأمر، إلى أن المشروع عبارة عن مركز متخصص لعلاج السرطان، وبعد ذلك أعلنت أنه مستشفى، وقبل الافتتاح الرسمي أعلنت أنه مؤسسة، ما سبب تغيير الوصف لنفس المشروع؟
-كما تعلون أن وضع حجر الأساس للمشروع كان قبل (8) أعوام، وأن العمل توقف في ظل تعرض البلد إلى هجمة شرسة من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي، وانسحاب الشركة الإسبانية المنفذة للمشروع لدواعٍ أمنية، ما اضطر إدارة العتبة الحسينية المقدسة لإحالة المشروع إلى شركة أخرى، مع الاستعانة بشركة (خيرات السبطين) التابعة لها، وقسم المشاريع الستراتيجية. كما أن المشروع تعثّر بسبب أزمة كورونا، إلا أنه، رغم كل تلك المعوقات، كان يحظى باهتمام كبير من قبل سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، الذي كان متواصلاً بدعمه وزياراته لموقع العمل، كذلك متابعته الحثيثة للتطورات الكبيرة في هذا المجال، وكنا بين فترة وأخرى نتشاور مع الجهات المنفذة بإمكانية توسيع العمل في ظل الإمكانيات المتوفرة، وبحمد الله تم الانتقال من مركز متخصص إلى مستشفى، ومن ثم إلى (مؤسسة وارث الدولية للأورام)، وذلك نتيجة لإبرام اتفاقيات عدة مع مؤسسات ومراكز دولية متخصصة في معالجة الأورام السرطانية، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة، إذ أن المؤسسة ستصبح مركزاً لتدريب طلبة العراق والوطن العربي، بالإضافة إلى حضور الأساتذة والأطباء من انحاء الوطن العربي كافة ، كما أنها ستمنح شهادة (البورد العربي التخصصي / الدكتوراه)، وبالتالي فإن هذا التغيير جاء ليغطي كافة المتطلبات.
*هل بالإمكان أن تطلعنا على موقع المشروع والمساحة التي خصصت له وطبيعة الأبنية التي يضمها؟
-المشروع تم تشييده على أرض تابعة للعتبة الحسينية المقدسة، تبلغ مساحتها (20.000م2) غرب مركز مدينة كربلاء المقدسة، على الطريق الرابط بين مركز المدينة وقضاء الحر، يتكون من ثلاث بنايات رئيسة مؤلفة من (4) طوابق بمساحة بنائية للطابق الأول تقدر بـ(2700م2)، ويضم أقسام (العلاج بالإشعاع الموضعي، والعلاج بالكيماوي، والتشخيص بالأشعة والرنين، والعمليات، والطوارئ، وصيدلية ومختبراً والعديد من العيادات وغرف الإداريين)، أما البناية الثانية فخصصت لرقود المرضى وتتكون من 4 طوابق، أما البناية الثالثة فخصصت لسكن الأطباء، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمشروع 120 سريراً.
-شركات عالمية
* المؤسسة جُهزت بأجهزة حديثة هي الأولى من نوعها في العراق، وتنافس المراكز المتخصصة على مستوى الشرق الأوسط.. ما مدى صحة ذلك؟
-نعم، حرصت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة -وبإصرار من قبل سماحة المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي- على تجهيز المستشفى بأحدث الأجهزة الطبية على مستوى العراق والمنطقة، وذلك من خلال التعاقد مع شركات عالمية: ألمانية وأميركية وبلجيكية رصينة ورائدة في مجال الطب، كشركات (Siemens، Varian) لتجهيز المؤسسة بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية، فضلاً عن التعاقد مع ثلاث شركات أخرى من ألمانيا وسويسرا وبلجيكا لتجهيز المختبرات.
وهنا أؤكد أن المؤسسة تعد الأولى من نوعها في العراق، كما أنها تنافس نظيراتها على مستوى الشرق الأوسط، فقد تم توقيع عقد مع شركة (ACCURAY) لتجهيز المؤسسة بجهاز روبوت جراحي بالإشعاع (Cyberknife S7)، وهو أول جهاز يدخل إلى العراق، والأول من نوعه في الشرق الأوسط، كما أن المؤسسة تقدم خدمات (التشخيص والعلاج) بشكل متكامل، فمن الناحية العلاجية يجري تقديم العلاج الكيمياوي والعلاج الإشعاعي والعلاج الجراحي، أما من الناحية التشخيصية فينفذ ذلك من خلال جهاز (البت سكان)، فضلاً عن تصنيع المادة المشعة في معمل متكامل داخل المؤسسة بعد استحصال الموافقات اللازمة من الجهات المعنية، إلى جانب احتواء المؤسسة على خدمات فندقية عالية المستوى، إضافة إلى توفير بنايات سكنية للأطباء، وكذلك للمرضى، وتحتوي المؤسسة كذلك على أجهزة تشخيصية وصالات عمليات متطورة وردهات عناية مركزة ومختبرات عالية الجودة للتشخيص، إلى جانب رفدها بأجهزة طبية حديثة ومتطورة كجهاز (السايكترون) الملحق بالمختبرات الخاصة بإنتاج وتحضير المواد المشعة، الذي يغني المؤسسة عن استيراد المادة المشعة، بل إنه سيصدِّر إلى باقي المحافظات العراقية، كذلك جهاز (brachytherapy) بتقنية (HDR) الذي يعمل عن طريق المعالجة الكثيبة، وجهاز سونار يعمل بتقنية (ABVS)، التي تعد من التقنيات النادرة عن طريق استخدام الأمواج فوق الصوتية للكشف عن السرطان، وأجهزة متطورة للتشخيص المبكر لسرطان الثدي، كذلك أجهزة للفحص الشامل للجسم، وتلوين الاعضاء، ولاسيما الأمعاء والمجاري البولية، كما أن المؤسسة تضم (14) غرفة حصينة مدرعة وفق مواصفات عالمية رصينة ضمن معايير الجودة
العالمية.
* هل تنسق المؤسسة مع مؤسسات متخصصة بمعالجة السرطان داخل وخارج العراق؟
-نعم، إن المؤسسة ستضم مركزاً للأبحاث العلمية والتطويرية التي تعنى بمحاربة مرض السرطان، وهو مركز مهم، إذ أن العراق بحاجة ماسة لمثل هذا المركز لتطوير العمل في مجال محاربة السرطان ونشر الوعي، فضلاً عن دور المركز في استقطاب الخبرات الأجنبية للإسهام في تطوير الكوادر الطبية التخصصية، ولاسيما أنه سيرتبط بشكل مباشر مع أحدث المراكز الطبية المتطورة في لندن ومصر والأردن، كما أن المؤسسة وقعت مذكرة تفاهم مع مركزي (57357) و(بهية) في مصر، ومركز الحسين للأورام السرطانية في الأردن بهدف تقديم أفضل الخدمات الطبية من قبل أمهر الأطباء.
المؤسسة ليست ربحية
* الخدمات الطبية لعلاج مرضى السرطان مكلفة جداً، فماهي طبيعة الأسعار في المؤسسة؟ وهل هنالك مبادرات خيرية؟
-هنا لابد من الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية يتمثل في أن المشاريع التي تقدمها العتبة الحسينية لا تهدف من خلالها تحقيق أرباح مالية، بل تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وسد احتياجاتهم في جانب معين، وأن المشاريع التي تستحصل العتبة الحسينية من خلالها على أموال، فإن هذا يجري لغرض ديمومة المشروع، وبالتالي فإن مؤسسة الوارث الدولية لعلاج الأورام هدفها الوحيد تقديم خدمات علاجية مميزة للمواطن داخل بلده، دون أن يضطر للسفر إلى خارج العراق، وهذا مما يخفف الحمل عن كاهله، وبالرغم من أن المؤسسة تعتمد على التمويل الذاتي، فإنها، وبناء على توجيه ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، تقدم جميع الخدمات (مجاناً) للأطفال دون سن (12) عاماً إلى عموم أبناء الشعب العراقي من شماله وحتى جنوبه، كما تقوم المؤسسة، في مناسبات معينة، بإطلاق مبادرات خيرية لتقديم العلاج (مجاناً) للجميع، وهو ما حصل في المبادرة العلاجية التي أطلقت بالتزامن مع حلول ولادة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام)، للمدة من الثاني عشر من شهر ربيع الأول، 19 تشرين الأول/ أكتوبر، ولغاية السابع عشر من ربيع الأول، 24 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، إذ جرى استقبال آلاف المراجعين من مختلف المحافظات العراقية ومن مختلف القوميات والطوائف وقدمت لهم جميع الخدمات مجاناً، فضلاً عن إجراء عمليات معقدة.
* هل للعتبة الحسينية المقدسة مشاريع مماثلة؟
–نعم، إن إدارة العتبة الحسينية المقدسة تعمل حالياً على تكثيف جهودها لإنجاز مستشفى متطور لمعالجة الأورام السرطانية بمساحة (20000م2) بمواصفات عالمية في محافظة البصرة، كونها تعد من المحافظات المتقدمة في الترتيب بعدد المصابين بالسرطان، ومن المؤمل افتتاحه العام المقبل، كما تقوم حالياً بتشييد مستشفى بمساحة (2500م2)، وبواقع (6) طوابق في محافظة المثنى خصص قسم خاص به لمعالجة الأمراض السرطانية.