نينوى ترفدُ أرض الحضارات بقطعٍ أثريةٍ جديدة

312

ضحى مجيد سعيد /

مرة أخرى تؤكد محافظة نينوى أنها محافظة مُتميزة بعُمقها التاريخي، وأنها كانت، ومازالت، واجهةً حضاريةً من واجهات العراق الذي يمتاز بعراقته وقِدمه وبُعده وعُمقه التاريخي على مر العصور والأزمان.
حيث ظهرت آثارٌ جديدة من باطن أرضها على الرغم من كل ما تعرضت له من طمس لآثارها على أيدي عصابات داعش الإجرامية التي دمرت وفجرت العديد من الأماكن والقطع الآثارية المهمة في الموصل، فقد اكتُشِفت قطع أثرية جديدة فيها والعمل جارٍ على استخراجها وحمايتها وحفظها، فضلاً عن التنقيب عن قطع أثرية أخرى يُتوقع وجودها في نينوى.
ألواح رخامية
ولمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، حاورنا الأستاذ (خيرالدين أحمد ناصر)، مفتش آثار وتراث في محافظة نينوى، الذي حدثنا عن حيثيات اكتشاف هذه الآثار قائلاً: “بإشراف من وزارة الثقافة ومتابعة من الهيئة العامة للآثار والتراث، وبدعم من منظمة (أليف) الدولية، وأثناء أعمال الموسم الثاني للتنقيب والتحري عن أسس وجدران (بوابة المسقى) الأثرية من قبل بعثة التنقيب العراقية – الأميركية المشتركة، الجانب العراقي فيها مُتمثل بكوادر مفتشية آثار وتراث نينوى، والجانب الأميركي متمثل بجامعة بنسلفانيا، عثر على ألواح رُخامية عِدة لم تُكتشف سابقاً تعود إلى حقبة الملك الآشوري سنحاريب – ٧٠٥ ق.م – منحوتة عليها بالنحت البارز مشاهد لجنود آشوريين في حالة القتال، إضافة إلى بعض أنواع أشجار الفاكهة المعروفة في العراق، وهي النخيل والرمان والعنب والتين، ومختوم على ظهر تلك الألواح بكتابات مسمارية تعود الى عهد الملك سنحاريب.”
وأضاف: “ويُرجّح أن الألواح نُقلت من قصر سنحاريب لتغليف جدران البوابة في عهد الملك الآشوري (سن شرشكم) الذي قام بتشويه أجزاء واسعة من تلك الألواح، ولاسيما تلك الشاخصة فوق مستوى الأرضية، كونها تمثل فترة لا تعود له، فيما لم يتعرض الجزء الأسفل من الألواح، وبالتحديد الأجزاء التي كانت تقع تحت أرضية البوابة، الى الضرر.”
وأوضح أن “القطع الأثرية المكتشفة جرى إخراجها سليمة، وبدون تعريضها الى التلف أو الكسر، باستخدام الطرق والوسائل العلمية في عملية الاستخراج، لذلك لم تتأثر اية قطعة أثرية نتيجة التنقيب والاستخراج إذ أن الأعمال جرت بطرق علمية وبمهنية عالية، وجرى إنشاء مسقف لحمايتها من الظروف الجوية الى حين حسم موضوعها مستقبلاً بعد صيانتها من قبل البعثة المذكورة.”
تعاون مثمر
وإجابة على سؤالنا عن إمكانية نقل هذه القطع الأثرية بدون تعريضها الى الخطر أو إبقائها في مكانها أوضح قائلاً: “إنها إما أن تبقى في مكانها أو أن تنقل إلى المتحف المختص، وهذا الأمر لم يحسم لحد الآن وكل الاحتمالات واردة، إذ يعتبر هذا الاكتشاف مهماً جداً لأن هذه الألواح الأثرية هي الوحيدة حالياً في نينوى التي تحمل هذه المشاهد وهي غير مدمرة.”
وفي إشارة منه إلى تعاون المواطنين ودور الجهات الرسمية المختصة لحماية الآثار ومنع عمليات التهريب قال: “نظراً للاستقرار الأمني الذي تشهده محافظة نينوى وتعاون المواطنين المستمر مع الجهات الحكومية والأمنية، لم تسجل أية عمليات نبش أو سرقة في المواقع الأثرية في عموم المحافظة، وهذا يدل على وعي كبير من قبل شرائح المجتمع الموصلي بأهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها.”
أهمية كبيرة
بدوره، حدثنا الأستاذ (فاضل محمد خضر علي)، رئيس لجنة الصيانة في بوابة المسقى الأثرية، عن أهمية وتفصيلات القطع الأثرية وما منقوش عليها من رموز ومعانٍ. قائلاً “اكتشفت الجداريات في الجزء الغربي من البوابة في غرفة الحرس، حين باشرت البعثة بالتحري عن الأُسس تمهيداً لعملية الصيانة للبوابة بالكامل، هذه الجداريات تمثل نقوشاً لجنود آشوريين وهم في وضعية إطلاق السهام، ويظهر فيها سور مدينة ومظاهر الحياة اليومية داخلها، كما ويظهر السور الدفاعي للمدينة ونقوش لرؤوس أشخاص يُعتقد أنهم من غير الآشوريين، إذ أنهم كانوا حاسري الرؤوس في النقوش الموجودة على القطع المكتشفة، فضلاً عن مشاهد لأشجار الرمان والعنب ومشاهد أخرى متنوعة، إضافة الى رموز للكتابة الآشورية لاسم الملك سنحاريب، وقد جرى تدوين وتثبيت ذلك بالاستعانة بقارئي النصوص الأثرية المختصين في هذا المجال لفك رموزها.” وفي إيضاحه عن وجود معلومات سابقة عن هذه القطع المكتشفة ام لا، بيّن أنه “لاتوجد أية مدونات او معلومات عن هذه الجداريات، لأن الجزء المُكتشف يقع تحت الأرضية المستحدثة للبوابة في الفترة الآشورية، ونعتقد أنها بعد فترة حكم الملك سنحاريب، وقد حصل الاكتشاف بعد الشروع بالعمل قبل أسابيع.”
وعن أهمية الآثار المُكتشفة قال: “تكمن أهمية هذه القطع في أنها تُعتبر حالياً الوحيدة الواضحة المتبقية في مكانها الأصلي، إذ تعرضت الألواح الجدارية الأخرى، ولاسيما في قصر الملك سنحاريب الى التخريب على يد عناصر داعش الإجرامية.”
وبيّن أن “القطع الأثرية والجداريات لم يلحقها الضرر من جراء الشروع باستخراجها، إذ كان العمل يدوياً وباستعمال أدوات تنقيب يدوية بسيطة، كما أن العمل جرى بدقة ومهنية عاليتين، وأن الآراء كثيرة عن إبقائها في مكانها أو نقلها إلى المتحف، لكننا نُفضل أن تبقى في مكانها الأصلي حتى بعد أعمال الصيانة النهائية للبوابة، لأنها مصدر جذب سياحي للمكان.” وأضاف: “نحن في هذا المكان لم ندخل لحد الآن الى غرفة حرس البوابة، ونتأمل ان نفاجأ بأمور أخرى أكثر أهمية في المستقبل.” وفيما يخص الدعم الحكومي لعمليات التنقيب وتعاون المواطنين أوضح إن “الدعم الحكومي في مجال التنقيب والصيانة يقتصر على الدعم المعنوي والتوجيه الصحيح للقيام بهذه الأعمال، بغض النظر عن الدعم المادي، كما أن المواطن الموصلي على دراية تامه بأهمية الآثار وضرورة المحافظة عليها، ولاسيما بعد دمار الكثير منها على أيدي عصابات داعش الإجرامية.”أما الأستاذ (عمر خليل ابراهيم)، مُنقب آثار وعضو في البعثة التابعة الى مفتشيه آثار نينوى، فقد حدثنا عن هذا الإنجاز قائلاً: “جاء الاكتشافُ عن طريق التحري عن أسس البوابة، لكن الأثر مهم مهما صَغُر حجمه، فهو ذو قيمه حضارية كبيرة، وقد تعرض نصف المشهد تقريباً الى التشوه سابقاً. وجرى استخراج القطع بطريقة علميه دقيقه بحيث أنها لم تتضرر أثناء العمل، وستجري صيانتها موقعياً، وهي إما أن تبقى في مكانها أو تنقل الى المتحف، وبعد تحرير المدينة لم نشهد أي تخريب، وذلك بسبب توفر الحماية اللازمة.”