هل تسبب فايروس فتاك بالانقراض الكبير للديناصورات؟

568

أ.م .د باسم محمد حبيب /

لا أدري لماذا أهمل العلماء نظرية أن يكون وراء الانقراض الكبير للديناصورات تفشي فايروس فتاك بينها، فهذه، بخلاف جميع النظريات الأخرى، يمكن أن تقدم تفسيراً مقنعاً لما حصل آنذاك، أما النظريات الأخرى فتشوبها نقاط ضعف كبيرة. وقبل أن نتناول نظريتنا عن انقراض الديناصورات، سنتناول بشكل موجز أهم ما طرح من نظريات حول هذا الأمر.
فهناك نظرية التغير المناخي، التي رأى بعض العلماء أنه قد حصل في نهاية العصر الطباشيري (باللاتينية : (Cretaceous بتأثير ظاهرة الانجراف القاري التي أدت إلى تباعد القارات وتغير مواقعها القديمة بابتعادها عن خط الاستواء باتجاه القطبين، وقد نتج عن زحزحة القارات ظهور سلاسل جبلية في مناطق كثيرة وجفاف بحار عدة، وهذا ما أدى إلى انخفاض في درجات الحرارة نتج عنه ظهور نباتات جديدة أكثر تكيفاً مع الطقس البارد كالغابات الصنوبرية التي لم تكن ملائمة لحياة الديناصورات، ما دفع الديناصورات إلى ترك الجبال والهجرة إلى منطقة خط الاستواء الأكثر ملاءمة لها.
نبات سام
نظرية أخرى تربط انقراض الديناصورات بانتشار نبات سام أدى تناوله من قبل الديناصورات إلى انقراضها جميعاً، وبالطبع لم يكن بالإمكان قبول هذه النظرية لصعوبة تصور أن نباتاً ساماً أدى إلى انقراض جميع الديناصورات، ولاسيما أن مثل هذه النباتات لم تخلُ الأرض منها في أي عصر من العصور، فلماذا تسبب في انقراض الديناصورات في عصر معين؟
فيما رأت نظرية أخرى أن انقراض الديناصورات جاء بسبب قارض صغير كان يقوم بأكل بيض الديناصورات، إذ كان هذا الكائن قبل ذلك يعيش في الجبال، وأدت ظروف جيولوجية ومناخية جديدة لهجرته إلى مناطق وجود الديناصورات، ومن ثم قيامه باستهداف بيوضها ما تسبب بانقراضها. ومثل سابقتها، لم يتقبل كثيرون هذه النظرية، فلا يمكن لقارض أن يقضي على فصيلة كاملة من الحيوانات بأكل بيضها فحسب، ثم أن الحيوانات التي تأكل البيض كانت موجودة منذ أقدم العصور، وهي موجودة أيضاً في العصر الحالي كما هو الحال مع السحالي والأفاعي التي تأكل بيوض التماسيح والسلاحف والطيور من دون أن تؤدي إلى انقراض أي منها.
تدمير طبقة الأوزون
ومن النظريات المهمة التي طرحت لتفسير ما حصل للديناصورات نظرية الانقراض بسبب عامل كوني هو انفجار المستعر الأعظم (السوبرنوفا)، إذ يرى مؤيدو هذه النظرية أن انفجاراً لمستعر عظيم حصل آنذاك أدى إلى قذف كميات هائلة من أشعة غاما نحو الأرض نتج عنها تدمير طبقة الأوزون التي تحمي الكائنات الحية من الأشعة فوق البنفسجية، رافق ذلك إطلاق كميات كبيرة من مادة الأريديوم التي عثر على كميات كبيرة منها في الطبقات الجيولوجية العائدة إلى العصر الطباشيري، لكن هذه النظرية تواجه اعتراضات مهمة منها: أنه يجب أن يكون المستعر الأعظم قريباً جداً من الأرض، وبالتحديد على بعد سنة ضوئية واحدة منها، لكن أقرب نجم إلى الأرض يبعد مسافة أربع سنوات ضوئية، واحتمال انفجار مستعر أعظم بهذا القرب حتى على مدى مئة مليون سنة هو 1 من مليار فقط، فضلاً عن أن المستعرات لا تطلق فقط مادة الأريديوم، بل والبلوتونيوم أيضاً، وهي مادة لم يعثر عليها في الطبقات العائدة لذلك العصر.
كما ربط بعض العلماء انقراض الديناصورات بحصول انفجار في براكين ديكان الواقعة غرب الهند نتجت عنه سلسلة من الثورات البركانية دامت ملايين السنين وأدت إلى إطلاق أكثر من مليون كيلومتر مكعب من الحمم البركانية التي تكفي لملء حوض البحر الأسود مرتين.
ونتيجة لذلك انخفضت درجات الحرارة انخفاضاً كبيراً وهطلت أمطار حامضية كثيرة، ثم تلا ذلك اضطراب دورة الكاربون الطبيعية التي نتج عنها حصول احتباس حراري طويل وارتفاع في درجات الحرارة لم تتحمله الديناصورات، ويدمج أصحاب هذه النظرية هذه التغييرات بحدث خطير شهدته الأرض آنذاك، وهو اصطدام كويكب بالأرض، وبرأي هؤلاء أنه بهذا الاصطدام بدأ الانقراض الذي كان يحدث تدريجياً قبل ذلك بسبب الانفجار البركاني، لكن اصطدام الكويكب سرَّع كثيراً من حصول الانقراض الكبير الذي شهدته الأرض آنذاك.
اصطدام الأرض بنيزك
أما أقوى النظريات فهي التي ربطت ما حصل للديناصورات باصطدام نيزك أو كويكب بالأرض قبل 66 مليون سنة، أي في نهاية العصر الطباشيري، ما أدى إلى نفوق ما نسبته 75 % من الحيوانات والنباتات. وحول ما حصل آنذاك، يرى أصحاب هذه النظرية أن الكويكب الذي اصطدم بالأرض كان بعرض عشرة كيلومترات، وأن اصطدامه تسبب بحفرة كبيرة في شبه جزيرة بوكاتان المكسيكية وانبعاث كميات كبيرة من الغازات والأتربة التي حجبت ضوء الشمس لسنوات عدة وتسبب ببرودة الكرة الأرضية. ومن ثم فإن انقراض الديناصورات ربما جاء بسبب اختناقها بالغازات والأتربة، فضلاً عن تأثير البرودة الشديدة، فيما يحتمل أن اصطدام الكويكب قد تسبب أيضاً بتسونامي وانبعاث كميات هائلة من مادة الكبريت السامة التي هي من الأسباب المحتملة الأخرى لانقراض الديناصورات.
أما النظرية التي نطرحها هنا عن انقراض الديناصورات، فهي شبيهة بنظرية سبق طرحها من جانب بعض العلماء، إذ طرح أولئك العلماء أن الانقراض الذي تعرضت له الديناصورات نجم عن وباء، تسببت به جرثومة قاتلة، كان من القوة بحيث قضى على جميع الديناصورات، إلا أن نظرية الوباء واجهت معارضة شديدة من كثير من العلماء، لأنه لا توجد جرثومة يمكنها أن تقضي على جميع الديناصورات التي تتباين أجسادها في خصائصها الجينية والمناعية. لكن يمكن حل هذا الإشكال بتصور أن الوباء الذي تعرضت له الديناصورات لم يكن مقتصراً على الإصابة بجرثومة قاتلة، بل وعلى الإصابة بفايروس قاتل أيضاً، فكان أن اجتمع الفايروس مع الجرثومة ليؤديا إلى الفتك بالديناصورات.
أما ما يدعم هذه النظرية فهو ما كانت تسببه الأوبئة من موت عدد كبير من البشر يقرب أحياناً من الانقراض، فقد تسبب أحد الطواعين الذي داهم العالم بموت أكثر من ثلثي البشر، ولو رافق ذلك الوباء آنذاك فايروس قاتل فلربما نتج عن ذلك انقراض جميع البشر. وفيما يخص الديناصورات فإن من المحتمل أن الأمر حصل بعد هجرة الديناصورات إلى بيئة جديدة، كما عرضت نظرية الانجراف القاري، هذه الهجرة ربما جعلت أجسادها غير قادرة على مواجهة الجراثيم والفايروسات معاً.
إن هناك أدلة عديدة على أثر الأوبئة في انقراض عدد من الكائنات الحية، فمثلاً أدى تفشي مرض الجرب في عام 1980 إلى انقراض فصيلة الذئاب الحمراء في (بورنهولم) بالدنمارك، أما جرثومة الكلاميديا فقد تسببت في تسعينيات القرن الماضي بالقضاء على أعداد هائلة من حيوان الكوالا حتى كاد ينقرض، لولا النجاح في اكتشاف مصل كان السبب في حماية هذا الحيوان من الانقراض. واللافت للنظر أن هذه الحالات حصلت في عصر يشهد الطب البيطري فيه تطوراً كبيراً ما يعني أن الواقع كان أسوأ كثيراً في العصور السابقة، ومن المحتمل جداً أن هناك أمثلة على حيوانات تسبب الوباء بانقراضها في عصور تاريخية عدة، إلا أن الأدلة ليست كافية لتقديم إحصاءات بذلك.
لما تقدم.. يمكن القول إن نظرية الوباء يمكن أن تكون تفسيراً معقولاً لانقراض الديناصورات، ولاسيما إذا تمثل الوباء بإصابة تلك الحيوانات بمرض جرثومي وآخر فيروسي في الوقت نفسه، وهذا ما يحصل في كثير من الإصابات الفايروسية التي غالباً ما تترافق معها إصابة المريض بجرثومة بسبب انشغال الجهاز المناعي بمواجهة الفايروس، إذ يشار إلى هذا المرض بالمرض الثانوي، ومن المحتمل أن الإصابة جرت بسبب تغير ظروف الحياة لهذه الكائنات لسبب من الأسباب.