هل غيّبت التكنلوجيا النشرات المدرسية

1٬347

استطلاع : رجاء حسين /

كانت النشرات المدرسية أو الجدارية، داخل المؤسسات التربوية، تمثل جواً ثقافياً إعلامياً صحفياً مصغراً، فهي البذرة الأولى لنتاجات ومواهب وإمكانيات الطلبة عن طريق الإعلان عنها ونشرها ومشاهدتها من الجميع، مجلة (الشبكة) تتساءل: أين هذه الوسيلة الإعلامية والثقافية المهمة الآن؟ وكيف اختفت أو حُجبت عن المدارس في مختلف المراحل؟
تساؤلات كانت عبر استطلاع لعدد من الشعراء والأدباء والأكاديميين والتدريسيين، وكذلك التربويين المختصين.
تطور وضحايا
الشاعر والأكاديمي الدكتور عبد الرضا علي الكناني تحدث عن هذه الموضوعة قائلاً: “لاشك في أن النشرات المدرسية، أو الجداريات، كانت تمثل نافذة فنية رائعة لنشر نتاجات الطلبة، والتعرف على طاقاتهم الإبداعية، مما يفّعل جو التنافس الثقافي داخل المدرسة، فضلا عن تشجيع الطلبة في التعبير عن ميولهم الفنية أمام زملائهم وأساتذتهم، ما يدفع الأساتذة إلى الاهتمام بتلك الطاقات.” مشيراً إلى أن نشر نتاج الطالب في تلك اللوحة كان بمثابة مكافأة غالية وذات وقع في ذاته، حين يرى اسمه وعمله مخطوطين في تلك الجدارية، وهو ما يسهم في تقوية الإحساس بالذات والرضا والتميز عند الطالب. يضيف (الكناني): “لكن بعد العام ٢٠٠٣ رأينا غياب تلك النشرات المدرسية في المدارس، لقد كانت تمثل صورة مصغرة للصحافة المدرسية، والسبب معروف، وهو شيوع وسائل التواصل الاجتماعي التي حلت محل الصحافة الورقية، ولا أغالي إذا قلت إنها حلت محل الثقافة الورقية، وتحول التلقي من القراءة المفيدة إلى المشاهدة الممتعة، إذ حلت المتعة محل الفائدة، والصورة محل الكلمة، مبيـّناً أن الكتاب والصحيفة والمجلة أضحت تعاني الوحدة والاغتراب في مجتمعنا، وأن والجداريات المدرسية كانت واحدة من تلك الضحايا التي أتى عليها فايروس (السوشيل ميديا).” مكملاً: “وحتى لو عادت فقد لا تؤدي الوظيفة الإعلامية والعلمية والفنية المطلوبة، لكن وبالرغم من ذلك فإني مع عودتها وبشكل يتوافق والتطور الإلكتروني الذي نعيشه، إذ يمكن أن تكون هناك جداريات إلكترونية تلبي رغبة الطالب”.
جدارٌ حر..
فيما كان في حديث القاص كاظم جابر حنين إلى أيام تلك الجداريات وانتظاره الأسبوعي للنشر فيها: “لقد كانت (النشرات المدرسية أو الجدارية) نشاطاً مهماً في تفجير طاقات العديد من الطلاب، ونافذة للإفصاح عن مواهبهم المتعددة، ولاسيما الأدبية منها، فقد كان هذا النشاط أشبه بكرنفال شهري يتبارى فيه الطلبة وهم يتوارون خلف سطورهم المعلقة على الجدران, كما أنه من جهة أخرى يُعد نافذة مهمة للتعرف على ذوات الطلاب الذين لا يستطيعون البوح عنها خلال الدرس.” مشيراً إلى “أن النشرات المدرسية، أو الجداريات، كانت بالنسبة له ساحة للبوح والتعبير، ولم يكف عن ذلك حتى في المرحلة الجامعية، عندما كان يكتب مع زملائه على ما يسمى بـ (الجدار الحر)،” مضيفاً: “وكنا نأسف جداً حين يخبرنا المسؤول عن الجدار بأنَّ كتاباتنا ستُنشر في الأسبوع المقبل، كنتُ أشعر حينها وأنا أمارس ذلك العمل أنني حر بما لدي من أفكار وخواطر، كنتُ أشعر بما أتفوق به عن الآخرين.” وتمنى (جابر) عودة هذا النشاط المهم إلى الواجهة من جديد لاكتشاف مواهب الطلبة، والتعرف على ذواتهم المختبئة خلف أجهزة الحاسوب من خلال ما يكتبون على هذا الجدار.
إعلام يومي
“صحيفة مصغرة،” هكذا تنظر الدكتورة راوية الشاعر، الشاعرة والأستاذة في كلية الإعلام، إلى تلك الجداريات، التي قالت في معرض إجابتها عن سؤالنا: “النشرة المدرسية هي نتاج أشبه بالصحيفة اليومية، لكنها ورقية ومكتوبة، هكذا أنظر لها بعين الأستاذة الجامعية، لكني في صغري، وتحديداً في الدراسة المتوسطة، كنت انظر إليها كأنها عالم صغير من عالمنا الكبير، عالم ينتمي للأشكال الحياتية المختلفة من فن وعلوم ولغة وتربية.” معربةً عن سعادتها حين كانت تعمل مع زميلاتها في المدرسة على إنتاجها –الجدارية- بصورة فنية جميلة من حيث الأشكال الهندسية والرسومات الصغيرة والألوان الهادئة، وكيف كنّ صديقات للمكتبة القريبة من المنزل، وكيف كان صاحبها يحاول توفير كل مستلزماتها لهم.
وتذكر لنا الدكتورة راوية كيف أنها كانت حريصة على الكتابة الأدبية في الركن الخاص بها من شعر أو حكمة أو مثل شعبي. مضيفةً: “وفي مرحلة الإعدادية خرجنا من الأقلام الملونة (الماجيك) إلى عالم الفرشاة والرشاشات (السبري) الملون والإطار الخشبي والزجاج، فأصبحت النشرة المدرسية أكثر جمالاً وحضوراً وتفاعلاً، وأفخر جداً لأني كنت أنقل أفكاري الأدبية وهوايات زميلاتي في الركن المخصص للإبداع.” مبينةً أنها تقوم الآن بتشجيع أولادها دائما على المشاركة الفعالة في تصميم النشرة المدرسية لما فيها من جو معرفي مشوق وأخبار متنوعة حول العالم.
ولادات أدبية..
أما المشرفة التربوية منى حازم، فقد تحدثت عن دور هذه (الجداريات) في خلق أجيال أدبية وصحفية وإعلامية، كما أنها سلطت الضوء على بعض النماذج التربوية التي سعت إلى ديمومتها رغم غزو التكنلوجيا والجائحة، إذ قالت: “هي وسيلة ثقافية وتعليمية مهمة جداً، كنا نكتشف مواهب الطلبة من خلالها ونشجعهم، فكم ولد شعراء وروائيون وكتاب من هذه الجداريات والنشرات.” موضحةً في حديثها أن (النشرات) ثقافة إعلامية مهمة، تصقل مواهب الطالب، إلا أن أسباباً كثيرة جعلتها تتحول عن مسارها الطبيعي، لتتحول الى وسيلة لإخبار الطلبة بقوانين وحقوق ومعلومات تعليمية، مضيفةً: “في بعض المدارس مازالت هناك نشاطات مفرحة كأن يشتركوا في كراس أو مجلة أدبية فيما بينهم، بل وهناك مُدرّسات ومُدرّسون مجتهدون يشجعون طلبتهم على إقامة معارض لرسوماتهم عن طريق (الكروبات)، والعالم الإلكتروني، بسبب قلة الدوام أو انعدامه في فترة جائحة كورونا.” (حازم) أملت بعودة هذه النشاطات التي أسهمت –بحسبها- بظهور الكثير من الأدباء والمثقفين.
إسقاط فرض..
في حين ذكّر الشاعر والمُعلم في مدرسة “الحسن المجتبى” فرقان كاظم، في حديثه، بدور تلك النشرات كنشاط لا صفي، وما آلت إليه الآن، إذ قال: “للنشرة الجدارية دور هام في إثراء النشء دون شك، لكن تحولها اليوم إلى نشاطِ لا صفي أثر على قيمة ما ينشر فيها، وجعلها في مدارسنا مجرد إسقاط فرض فحسب”. راجياً في حديثه أن تتغير بوصلة تفكير الهيئات التدريسية، وتتحول من مجرد التدريس إلى التنوير لخلق جيل محب للعلم والأدب، وتشجيع الطلبة بإعادة هذا الإعلام الخاص بهم وبثقافتهم ونتاجهم وأفكارهم.