هل يعشق الرجل معذِّبته؟

616

آمنة عبد النبي

يقال إن الرجل لا يعود لامرأةٍ تبكي عليه وتتسول محبة زمان، ولا يحن إلى أخرى تنوح لأجلهِ وتستغيث برنةِ هاتفهِ أو تتوسل إليه بمسجٍ إلكتروني لتعود غالية القلب ووحيدتهِ، لأن الرجل لا يتغير إلا حينما يتوجع بغيابها، وحسرة فقدانها لا تكلف بداخله عراكاً ولا تحتاج منها تلويحاً بفيتو الرحيل وإنما تجاهلا بارداً لا أكثر.
على هذا المنوال جاهدت النساء المهملات في أن يصبحن قويات مع إبقائِه ضعيفاً يحترق بصمتهِ، بعد أن تلاشت فكرة بذل الحب بدون شرط، ولم تعد هنالك شمعة تحترق لوحدها وانما أصبحت العلاقة الصحيحة “أخذ وعطاء”.
خرافة أم حقيقة؟
لعبة الرجل الذي يعشق معذبته، هل يا ترى هي خرافة نسجها التاريخ النسوي المعذب؟ أم أنها حقيقة ذكورية تصارع العِناد “الفمنستاوي” ونضاله الشرس من أجل القيادة!
“إن إعطاء العلاقة شكلاً ذكورياً هو أمر مقيت، وكأن الرجل هو الطرف الذي يجب الانتقام منه بإخضاعهِ ومساواته بايولوجياً بحسبِ ما تروج لهُ فاشلات (الفمنست).”
هجوم لاذع بدأه رجل الأعمال حيدر حسن، محتجاً على طريقة التفكير النسوي المضاد، بالقول:
“طبيعة المرأة أنها عنادية، لا تخضع للتنازل حتى لو كان الخلاف عادلاً، لأن القضية بايولوجية وفطرية لا تقتصر على الاكتساب، وقطعاً فإن المرأة التي لا تمتلك ما يدعم شخصيتها المهزوزة وثقتها بنفسها، ستلجأ إلى تلك التجاهلات المأزومة، والغريب أنها فطرياً خُلقت بكتلة هائلة من المشاعر والعواطف التي تكمل علاقتها بأطفالها وزوجها، فما الداعي لمخالفة الطبيعة الإنسانية بتبريرات غريبة وذكورية مضحكة، أو ما تروج له فاشلات (الفمنست) اللاتي فشلن في إقناع شريك وإنشاء أسرة وتكوين استقرار عائلي، وعليه يجب أن تفهم المرأة، التي تريد حياة مستقرة، آلية تفكير الرجل واستيعابه، فلكل رجل شخصية معينة ومشاعر وأحاسيس، ولديه كرامة تحتم على المرأة الموازنة ما بين تصرفاتها معه ومتى يجب أن ترفض أمراً أو تقبله، ومتى يجب أن تكون لينة أو قاسية، ومتى تبتعد ومتى تقترب منه، فالذكاء في أسلوب التعامل مع الشريك هو أن تفهم حاجاته وتفكيره دون جعله يلاحظ ذلك، لا أن تتجاهله.”
دكتاتورية الذكور
“لا أعرف لماذا أكون مضطرة لأثبت لسي السيد كل يوم أنني محظوظة بوجودهِ كنعمة في حياتي، وما الداعي لإغراقهِ بأمطارِ الحب كل صباح”!..
ردُ فعلٍ ساخرٍ وممتعض من الموظفة شيماء الشمري، تعترض فيه على من سبقها بالكلام، قائلة:
“لا شأن لي بعنتريات الرجال وغرورهم، لكن الحب يحتاج ذكاءً عاطفياً وامرأة غير مبالية، وفي أحيان كثيرة باردة، ولا تبادر كثيراً، لأن وقوعها ضحية مشاعرها مخرج لكل انتهازي ضمن وجودها بقفص التملك، لذلك أنا مؤمنة جداً بفكرة الرجل الذي يعشق معذبته، لأن في داخل كل رجل دكتاتوراً، وهم الذين اعتادوا أن يخذلوا النساء في العلاقات والحياة والعمل، دائماً يعتقدون بصلاحية آرائهم وأفكارهم وحلولهم التي لا يعترضها أحد، والكارثة ما بعد مرحلة الخذلان حين تجد بعض النساء فيها (مازوخيتهنّ) بنحتِ المبررات. وهنا أقول –بمرارةٍ- أن لا داعي لتصديق حجة الظروف أو الاقتناع بعبارة الرجال الشهيرة التي يستخدمونها عند التغير او الانسحاب الحقير بأنكِ تستحقين الأفضل، الحقيقة أنكِ يجب أن تقتنعي أن ما من رجل أرادك بصدق سيظن بأنك تستحقين رجلاً أفضل منه، أو أنه لم يتغير في علاقته معكِ، وإنما المحب الحقيقي سيفعل المستحيل لإسعادكِ”.
كبرياء وعناد
“هنالك نقطة عصيّة اسمها الكرامة والكبرياء لدى الرجال، من المحال عبورها، لأن كبرياء الرجل في واقع الحال تمنعه من الخضوع لأمورٍ تافهة كالتجاهل!”.. إجابةٌ مُغلفة بكبرياء حيدر المحمداوي، الذي يؤكد “أن الرجل بالفعل يحب المرأة التي تكون صعبة المنال، والمتعارف عليه أن من يضمن بقاء المقابل سيبدأ بالتغير نحوه تدريجياً، لذلك تقوم أغلب النساء بتلك الحيل لضمانِ وجودهن مع المقابل، وهذا من حقهن طبعاً، لكن المشكلة تكمن في طريقتهن الخاطئة والمضحكة والمُسيئة لكبريائه، لان الرجل عندما يرى أن المرأة تتعامل بتجاهل مُهين له، هنا قطعاً يبدأ بالانسحاب ليحافظ على كبريائه وكرامته، بل ويقوم باستخدام أسلوب مثيل لأسلوبها، ليحقق التجاهل المتبادل بين الطرفين، والطبيعي أن الرجل يحب أن يكون هو المتحكم في العلاقة والمسيطر عليها بحكمِ كبريائه وغيرته وحراستهِ ومحبته لبيته وعائلته، إلا أنه في نفس الوقت لا يحب المرأة ضعيفة الشخصية التي لا يمكن الاعتماد عليها في أبسط الأمور، بل يحب التي لديها طموح خاص بها وتعمل على تحقيقه بعيداً عنه، وفي رأيي فإن الاعتدال في الأشياء كافة هو أهم جاذب للرجل، فالأنثى يجب أن تكون أنثى وأن تكون رقيقة المشاعر، وفي نفس الوقت تكون صاحبة رأي وحجة وتفسير لا أن تتعند وتتعصب لرأيها لمجرد أن المطلب ذكوري.”

نفوس مريضة
“الأمان النفسي الذي يقدمه الرجل للمرأة هو الذي يديم الحياة ويغذيها، كما هو حال العلاقة التي أطرت حياة والديّ بالمحبة المُعتقة”..
هو ما تؤمن به سيدة المجتمع هديل الجوراني، وتحث عليه، قائلة: “العلاقة القائمة على مبدأ إهماله ليراني، أو ينتبه لي، هي علاقة غير سوية ومريضة، ولا يمكن إدراجها ضمن أطر الحياة المشتركة التي تمتد إلى آخر العمر، الصحة النفسية عماد الطرفين، إذا لم تكن على ما يرام فلا يمكن لأية علاقة أن تستمر، لأن الزوج الذي لا يؤمن لشريكته جواً نفسياً آمناً، لا أحد بإمكانه أن يجبر المرأة على البقاء والاستمرار معه، وإذا لم نحقق لبعضنا البعض المحبة والعشرة الآمنة، فلا معنى لأية شراكة، وبالرغم من علمي أن لا مثالية مطلقة في الحياة، لكن أنا من حقي أن أبحث عن المثالية بكل تفاصيلها، مهما كانت صغيرة، هذا المبدأ وظفته في جميع أمور حياتي، ليس في العلاقة الزوجية فحسب، لدرجة أني (فلترت) العلاقات واختزلتها إلى أبعد الحدود.”

صراع القيادة
من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي عباس الدراجي أن هذا الموضوع مثار جدل وتشنج كبيرين بين الطرفين عند الدخول في أية علاقة ارتباط، مشيراً الى “أن أول ما يتبادر الى ذهن جميع سيدات الأرض، وما يجعل كل واحدة منهن في حيرة من أمرها، هل أن الرجل يحب المرأة ضعيفة الشخصية، التي توافقه دائماً في كل آرائه ولا تتناقش معه، أم أنه يحب المرأة قوية الشخصية، التي تعانده. الكوارث تبدأ من هنا، حينما يصر كل واحد منهما على إقناع الآخر بما يخالف شخصيته هرباً من مصيدة الإخضاع، وحتماً تلعب طبيعتا الرجل الشرقي، البايولوجية والتربوية، دوراً كبيراً في اتساع المسافة، باعتباره لا ينجذب إلى المرأة الخفيفة، سريعة الوقوع في العاطفة، التي تبدي إعجابها به منذ أول لحظة، لكنه يحب المرأة الرصينة، التي يبذل مجهوداً شاقاً حتى يظفر بنيل رضاها، لأن شخصيته تحب المنافسة والتحدي، فهو يهوى المتمنعة بنظرهِ، الأكثر ثقة وعزّة في نفسها من غيرها، وتقدم على الأمور بعد تفكير عميق وتروٍّ، على عكس خفيفة التفكير، التي تكون دائمة التردد وتتأثر بآراء الآخرين، والحال كذلك ينطبق على المرأة التي تحب -هي الأخرى- مبدأ قيادة الرجل وقيادة البيت وفقاً لما تراهُ مناسباً لقناعاتها، فيحدث الاصطدام بالتالي بين قناعاتهِ وقناعاتها، علماً أن الوضع الطبيعي والأسلم فيما بينهما هو القناعة المشتركة.”