هنريك: أشعر بسعادة عندما أقدم المساعدة للمحتاجين

848

اية منصور/

العراقيون اكرم الناس ومتميزون في عطائهم للانسانية، وان كان زمن التصارع والتناحر وحب الذات اضحى سمة العصر، فان زمن الانسانية وحب الخير مازال نهرا جاريا في العراق، فكل يوم يخرج من تربته، قلب نابض بالمحبة، يوزع ثمار طيبته على المحتاجين.

هنيريك، اسم عراقي آخر عشق عراقيته، وعشق شعبه، بدأ فردا فتحول بمساعدة عدد من المتطوعين الى فريق متكامل، يطير من محافظة الى أخرى حاملا عطائه للمحتاجين ممن رمتهم الحياة على رصيف الفقر. يقول هنيرك الذي يعمل مهندسا معماريا في وزارة الدفاع: لقد صادفت يوما، شخصا محتاجا يتيم الابوين، ففكرت بانشاء ملجأ للايتام، ولم احصل على الموافقات اللازمة لذلك، فبدأت مشروعي الخاص، وهو مساعدة من يحتاج المساعدة.
مشفى الطفل الخطوة الأولى

هنيرك والذي بدأ بمساعدات فردية وصغيرة للغاية، تحول الى فريق من المتطوعين، يجوب المحافظات لنقل المواد الغذائية، الملابس، والادوية، الى المحتاجين، يقول هنيرك عن بدايات فريقه:

ـ قمت بزيارة مشفى الطفل في الاسكان مع صديقتي، من أجل مساعدة بعض الاشخاص المصابين بالسرطان، وحينما رأيت الأهمال الذي يعانونه ـ وأعني الاهمال النفسي قبل الجسدي- والذي كان باديا عليهم، قررت التبرع لهم، ومن يومها وحينما نشرت عن طريق صفحتي في الفيسبوك رغبتي بجمع المساعدات، ابدى الجميع استعداده، خصوصا المغتربين، بعضهم قدم عطاءات سخية وكان يعرف انها ستكون بمكان أمين.

بدأ هنيرك في المناطق القريبة منه، حيث يخصص يوم الجمعة، لكون اغلب المتطوعين لهم اعمال في أيام الاسبوع الأخرى، فيجتمعون عند مكان ما لينطلقوا الى المناطق المحتاجة من أجل توزيع المساعدات، يقول هنيرك:

ـ في باديء الأمر، كنت أجمع التبرعات ثم اضيف لها من راتبي، دون ان اؤسس لفكرة الفريق، اقوم بتخطيط وتجهيز المعدات، قبل عدة ايام من الانطلاق، وعندما كنت اجد أنا وزملائي، اننا لم نجمع اموالا كافية، نقرر ان نضيف من مالنا الخاص، لسد الحاجة.

السوشال ميديا منقذنا

أما عن كيفية اختيار المناطق او المحافظات التي يقدم فيها مساعداتها فيؤكد هنيرك:

ـ اختياري يكون اذا ما صادفت في طريقي بعض المناطق المحتاجة او الاشخاص، او ان يتم اختياري عن طريق بعض المقترحات من الاصدقاء في الفيسبوك او المتطوعين، او حتى عند قراءة خبر عن وجود بعض الحالات في احدى المناطق، جميعها تساعدني انا وفريقي على “شد الهمة” لجمع التبرعات. ويضيف قائلا: استطعنا عن طريق مقترحات بعض الاشخاص في الفيسبوك، ان نقدم مساعدات للعديد من الحالات المرضية التي تحتاج الى تقديم العون، قمنا بارسال الكثير من الاشخاص المرضى للخارج والتكفل بعلاجهم، كما تمكنا من توفير فرص عمل لآخرين، الموضوع لا يقتصر على توفير المساعدات الغذائية فحسب.

نوزع الحب لا المال

ويرى هنيرك، ان الحملات التي يقوم بها لا تكون مادية دائما، بل يعتمد وفريقه على التحفيز المعنوي كذلك، يزور فريقه في كثير من الاحيان، الملاجئ والمستشفيات.

– احيانا نقوم بزيارة دور الايواء لليتامى والملاجئ الاهلية والحكومية، لا نأخذ معنا الاموال او المساعدات الغذائية فقط، بل نحاول دائما دعمهم معنويا، الاطفال تكون حصتهم الالعاب، نقضي بعض الاوقات معهم، وعند خروجنا، نشعر بحب كبير وسعادة ربما تكفينا لاعوام.

لا يعتمد هنيرك اجهاد متطوعي فريقه كثيرا، ففي بعض الحملات لا يحتاج لاكثر من 3 متطوعين ان كانت حملته الخيرية في بغداد، لكن اذا ما تخطت الحملات حدود العاصمة، فيضطر هنيرك لنداء اصدقائه، يخبرني عن ذلك فيقول:

ـ إذا كانت الحملة ستوفر مساعدات لأكثر من الفي عائلة، فنذهب بما يقارب 25 شخصا، نجتمع جميعنا عند نقطة واحدة، وننطلق لنعيش يوما باكمله مع من يحتاج الينا، نتعرف عليهم، ومن خلالهم ايضا نستطيع ان نجد بعض الحالات التي تحتاج لمساعدة حقيقية.

لا حاجة لاموال السياسة

يشدد هنيرك على ان اموالهم نظيفة تماما، ولم ولن تقبل الخوض في سجالات السياسيين، لتكون عكازا يستندون اليه بأسم فريقه فنحن لا نأخذ الاموال الا من عامة الشعب، لم اتسلم مبلغا يوما من سياسي، ولا اريد ذلك، لئلا يحملنا منية “امواله” نريد ان نبقى بمصداقيتنا، ان نعمل ونجمع التبرعات، دون الحاجة لسياسي.

وبالنسبة للتسقيط الذي يتعرض له –هنيرك وفريقه- دائما، فيؤكد لي هنيرك ذلك مبتسما بقوله: ان هذا التسقيط يساعد منشوراته وحملاته بالوصول لاشخاص عدة، ويفتح الابواب لمتبرعين آخرين – فحيثما تعرضت حملة من حملاتنا للتسقيط، نستقبل الكثير من المتطوعين بالاموال، انها مبارزة معكوسة، يقعون في شر اعمالهم دائما. لن تتوقف حملاتهم التسقيطية، ولن تتوقف حملاتنا للتبرع!.

النضج خلال الألم

أما عن المواقف “المؤلمة” التي عايشها هنيرك في مسيرته التطوعية، فهي كما يصف لي، كثيرة وعالقة في الرأس ولا تخرج!، يقول: تعرضنا للقصف بالهاونات لأكثر من مرة، ما ادى الى استشهاد طفلين، ومرة، وانا اسير في احدى المناطق كان الشارع خاليا بسبب حرارة الجو، الا من طفلة تجلس عند دكة احد “الدكاكين” فسألتها اذا ما كانت تعرف امرأة بحاجة الى المساعدة في المنطقة، قالت لي بخجل: انا يتيمة ! وحينما اردت اعطاءها لعبة كهدية، لم توافق، واخبرتني بهدوء ان خالهم متكفل بجميع مصاريفهم وان هنالك من هو بحاجة لهذه الهدية اكثر منها.

ما يزال هنيرك ومنذ سنتين يعمد الى انشاء مشاريع صغيرة للمحتاجين، مثل شراء “ستوتة” او فتح محل لبيع المواد الغذائية، يخبرني عن المفاجأة التي يعد لها العدة فيقول:

-اننا نعمل على انشاء معمل لتعبئة المياه بمبلغ يقارب الـ ٢٥ مليون دينار قام بالتبرع به احد الاثرياء، من خلال هذا المشروع سنوفر فرصة عمل لاكثر من ٥ اشخاص ويكون لهم مورد ثابت، والاهم هو ان الارباح المتحصلة من هذا المشروع، ستكون خاصة لحملاتنا من اجل العوائل المحتاجة.