وادي السيليكون عاصمة العالم التكنولوجية

1٬031

رفاه حسن /

مع بداية القرن العشرين وانطلاق الثورة التقنية في العالم برزت الحاجة إلى وجود مكان يضم مراكز للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا. وقد كان وادي السيليكون هو المكان المختار لهذه المهمة، يقع وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية غربي البلاد في ولاية كاليفورنيا، ويشمل المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو. يضم الوادي 28 مدينة و4 مقاطعات ويسكنه 2.5 مليون نسمة نصفهم تقريباً من أصول آسيوية،من الهند والصين والفلبين، وتعد مدينة سان خوسيه هي عاصمة الوادي وتمتد حتى 110 كم مربع، وتعد هذه البقعة الجغرافية من العالم الأكثر تطوراً وتقدماً وثراءً في العالم، منها تنبع أهم الدراسات والأبحاث والمشاريع، وتقطنها أهم الشركات التقنية في العالم مثل جوجل وأبل وأوراكل وغيرها الكثير، كما تضم أهم مراكز البحث والتطوير مثل ناسا، ويعد العمل في الوادي حلماً لكل محبي التكنولوجيا إذ يراها كثيرون المدينة الفاضلة التي ترفد العالم بآخر التقنيات والاختراعات والاكتشافات التي أسهمت في تغيير مسار العالم كثيراً منذ أن وجدت.
إن السبب وراء تسمية الوادي بهذا الاسم يعود إلى أن أول صناعة اشتهر بها الوادي هي صناعة الشرائح الإلكترونية التي تدخل في معظم الصناعات التقنية، ويكون السيليكون مادة أساسية في صناعتها، إذ بدأت صناعته واعتماده في بناء حاسبات الجيل الثاني نهاية خمسينات القرن الماضي. وعلى الرغم من ذلك فإن وادي السيليكون لا ينتج هذه الرقائق الإلكترونية فقط، فلقد تنوعت الصناعات والمنتجات التي يقدمها الوادي نتيجة الازدهار الكبير الذي شهده منذ ثمانينات القرن الماضي، ولقد أسهم الوادي بثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة في أميركا.
أما عن بداية تأسيس الوادي فلقد كان لجامعة ستانفورد وأحد اساتذتها في الهندسة فريديريك إيمونز تيرمان الفضل الكبير في نشأة الوادي، فلقد كان للجامعة فرع في الوادي ولهذا شجع الأستاذ فريديريك تلاميذه على إنشاء شركاتهم الخاصة هناك، واستطاع بعض طلابه أن ينشئوا شركاتهم الخاصة، ومنهم ويليام هيوليت وديفيد باكارد بعد أن اقنعهما الأستاذ بالعمل في تطوير مشاريعهم وشركاتهم في هذه المنطقة بعد التخرج. وبمرور الوقت استطاع الوادي أن يوفر بيئة مناسبة وملمهة لتطوير المشاريع، وهو يضم أيضاً عدداً كبيراً من حاضنات الأعمال، وقد لا يكون هذا الأمر إيجابياً جداً إذ ليست كل تلك الشركات بالحرفية التي يتصف بها وادي السيليكون، ولكن توجد بعض الشركات التي تقدم خدمات حقيقية للتسويق والإعلان عن المشاريع والترويج لها.
إن كنت تحلم ببناء شركتك في الوادي فعليك أن تعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة، ففي البداية أن أسعار الأراضي في الوادي مرتفعة جداً، ويعود السبب في ذلك إلى أن الوادي بيئة مثالية مجهزة بأفضل التقنيات، فضلاً عن أن أغلب ساكنيه هم من الأثرياء…يمكنك أن تعيش في وادي السيليكون إذا كنت ثرياً وعليك أن تتعامل مع كل التفاصيل من هذا المنطلق حتى في تقديم الخدمات، الجودة والأسعار مختلفة تماماً ومع كل ذلك فلم يستطع الوادي التخلص من شبح الفقر، فعلى الرغم من الثراء الفاحش الذي يعيشه الوادي الآن فإننا نستطيع مشاهدة الفقراء يتجولون في أرجاء مختلفة هنا وهناك، وربما هذه بعض السلبيات التي لا يذكرها أحد بخصوص الوادي لأن ما يقدمه للعالم من تقنيات يطغى على كل شيء.
يعد الوادي العاصمة التقنية لا في الولايات المتحدة الأمريكية فقط وإنما في العالم بأسره، ويسهم في تقديم التقنيات التي تؤثر بنحو كبير وربما مصيري على قطاعات عدة، فلقد أخرج لنا كثيراً من التقنيات التي وفرت على الإنسان كثيراً من الجهد والوقت والتعب، وبسبب ذلك جرى التخلص من بعض التقنيات القديمة واستحداث تقنيات جديدة ذات فائدة أكبر تساعد الإنسان في حل المشكلات التي تواجهه في شتى المجالات بأسرع وأفضل الطرق الممكنة، وهذا ما يجعل التكنولوجيا هي السلاح الأقوى اليوم. وربما لم يعد وادي السيليكون عاصمة العالم التقنية فحسب، بل أصبح أكثر من ذلك بكثير بحكم أن التكنولوجيا، فضلاً عن توغلها العميق في حياتنا اليومية والاجتماعية، فهي تدخل بعمق أكبر في قطاعات حيوية مهمة منها المالية والعسكرية والصحية، وهذا يجعل منها سلاحاً خطيراً من المهم أن نتعلم كيف نحسن استخدامه، والأهم من ذلك أن نتوقف عن انتظار وادي السيليكون ليرسل لنا هباته التقنية، بل يجب أن يكون في العالم اكثر من عاصمة تقنية ولاسيما في دول العالم الثالث والدول النامية، إذ لم يعد إنجازاً كبيراً أن تواكب ما توصلت إليه التكنولوجيا في العالم، بل الإنجاز الحقيقي هو أن تتفوق عليها، ونحن اليوم في حرب ضروس لا يفوز فيها أصحاب السلطة والمال والأسلحة التقليدية، ولكن يفوز فيها من يملك الأسلحة التقنية الأقوى في مجالات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، وهذا يأخذنا إلى موضوعات الأمن السيبراني أو ما يسمى بأمن المعلومات، ذلك عالم آخر سنتطرق إليه في مقالات لاحقة.