ياسر.. قصة حزن أصبحت إرادة نجاح
آية منصور /
داخل أزقة شارع المتنبي، وبين روائح الكتب، يندفع ياسر بروح متوهجة كي يقاوم الألم وليصنع منه قصة نجاح. لم يدرك ياسر أن ذلك الانفجار الهائل في شارع المتنبي والذي سرق والده منه، وأوقع مكتبتهم حتى الأرض، أنه سيجعله متحدياً بهذه الطريقة، بنى نفسه ومكتبته.
انفجار الروح
في عام ٢٠٠٧ استشهد والده في انفجار شارع المتنبي واحترقت المكتبة وما بداخلها، كان وقتها طالباً في المرحلة الأولى ولاعباً لكرة القدم في نادي الجوية. إصبح مخيّراً بين إكمال مشواره الرياضي او العودة الى المكتبة، خصوصاً وأن أخاه كان صغير السن، فعاد لبناء المكتبة وإكمال مسيرة والده.
عمل ياسر على إعادة ترميم مكتبة عدنان بشكل جديد، ثم لتتحول هذه المكتبة من حافظة وحاملة للكتب الى دار نشر تحمل الاسم ذاته وتصدر اولى مطبوعاتها عام٢٠١١ .
كان دار عدنان للطباعة والنشر من أوائل الدور العراقية ما بعد ٢٠٠٣، وأول من شارك في مهرجانات خارجية، ومعرض ابو ظبي افتتاحاً للمشاركات التالية ومن ضمنها الشارقة، مصر وبيروت، ومحاولات الانخراط في المحافل الدولية مستمرة رغم صعوبة الفيزا.
دار نشر للعراقيين
استمر ياسر بنشر الكتب ليصل خلال هذه السنوات السبع، الى اكثر من ٦٠٠ منجز، شارك خلالها في العديد من معارض الكتب في الوطن العربي، وذلك حسب قوله، أحد أهم أسباب انشائه الدار .
“حينما كنت أسافر مع والدي للمشاركة، لم نكن نجد أي دار نشر عراقية مشاركة، كما أن العديد من الأدباء العراقيين، يعانون صعوبة دور النشر الخارجية في عملية الطباعة والتكاليف والتوصيل، كان من الصعب جداً النشر لكاتب عراقي.”
أصبح فرض الكتاب والأديب العراقي داخل المعارض الدولية وخارج الحدود تحدياً لياسر، لكنه نجح فيه، كما شارك كذلك في العديد من المعارض في الجامعات العراقية من أجل توفير المصادر للطالب وذلك، حسب قوله، بسبب التقشف الذي لاح البلاد عام ٢٠١٤ ولم تتمكن حينها الجامعات من توفير المصادر الكتابية للطلبة، كما حدث تراجع كبير في مستوى القراءة، اذ انحصرت بيوم واحد في الاسبوع وهو الجمعة وفي المتنبي.
حصص الأحلام
أثناء هذه الأعاصير –المحببة- التي تمر في حياة ياسر، يخبرني أن أخاه قد نضج وأصبح قادراً على المساعدة ومراقبة المكتبة، فيما يكمل ياسر دراسته للماجستير عن العلاقات العراقية اليابانية، ليعيش ٢١ يوماً في اليابان مكملاً رحلته بلقاء السياسين والنواب اليابانيين.
“حصلت على درجة الامتياز، الأمر الذي فتح لي أبواباً كنت أطمح اليها منذ الأزل وهي التدريس الجامعي، أصبحت أستاذاً في جامعة الإسراء/ قسم القانون.”
كهوة وكتاب
هذا كله لم يمنع ياسر من تزويد مدينته ومحبوبته بغداد بمقهى صار مغناطيساً لمحبي الثقافة والجمال في هذه البلاد، واضعاً أسسه لواحد من أجمل وأهم مقاهي بغداد الثقافية، “كهوة وكتاب”، الذي أصبح مركزاً لجذب النشاطات الثقافية والأدبية في بغداد.
“أحد الأسباب التي دفعتني لافتتاح المكتبة، هي عدم توفر المكتبات بعد نهاية الدوام، اذ يحتاج الطلبة والأساتذة للمصادر، ما يضطرهم لإلغاء التزاماتهم من اجل الحصول على ساعة في الأسبوع، أنشأت (كهوة وكتاب) لتكون المكتبة والمتنفس للمثقف العراقي خارج المتنبي دون انحصاره في مكان واحد، وبوقت مفتوح.”
أقيمت جلسات عديدة في المكتبة والمقهى، اي، ما يقارب ٧٠ جلسة تشمل الشعر وحفلات توقيع كتب والحفلات الموسيقية وانجازات المسرحيين والأدباء، كما شملت تأبيناً لاسماء معروفة وغيرها.
“تسلمت (كهوة وكتاب) دور وزارة الثقافة بشهادة الآخرين، جلساتها غير محددة بوقت معين لكننا نعتمد في جدولنا على إقامة ما لا يقل عن أربع جلسات شهرياً بمختلف المواضيع.”
ردود أفعال زوار المقهى ساعدت ياسر على الاستمرار في نشاطاته، لكنها بالطبع لم تمنعه من مزاولة مهنته الجديدة كأستاذ جامعي لمادة البحث في جامعة الإسراء واستمراره بدراسته.
“استطعت تنظيم وقتي بشكل دقيق من أجل تحقيق أهدافي، كان أحد أحلامي أن أصبح تدريسياً، وكل جمعة انا في المتنبي من أجل المكتبة والتواصل هنالك، أعود بعدها الى المقهى، واراقب طلبتي.”
يفعل ياسر كل هذا دون هوادة او تململ، يطمح لدراسة الدكتوراه، لإكمال مشروع الدار والمكتبة.