يعود بناؤها إلى أكثر من 470 سنة القنطرة البيضاء..معلمٌ أثري دارت حوله أحداث تاريخية

444

عامر جليل إبراهيم – تصوير / حسين طالب /

القنطرة البيضاء، أو الجسر الأبيض، واحدة من معالم مدينة كربلاء المقدسة المهمة، كما أطلقت عليها أيضا تسمية قنطرة الإمام علي (ع)، لأن الروايات وكتب التاريخ تذكر أن الإمام علي (عليه السلام) في طريقه الى حرب صفين مر بكربلاء فشوهد وهو يقف عليها متأملا كربلاء وما عليها من أطلال وآثار، فكانت مقراً لاستراحته.
وتشير المصادر الى أن السلطان العثماني عثمان القانوني كان قد أمر بحفر نهر يصل من الفرات إلى مدينة كربلاء قبل نحو 450 عاماً، فأراد أولاً حفر وإحياء النهر القديم: شاطئ الفرات، أو العلقمي، ذلك النهر الذي حدثت قربه معركة الطف عام 61هـ بين الإمام الحسين (ع) وجيش يزيد بن معاوية، ثم أمر ببناء هذه القنطرة.
في عام 1824 دارت عليها معركة تسمى (واقعة الميراخور) بين العثمانيين وأهالي كربلاء، لأن كربلاء أعلنت العصيان وأصبحت تحكم نفسها بنفسها بعد قتل المتولي العثماني فتح الله خان ومن بعده علي أفندي. ولطول مدة المعركة والحصار تهدم جزء كبير منها، فقام السيد علي النهري بالاستعانة بالمعمار محمد بن علي بن أسطة قاسم البناء الأسدي، بإعادة الجزء المتهدم من بنائها قبل نحو 150 عاماً أي في عام 1850م.
“مجلة الشبكة العراقية”، وضمن سعيها الدؤوب للتعريف بالمعالم الأثرية في العراق، زارت هذه القنطرة حيث التقت منقبة الآثار في مفتشية آثار كربلاء وجدان علي عمران التي حدثتنا عن تاريخ القنطرة والأحداث التي دارت حولها.. تقع القنطرة البيضاء في ناحية الحسينية شرقي محافظة كربلاء المقدسة على نهر الحسينية، وهو النهر الوحيد الذي يتفرع من نهر الفرات على يمين سدة الهندية في محافظة بابل، 30كم شمالي محافظة كربلاء. ولفترة طويلة بقيت هذه القنطرة بوابة مدينة كربلاء المائية، إذ كانت السفن المحملة بالبضائع والمواد الغذائية تمر من تحتها بعد دفع أجرة المرور لتصل بعدها إلى قنطرة أخرى قرب باب بغداد كانت تسمى (أم حديبة) وفتحة القنطرة صغيرة لا تسمح للسفن بالدخول من تحتها، أي أنها كانت أشبه بالميناء حيث تنقل البضائع منها إلى المدينة.
دلالة واضحة
تؤكد المنقبة الآثارية في مفتشية آثار كربلاء وجدان عمران أن القنطرة البيضاء سميت بهذا الاسم نسبة الى لونها الأبيض، ولكونها دلالة واضحة للوصول إلى مراقد الأئمة الأطهار في كربلاء، لوجود بساتين النخيل الكثيفة التي تحجب رؤية المنائر، وأطلقت عليها أيضاً تسمية قنطرة الإمام علي (ع)، لأن الروايات وكتب التاريخ تذكر أن الإمام علي (عليه السلام) في طريقه الى حرب صفين مر بكربلاء، فشوهد وهو يقف عليها متأملاً كربلاء وما عليها من أطلال وآثار. فسئل عن السبب فقال: (إن لهذه الأرض شأناً عظيماً، فها هنا محط ركابهم وها هنا مهراق دمائهم)، فسئل في ذلك فقال: (ثقل لآل محمد ينزلون هنا)، والواضح أن الإمام علي (عليه السلام) وقف بالقرب من مكان بناء القنطرة البيضاء، فكان مقاماً لاستراحته وصلاته.
بناء القنطرة
تضيف عمران: إن السلطان القانوني كان قد أمر بحفر نهر يصل من الفرات إلى مدينة كربلاء فأراد أولا حفر وإحياء النهر القديم، شاطئ الفرات، أو العلقمي، ذلك النهر الذي حدثت قربه معركة الطف العام 61هـ بين الإمام الحسين (ع) وجيش يزيد بن معاوية، فوجده بعيداً ثم اتجه إلى حفر نهر جديد آخر يتجه بنفس الاتجاه، فاستعان بالخبراء الفنيين، وكان أكثر العمال من قبيلة جشعم الشمرية الساكنة في المنطقة، وطريقة حفر النهر كانت بالطريقة اليدوية المعروفة بالحشر، وقد سمي النهر بالسليماني نسبة إلى السلطان سليمان. وبعد إكمال حفر نهر الحسينية قام بتكليف والي بغداد العثماني الجديد حسن باشا ببناء القناطر فوق النهر، وكان الاهتمام منصباً أولاً على مكان القنطرة الحالية لوجود أثر مقدس بجانبها هو مقام ومكان صلاة الإمام علي (ع) عند مروره بكربلاء ثم عين التمر فالأنبار الى الشام.
وتوضح عمران: جدد والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير بناءها بعد الغزو الوهابي عام 1803م، وفي عام 1824م دارت عليها معركة وطنية تسمى واقعة الميراخور، أو كما تعرف محليا واقعة المناخور بين العثمانيين وأهالي كربلاء، لأن هذه المدينة أعلنت العصيان وأصبحت تحكم نفسها بنفسها بعد قتل المتولي فتح الله خان وبعده علي أفندي، وحوصرت المدينة لفترة طويلة، ما اضطر الوالي العثماني داود باشا إلى قيادة الجيش العثماني إلى احتلال المدينة، ونتيجة لطول مدة المعركة والحصار تهدم جزء كبير منها، كما جاء في كتاب (مدينة الحسين) لمحمد حسن الكليدار (ج3).
إعمار القنطرة
تضيف منقبة الآثار وجدان عمران: بعد سنوات من الإهمال تقررت إعادة إعمار هذه القنطرة، فقامت وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار، ممثلة بالهيئة العامة للآثار والتراث بأعمال الصيانة للقنطرة التي تساقطت أجزاء كبيرة منها بسبب تقادم الزمن والرطوبة من نهر الحسينية، وقد شكلت لجنة لهذا الغرض من الآثاريين في محافظة كربلاء المقدسة، وقامت اللجنة بالمحافظة على الأجزاء الأكثر أهمية خوفاً من انهيار القنطرة بالكامل، واستطاعت إعادة بناء أسس الجدران الساندة، وعلى نفس القياسات القديمة، وجرت أعمال الصيانة وفق المواصفات القديمة وبنفس مواد البناء القديمة الطابوق الفرشي بقياسات 25×25×5سم والمادة الرابطة الجص الفني كما استخدم عمال بناء مختصصون بالمباني التراثية.ٍ