التسرّب المدرسي.. معدلات مخيفة وحلول لاتتعدى الأمنيات!
ريا عاصي ــ ذوالفقار يوسف ــ إيفان حكمت /
تواجه العملية التربوية مشاكل حقيقية، وبدلاً من إيجاد حلول لوقفها فإنها تتفاقم لتشكل تحدياً حقيقياً لمستقبل البلاد.
وتعد مشكلة التسرب الدراسي من أهم هذه المشكلات التي تحتاج الى وقفة كبيرة وعلاج فعال وشامل بدءاً من جذور العملية التربوية صعوداً للقمة. العملية التربوية في العراق تحتاج الى إعادة تأهيل وإعادة تكوين كامل في جميع مفاصلها وتفرعاتها وبرامجها وحتى مناهجها.
المعاناة والتدهور الكبيران في قطاع التعليم، وما يتعرض له الطلاب في مختلف مراحلهم أصبحت ظاهرة لم يتم القضاء عليها بعد. فقد كشفت مصادر تعليمية عن ازدياد ظاهرة التسرب من المدارس بسبب الإهمال الكبير في نظام التعليم في العراق والتعامل السيئ الذي يتعرض له الطلبة، خاصة في مدارس العاصمة بغداد. ظاهرة هروب الطلاب من المدارس باتت تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة وخصوصاً في المدارس الثانوية، وتقتصر على الطلاب من دون الطالبات، ما يرجعه الكثير من الخبراء والمتخصصين الى الأجواء غير الملائمة وغير المريحة للطالب، إضافة إلى الملل وعدم وجود الرقابة وضعف عناية الإدارات والأهل، وكيفية التعامل مع الطلاب، وأيضاً العنف المدرسي والإهانة التي يتعرض لها الطالب من قبل الكوادر التدريسية والتي من الممكن جداً أن تكون السبب الرئيس في ازدياد هذه الظاهرة.
أسباب
تقول الخبيرة في شوؤن التربية (زينة عبد علي) في حديثها “للشبكة” إن “مشكلة التسرب من المدارس مشكلة قديمة، وان أهم أسبابها هي الظروف المادية الصعبة التي يعيشها أغلب الأهالي، وعدم رغبة الأسرة او اهتمامها بإكمال أولادها دراستهم، إضافة الى حالات عدة من الزواج المبكر، كما أن هناك أسباباً تتعلق بالشك في قيمة العملية التعليمية نفسها، وفي ضوء انتشار البطالة فإن من المنطقي أن أية أسرة فقيرة تسأل ما جدوى التعليم؟”
وتضيف عبد علي أن “المدرسة نفسها غير قادرة على أن تجذب الطلبة لارتيادها، لعدة أسباب، منها أن المعلمين أنفسهم لم يعودوا يمتلكون مزاج الترحيب بالطلاب لظروف نفسية صعبة، كما أن أغلب الصفوف ذات كثافة طلابية كبيرة، وفي النظم التعليمية في الدول المتقدمة من المفترض أن تقل هذه الظاهرة حتى تنتهي، لكن في العراق، فإن الأعداد تزيد في ضوء الفقر المتزايد ومصروفات الدراسة المرتفعة والتدهور في المنظومة التعليمية.”
من جانبه أكد (حارث عبد اللطيف)، باحث في التنمية البشرية، “للشبكة” أن “علاج المشكلة يكمن في التخطيط لتنمية حقيقية وناجحة من خلال برامج تثقيفية وتوعوية وترفيهية أيضاً لجذب الطلاب الى المدارس وترغيبهم بالدراسة وجدواها بالمستقبل، على أن تنتشر هذه البرامج في مختلف المحافظات، بالإضافة إلى ضرورة دعم الاستثمار لخلق فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة، حتى يشعر الطلاب بجدوى التعليم، وأنهم سيجدون فرص عمل في المستقبل”، مضيفاً أن “المدرسة يجب أن تكون جذابة من خلال توفر الأنشطة الرياضية والفنية، بالإضافة إلى تحقيق الاستفادة العلمية بأبسط الطرق دون اللجوء الى الدروس الخصوصية.”
وأشار عبد اللطيف الى أن “مشكلة التسرب من التعليم تعتبر مسؤولية المؤسسات التعليمية والمحافظات ووزارات التخطيط والثقافة قبل البيت وقبل بيئة الطالب، إذ أنهم جميعا يشتركون في هذه المشكلة لعدم وجود خطة واضحة للتعليم ومستقبل للخريجين.”
ويقول (سنان الدليمي)، المتخصص الاجتماعي، إن “تسرب البنات في بعض البيئات يأتي بسبب الزواج المبكر، وهذا يعود لأسباب ثقافية أو للعوز الاجتماعي للأسر، وهناك أسباب أخرى للتسرب ترجع إلى الطفل ذاته لنفوره من التعليم بسبب الفقر، والذي يترتب عليه سوء التغذية، مع مناهج هزيلة ومعلمين في أغلب حالاتهم غير مؤهلين أو غير جادين، ما ينعكس على المناخ التعليمي.”
يضيف الدليمي، في حديثه “للشبكة”، أن “هناك أسباباً تزيد من ظاهرة التسرب المدرسي، ومنها فقدان الدور الحقيقي للاختصاصيين الاجتماعي والنفسي، والخلط بين دور كل منهما وعدم توافق نسبهما مع المعدل العالمي بالنسبة لعدد التلاميذ، وانتشار ظاهرة التنمر والعنف المدرسي، وكذلك التفكك الأسري، وغياب الظهير الاجتماعي للمؤسسات المعنية التي تحمي الأطفال في حالات التفكك الأسري.”
ويلفت الدليمي الى أن “ظاهرة التسرب من التعليم ينتج عنها العديد من المشكلات المجتمعية منها انتشار البطالة، حيث لن يتمكن المتسرب من الالتحاق بالعمل، فيصبح عضواً غير هادف وفاعل في المجتمع، وبالتالي يقع ضحية الفقر، حيث من الممكن أن تستقطبه التنظيمات الإرهابية وعصابات التهريب والمخدرات وغيرها، ما يزيد من معدل الجريمة.”
الأمية
ساهم العديد من المشاكل التي طرأت على الواقع التعليمي في العراق بتراجع ملحوظ في النمو المعرفي عند أبنائه، حيث أصبحت الأمية مسيطرة تماماً على شعب كان يعتبر من اوائل الشعوب التي ابتدعت الكتابة والقراءة، ومن هذه المشاكل التسرب من المدرسة والانقطاع عنها. ولأن لكل مشكلة أسبابها، كان لابد أن نبحث عن هذه المسببات التي يعاني منها ناشئة العراق لمعالجة هذه الظاهرة التي هدفها القضاء على مستقبل العراق وأبنائه، وبالتالي إرباك بنية المجتمع.
انتشارالمغريات
توضح لنا استاذة اللغة العربية (راوية محمد) بعض مسببات هذه الظاهرة فتقول: “إن بعض الطلاب تكون قراراتهم محدودة، فليس لديهم استعداد للتعلم، وليس لهم اهتمام بأنظمة المدرسة، حتى أن العديد منهم لديهم أعمال أخرى خارج المدرسة، والبعض الآخر يفضل اللعب على الدخول الى الصف الدراسي، وإن ظهور الإنترنت، وقاعات الألعاب الإلكترونية والمقاهي، هي أسباب أخرى للتسرب، فكثرة المغريات في عصرنا هذا جعلت الطالب دمية يتم التحكم بها من قبل ضعاف النفوس، فلا بد لنا من التصرف لحل هذه الأزمة المتكررة والخطيرة، كبث برامج التوعية، والعمل على تنبيه أولياء أمور الطلبة في هذا المجال، ووضع الخطط المناسبة من قبل إدارات المدارس، كجرد الطلاب بصورة مستمرة، وتحسين أداء المدرسين وإضافة الحوافز للطلبة من قبلهم، وإقامة ندوات ومسابقات لتشويق الطالب، ووضع قاعدة معلومات إحصائية عن نسب التسرب في كل سنة دراسية، وإضافة الخطط التشجيعية للطلاب المتسربين للعودة الى مدارسهم، ومتابعتهم بشكل دقيق من قبل الإدراة والمدرسين وأولياء امورهم، لأنهم أهم فئة في المجتمع، وجيل العراق ومستقبله، وضياعهم يعني ضياع مستقبل هذا البلد.”
المتسرب من المدرسة الابتدائية …السجن لولي أمره
عقوبات
(يعاقب بغرامة لا تزيد عن مئة دينار، ولا تقل عن دينار واحد، او بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن اسبوع واحد، او بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أياً من احكام هذا القانون).
هذا ما نص عليه قانون التعليم الإلزامي رقم ١١٨ لسنة ١٩٧٦
وهي المادة الأولى من قانون رقم ١٣.
اذ يلزم هذا القانون أن يتعلم الفرد العراقي تعليماً مجانياً وإلزامياً حتى عمر ١٥ سنة. أي أن التعليم الابتدائي واجب وملزم به الطفل والعائلة. وكذلك يعاقب القانون من يتخلف عن ذلك.
هذا القانون ساري المفعول حتى يومنا هذا، إلا أن السلطات التنفيذية غير قادرة على تطبيقه الآن، وتعاني المدارس الحكومية من تسرب طلبتها من المقاعد الدراسية في عمر مبكر غير مقدرين نتيجة ما سينالونه من تجاهل وتدنّ بسبب عدم قدرتهم على العطاء والتأقلم.
التسرب في ارتفاع
في بيان نشره الجهاز المركزي للإحصاء بتاريخ ٢٠ كانون الثاني ٢٠١٩ أوضح فيه من خلال جدول يبين داخله المعلومات بالأرقام، إذ تبين أن العام الدراسي ٢٠١٧ – ٢٠١٨ هو أكثر الأعوام تسرباً للطلبة من المرحلة الابتدائية. كما ذكر البيان حسب إحصائية أجراها على جميع المحافظات، عدا الكردية منها، أن اغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن ١٥ سنة قد تسربوا من المدارس الحكومية فقط ولم يتسرب الأطفال من المدارس الاهلية.
عدد الطلاب المقبولين للعام الدراسي ٢٠١٧-٢٠١٨ هو١١٧٧٣٤٣
عدد المتواجدين من الطلبة هو ٦١٩٧٨٧٦
اما عدد المتسربين فهو ١٣١٣٦٨ علماً أن نسبة الإناث شكلت ٤٧٪
بينما كان عددهن في العام الماضي ٢٠١٦-٢٠١٧ قد بلغ ١٢٦٦٩٤
محاولات
العميد خالد مدير الشرطة المجتمعية يقول: تحاول السلطات التنفيذية جاهدة تنفيذ القوانين التي شرعتها السلطات التشريعية ،إلا أننا حتى يومنا هذا لم نتلق بلاغاً من المدارس او الأهالي يبلغ بإجبار الوالد ابنه على ترك المدرسة، علماً بأننا نتلقى اتصالات تبلغنا بالعديد من الخروقات لكن ليس ببلاغ رسمي، إن الظرف الاقتصادي المتدهور وازدياد الهجرة وأعدادها وناسها جعلنا نغض البصر عن بعض التجاوزات، إلا أن الشرطة المجتمعية تعمل جاهدة لرفع الحيف عن كاهل المواطن العراقي.
سعد سلمان، شرطي مرور، يقول إن أعداد المتسولين والمشردين في تقاطع الطرقات تتزايد وتتضاعف وأغلبهم بلا أوراق، إذن فإن المتسربين غير المسجلين هم أعداد تذهل ما إن تسجل.
الست (نهلة قاسم)، معلمة في بغداد، تقول إن أغلب المتسربين من المدارس تجد ذويهم أنفسهم لا يقرأون او يكتبون، او لعوائل مفككة او مرحّلة.