الصخور المتحرِّكة في (كاليفورنيا).. ظاهرة طبيعية مدهشة

916
سريعة سليم حديد /

قد تتحرك الأنهار والبحار والأشجار بشكل طبيعي دون أن يترك هذا المشهد في نفسنا أي تساؤل مثير حول أسباب تلك الحركة، فالأمر يبدو طبيعياً جداً حسب معلوماتنا المعللة علمياً, ولكن أن تتحرَّك الحجارة من مكان إلى آخر من تلقاء نفسها دون تدخل الإنسان أو غيره وبشكل ملحوظ فهذا مثير للدهشة والعجب بلا شك!

أمر مذهل حقًّاً أن نشاهد صخوراً متحرِّكة في أميركا الشمالية (كاليفورنيا) في منطقة تسمَّى وادي الموت، ولهذه الظاهرة أسماء متعددة منها: الصخور المتحركة .. الصخور المنزلقة .. الحجارة الحية.. فالصخور تتحرك عبر تلك المنطقة من تلقاء ذاتها مخلِّفة مسارات محددة وبشكل جميل ومدهش، وبسبب قاع تلك الصخور الخشن، فإنها تترك خلفها خطوطاً أفقية عميقة لمسافة قد تصل إلى 260 متراً.

القاعدة الملساء

تترك الحجارة ذات القاعدة الخشنة مسارات مخططة مستقيمة, بينما ذات القاعدة الملساء فإنها تتحرَّك بشكل غير منتظم.

تختلف الطرقات التي ترسمها الصخور من حيث الاتجاه وطول المسار, فالصخور التي تكون بجانب بعضها البعض قد تسير معاً بشكل متواز لبعض الوقت، قبل أن يغير أحدها بشكل مفاجئ اتجاهه إلى اليسار أو اليمين، أو حتى العودة إلى الاتجاه الذي جاءت منه. قد يسير حجران بحجم واحد, ينتقلان بشكل موحد، قد يستمر أحدها قدما أو يتوقف في مساره.

والحجارة ذات أوزانٍ ثقيلة, وأحجام وأشكال مختلفة تتحرَّك دون أن يلمسها أحد. هذا ما دفع العلماءَ لمراقبة المنطقة بدقَّة, فتوصَّلوا إلى عدة احتمالاتٍ لهذه الظاهرة الغريبة.

لقد وضعَ العلماء (كاميراتٍ) ومحطات عالية الدقَّة في أماكن مختلفة لمراقبة الطقس والمنطقة ورصد هذه الظاهرة الغريبة. وتعددت التفسيرات لهذه الظاهرة المحيِّرة إلى درجة كبيرة, وتضاربت الآراء.. منها مثلاً: تتحرَّك تلك الصخور المغلَّفة بالثلوج ليلاً فتطفو فوق البحيرة الطينيَّة, وتبدأً بالذوبان والتكسُّر في النهار تحت درجة حرارة 50 درجة مئويَّة وتتجمَّد مرَّة أخرى في الليل البارد بدرجة صفر, ثم تتفتَّت مع مرور الرياح عليها بقوَّة ما يجعلها تسير تاركة خلفها خطوطاً واضحة تماماً فوق السطح الطيني الجاف.

هناك من يعلِّل السبب في وجود قوَّة مغناطيسيَّة تتأثَّر بها المنطقة بشكل كبير, وبعضهم يفسِّر الظاهرة على أنَّ الصخور مسحورة, وبالرغم من أن الأرض مستوية ونسبة الميلان قليلة جداً فإن الصخور تتحرَّك بشكل غريب, فأية قوَّة تدفعها إلى هذه الحركة الغريبة؟ حتى الآن لم يصل العلماء إلى نتيجة تذكر. وكل النتائج التي توصَّلوا إليها قابلة للجدل دون الوصول إلى نتيجة حتمية لحل ذلك اللغز الغريب.
وظلت القوة المحركة لهذه الصخور لغزاً يحير العلماء منذ أكثر من قرن. غير أن عالم الجيولوجيا بوكالة “ناسا”(رالف لورينز) يعتقد أنه توصل أخيراً إلى حل مقنع للأمر.

قاع البحيرة

يرى العالم البروفيسور (لورينزو) أن الصخور تتغلف بالثلج في فصل الشتاء. وعندما يذوب قاع البحيرة ويصبح طينيا فان الثلج يمكّن الصخور من أن تطفو على الطين ما يسهل على الرياح الصحراوية القوية أن تحركها من مكان لآخر. يتابع قائلاً: “تتكون طبقة سميكة من الثلج حول الصخرة وعندما يتغير مستوى السائل فإن الصخرة تطفو فوق الطين. ويكون الثلج الذي يغلف الجزء السفلي من الصخرة نتوءاً يحفر أثراً في الطين اللين.

لقد توصَّل البروفسور (لورينزو) إلى نظريته اعتماداً على تجربة غاية في البساطة نفَّذها في منزله, حيث قام بتجميد صخرة صغيرة في كمية معينة من الماء وترك جزءا ًصغيراً من الحجر يبرز من طبقة الثلج. ثم قام بقلب الحجر رأسا على عقب ووضعها في بركة صغيرة من الماء تحتوي على رمل في قاعها. وأتاح الثلج للصخرة أن تطفو ولكنها مع ذلك كان طرفها الناتئ يلامس الرمل. ووجد الدكتور (لورنزو) أنه كان باستطاعته تحريك الصخرة بكل بساطة من خلال النفخ عليها برفق.

وكان بعض العلماء قد نظّروا بأن كتلا هائلة من الجليد طوقت عدة صخور معا وحولتها إلى كتلة واحدة قبل أن تدفع بها عبر الصحراء. غير أن عمليات حسابية حديثة توصلت إلى أن قوة اندفاع الرياح ينبغي أن تكون بسرعة مئات الأميال في الساعة حتى تتمكن من دفع كتل الصخور بهذه الطريقة. وتشير نظرية (لورينزو) إلى أن مجرد نسمة من الهواء تكفي لتحريك الصخور في ظل ظروف مواتية، لأن الثلج يجعلها تطفو، الأمر الذي يقلل من حدة الاحتكاك كثيراً.
ما يدهش أكثر هو تصرف الناس حيال تلك الصخور, فقد قال حراس المنطقة: ما يزال الناس يعتقدون بأن الصخور مسحورة تتحرَّك بطريقة غير معقولة وهذا ما عجز العلم على تبريره, فلم يقتنع بعض الزوار بغير هذا أبداً, على الرغم من وجود تبريرات حول القوة المغناطيسية والكائنات الغريبة وحقول الطاقة الغامضة التي تعمل على تحريك الصخور.

خاصية الحركة

من اللافت أن بعض الزوار يعمدون إلى أخذ عدد من هذه الصخور إلى منازلهم يقيناً لديهم من أنها ما تزال تحمل تلك المعجزة في داخلها, وستبقى محافظة على خاصية الحركة عند انتقالها إلى أماكن أخرى. لكنهم لا يعلمون أن هذه الصخور تفقد خاصيتها فور خروجها من وادي الموت وذلك لتغير الظروف المناخية التي كانت فيها. وفي نهاية المطاف لا يسعنا إلا أن نقول: إن الظواهر المدهشة غير غريبة عن القارة الأميركية الشمالية تحديداً بما تحمل من براكين وتسونامي وزلازل وخاصة في هذه الفترة الزمنية الحرجة التي تمرُّ بها المنطقة. وختاماً نقول: إن لله في خلقه لشؤوناً.