المرضى يشتكون و”الصحة” تبحث عن حلول

1٬192

حسين محمد الفيحان /

هَمٌ يثقل كاهل المواطن العراقي، زاد على أحماله حملاً جديداً, وهي المبالغ الكبيرة التي يحسب حسابها المريض قبل مراجعته لأشخاص كانت مهنتهم تمثل الإنسانية المطلقة, غير انها في الوقت الحاضر اصبحت تجارة هدفها استحصال المال من المواطن المريض, بأية طريقة، حتى وان كانت على حساب انسانية الطبيب!
فالطب في البلاد اقترب في كونه تجارة مادية, ولم يعد خدمة انسانية وعلاجية, واغلب الأطباء اصبحوا تجاراً وسلعتهم المواطن المريض .
آلاف القصص تروى لك عند تجوالك بين عيادات الأطباء الذين يحرصون على وضع اعلاناتهم ولوحات تشير الى اسمائهم واختصاصاتهم في شارع (الكندي) بمنطقة الحارثية وغيرها من المجمعات الطبية. فوضى الواقع الصحي يرويها مراجعو تلك العيادات بمرارة وألم, متسائلين: الى اين يذهب المرضى اذا كان الكثير من الأطباء يُجبرونهم بسلوكهم المتعمد الى اللجوء لعياداتهم الخاصة والمستشفيات الاهلية التي يعملون فيها بعد الدوام وايام العطل, بسبب عدم اعارة اي اهتمام لهم في المستشفيات الحكومية اضافة الى عدم توفر الكثير من الأدوية.
المواطن (عبد الله حمد) يقول لمجلة “الشبكة”: ان مستوى تقديم الخدمات الصحية في البلاد وبسبب سياسات الكثير من الأطباء اللاإنسانية التي اتسعت وانتشرت في السنوات الاخيرة, اصبح منخفضاً جداً, حيث يحتاج المراجع للعيادات الخاصة كحد ادنى الى 100 الف دينار بين الكشفية والفحوصات وشراء الدواء, وهذا ما لا يقدر عليه الفقير (مثلي) , الذي يحصل يومياً على 10 الاف دينار! , ما يضطرني الى مراجعة (مضمد) لديه محل صحي في منطقتنا انا وافراد عائلتي, حيث يفحصنا ويكتب لنا الدواء!
شبكات تجارية
تُدار غالبية العيادات والصيدليات عبر شبكة من العلاقات المبطنة , فلكل طبيب معاملاته الخاصة مع صيدليات ومختبرات معينة والعكس صحيح ايضا والمشكلة الأهم التي يعانيها الفقراء واصحاب الدخل المحدود هي الارتفاع المستمر في اجور الفحوصات والادوية بشكل يبعث على القلق, بحيث اصبح الأطباء يتنافسون فيما بينهم في ارتفاع الأجور.
المريض (احمد جاسم) , التقيناه في احدى العيادات في شارع الكندي بعد انتهاء مراجعته لطبيب الباطنية (س) فتحدث لمجلة “الشبكة” : دفعت اجور الكشفية 25 الف دينار , ثم ارسلني الطبيب لإجراء فحوصات مختبرية من مختبر حدده لي بالاسم, كلفتني 30 ألف دينار, وبعدها كتب لي الدواء من الصيدلية عند بوابة العمارة (أكد لي عليها), وطلب مني الرجوع اليه بعد شراء الدواء , فاشتريته بـ 60 الف دينار من صاحب الصيدلية الذي يعرف عنه انه يدفع الايجارات الشهرية لعيادات بعض الأطباء في المجمع مقابل شراء مرضى أولئك الأطباء الدواء منه تحديدا. وهنا اناشد وزارة الصحة بإيجاد حل لهذه الاسعار التي تثقل كاهل البسطاء في مستواهم المعيشي.
وبحسب المواطن (هاشم محمد) لمجلة “الشبكة”: فإن الكثير من الأطباء يهمهم جمع المال والتنافس ماديا فيما بينهم , بارتفاع اجور الكشفيات , موهمين المرضى بأن الطبيب صاحب الكشفية الأغلى هو الأفضل, غير آبهين ومهتمين لمظهر عيادتهم الرثة والمتهالكة طالما ان اسماءهم باتت مشهورة ومعروفة.
جهات رقابية
هذا الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العراقي نتيجة جشع بعض الأطباء الذين اضحوا من اصحاب رؤوس الأموال والتجار بسبب غياب رقابة الدولة وعدم تشريع قوانين رادعة تنظم عمل عياداتهم وعلاقتهم مع المرضى وعملهم في المستشفيات.
مراقبون أكدوا أهمية دور الرقابة على عيادات الأطباء والصيدليات والتي تتباين اسعار الأدوية فيها بفروقات كبيرة بين مكان وآخر, رغم انها تبيع الدواء نفسه ومن نفس المنشأ. الحقوقي (علاء محمد البديري), طالب بأن يكون لنقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان دور في الرقابة بتحديد اجور كشفيات الأطباء واسعار الادوية في الصيدليات بما يتلاءم واسعارها الرسمية (العالمية والدولية) التي تتناسب والمستوى المعيشي لأغلب المواطنين وبالأخص محدودي الدخل , مبينا ان الاسعار اصبحت خيالية بشكل كبير جدا. مشيرا الى انه في السابق كان دور الطبيب انسانياً , اما اليوم فقد اصبح غير انساني وتجاري بحت لدى اغلب الاطباء, فأجور كشفيات بعض الأطباء تصل الى 100 دولار, اضافة الى انه حتى المؤسسات الصحية والطبية الحكومية اصبحت مراجعتها مادية, فعند ذهاب المريض للمستشفى, فما بين اجرة الباص والتحاليل والأشعة والسونار وغيرها، فإن ذلك يكلفه 30 ألف دينار في اقل الأحوال ما يضطره الى مراجعة الاطباء في عياداتهم الخاصة.
وحول الارتفاع الكبير في اجور الأطباء اتصلنا بالدكتور (صلاح الحداد) امين عام اتحاد اطباء العراق , فبين في حديثه لمجلة “الشبكة”: أن القطاع الطبي الخاص في العراق هو قطاع طفيلي على القطاع الطبي والصحي الحكومي, فهو غير ثابت الركائز والبنى التحتية ولا يحتوي على فكر مؤسسة صحية خاصة كما في دول الجوار والعالم التي فيها القطاع الطبي الخاص يحدد الادوار والاسعار بالاتفاق والتنسيق مع وزارة الصحة, وهذا في العراق اتاح للأطباء تحويل مهنة الطب من انسانية الى تجارية.
الجهات المسؤولة
المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور (سيف البدر) كشف لمجلة “الشبكة” : ان وزير الصحة الجديد الدكتور علاء العلوان يحمل مشروعاً, وهو من اوائل اهتماماته بإلغاء جميع التسعيرات المادية التي حددت في عهد الوزيرة السابقة , كنتيجة للأزمة المالية واتباع سياسة التقشف والمعمول بها حتى الان لدى مراجعة المواطنين للمستشفيات والمؤسسات الصحية والطبية الحكومية واعادتها رمزية كما كانت سابقا, مع وضع خطة لتوفير كافة الادوية اللازمة الضرورية, لإيمانه بأن الخدمات الصحية والعلاجية حق من حقوق المواطن العراقي.
_ كما ذهبنا الى نقابة اطباء العراق المركز العام والتقينا نقيبها الدكتور (عبد الامير محسن) حول ذات الموضوع , فأوضح لنا: ان نقابة الاطباء ألزمت جميع الأطباء وبدءاً من العام الجاري 2019 , باستخدام برنامج الكتروني خاص في التعامل مع جميع المرضى, والذي يعتمد فيه اسلوب كتابة الكشفيات والارسالات الطبية الكترونيا , ليتمكن المواطن (المراجع ) من شراء الدواء واجراء الفحوصات من اية صيدلية او مختبر او عيادة سونار بالسعر الذي يتناسب معه, وهذا يمنع الاتفاقات بين الاطباء واصحاب الصيدليات و المختبرات. كما انها اصدرت في العام الفائت تسعيرات خاصة حددت بها كشفية الطبيب الممارس بـ 15 الف دينار , والاختصاص بـ 25 الف دينار, والاستشاري بـ 40 الف دينار, مبينا ان لجنة الانضباط في النقابة تزاول عملها بشكل مستمر في المركز العام والفروع في المحافظات بكشف الاطباء اصحاب الاتفاقات والعلاقات السرية مع الصيدليات , و المخالفين لتسعير الكشفيات، وقد تم ضبط العشرات واتخاذ الاجراءات الانضباطية بحقهم بإغلاق عياداتهم وفق قانون النقابة.
حالات انسانية
وسط عتمة المشهد , ما تزال اجور كشفية الطبيب (عدنان هاشم) اختصاصي (الأنف والاذن و الحنجرة ), 4 آلاف دينار فقط , مع تخصيص يوم (مجاناً) للفقراء والذين لا يقدرون على دفع اجور الكشفية.