“الشبكة”تزور الحضرةَ القادريـةَ وتغـــــــــــــــــــــــــــور في أسـرارها..
عامر جليل ابراهيم /
في قلب العاصمة بغداد وعلى أطراف رصافتها، بنيت في محلة “باب الأزج” مدرسة صغيرة حيث قام الشيخ أبو سعيد المخرمي بتدريس وتربية تلاميذه فيها فكانت من اوائل المدارس الدينية في عاصمة الخلافة العباسية.
بعد وفاة الشيخ ابو سعيد جلس الشيخ عبد القادر الكيلاني مكانه للتدريس، وبعد وفاة الشيخ الكيلاني دفن فيها لتتحول الى حضرة سميت بالحضرة القادرية وتضم اضافة الى المرقد مدرسة ومكتبة على مساحة تقدر بـ(40.000) متر مربع. ولأهمية السياحة الدينية في العراق، تفتح “مجلة الشبكة العراقية” ملف الأضرحة والمراقد الدينية للتعريف بها. ومن أهم هذه المواقع هو ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني حيث التقينا الشيخ (يلمز يوسف صالح) وكيل إمام الحضرة القادرية فكان هذا الحديث معه:
تاريخ
يقول الشيخ يلمز: الحضرة القادرية بدأت مع بدايات عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وهذا المكان كان يسمى (باب الأزج) حتى بنى الشيخ ابو سعيد المخرمي في العام 541هـ مدرسة صغيرة قام على إنشائها وتربية مريديها التربية العلمية والروحية، وبعد وفاة الشيخ المخرمي انتقلت زعامة هذه المدرسة الى الشيخ عبد القادر الكيلاني. وبعد سنوات طوال من الدراسة والتعليم والزهد والعفاف وفي العام 561هـ توفي الشيخ عبد القادر الكيلاني تاركاً ارثاً إسلامياً ثرّاً، ليدفن في حجرته التي كان يسكنها وفيها الآن ضريحه الشريف. شهد الضريح الشريف ظروفاً صعبة ابتداءً من الغزو المغولى والاحتلال الانكليزي وتعرضه الى عدة انتهاكات. وبعد تشكيل الوزارة النقيبية الأولى في بدايات العصر الملكي قام السيد عبد الرحمن النقيب بإعادة إعمار الحضرة القادرية ومكتبتها، وبعد سنة 2003م تعرضت الحضرة القادرية الى هجمات كثيرة قمنا على إثرها بإغلاق المكتبة القادرية والعتبة، وبعد استقرار الوضع قمنا بإعادة هيكلية البناء والترميم ونحن الآن نقوم بترميم الساحة الخاصة بالحضرة الشريفة.
نسب الشيخ الكيلاني
عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني ولد في العام470 هو شيخ الإسلام أبو محمد محيي الدين السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني (قدس).. هو الإمام السيد أبو صالح موسى ابن الإمام السيد عبد الله الجيلي ابن الإمام السيد يحيى الزاهد ابن الإمام السيد محمد ابن الإمام السيد داود ابن الإمام السيد موسى ابن الإمام السيد عبد الله ابن الإمام السيد موسى الجون ابن الإمام السيد عبدالله المحض ابن الإمام السيد الحسن المثنى ابن الإمام سيد شباب أهل الجنة السيد الحسن السبط(ع).
ومن جهة الأم هو حسيني من أولاد الإمام أمير المؤمنين وإمام الواصلين سيدنا ومولانا علي بن ابي طالب (ع)، يعرف ويلقب في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني، وبالمشرق عبد القادر الجيلاني، ويعرف أيضا بـ “سلطان الأولياء”، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي، لقبه أتباعه بـ “باز الله الأشهب” و”تاج العارفين” و”محيي الدين” و”قطب بغداد”، وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية. اختلف المؤرخون في تسمية كيلان فمنهم من قال هي كيلان العراق التي تقع في محافظة ديالى وهو القول الأشهر، ومنهم من قال هي كيلان غرب في إيران، لكن اكثر المؤرخين ذكروا بأن كيلان هي المراد بها كيلان العراق.
الكيلاني في بغداد
دخل الشيخ عبد القادر الكيلاني بغداد وهو في السادسة عشرة من عمره حافظاً لكتاب الله في صباه، تلقى العلم على يد كبار علماء بغداد آنذاك وأخذ العلوم العقلية من شيوخها ومحدثيها ومنهم أبو حامد الغزالي وتلقى التعاليم الروحية من بدايات سيرته من الشيخ أبي سعيد المخرومي وكان أستاذه الروحي وعاش فترة أربعين عاماً في بغداد.
بعد وفاة أستاذه ومعلمه الشيخ ابو سعيد جلس الشيخ عبد القادر مكانه فازدهرت المدرسة وكثر طلابها وغصّت بهم فتبرع للمدرسة الأثرياء والمحسنون وقاموا بتوسعتها وشراء ما جاورها من المنازل حتى صارت على ما عليه الآن.
الحضرة القادرية
تقع الحضرة القادرية في محلة باب الشيخ بجانب الرصافة من بغداد ومساحتها تقارب الـ(40000) متر مربع، وهي مبنية بالطابوق ومغلفة بالحجر، وتحتوي على ضريح الشيخ عبد القادر ومدرسة ومكتبة وفيها ساعة اصبحت علامة فارقة في بغداد.
احتضنت الحضرة عدة مقابر، كما يقول الشيخ، وهي على ثلاث فئات: الفئة الأولى هم من العائلة الكيلانية، والفئة الثانية من أشراف بغداد آنذاك والذين دفنوا في هذا المكان، والثالثة هم من العلماء القائمين على الإدارة الدينية لهذا المكان. ومن أشهر المدفونين فيها رشيد عالي الكيلاني والسيد يوسف المتولي والسيد عبد الرحمن النقيب. ويضيف الشيخ: توجد في الحضرة القادرية أربعة إحرامات وكل حرم ينسب الى مذهب وكل محراب له إمام خاص يدرّس فيه المذاهب وهناك الحرم الحنفي وهو الرئيسي الذي يحمل القبّة المعلقة والحرم الشافعي والحرم الحنفي والحرم المالكي.
قبة الحضرة
يتابع الشيخ يلمز: يعود تاريخ القبّة الى عهد السلطان سليمان القانوني الذي كلف المهندس سنان معمار ببناء القبة، وهي اوسع قبة في العالم. وبعد مرور السنين تأثرت جدران المسجد وهيكليتها وبدأت تضعف فساهمت شركة تركية بصيانة وبناء القبة بدون ركائز وهي هندسة معمارية خاصة في ذلك الوقت وهي واحدة من أعظم القباب المشيدة قديماً وحديثاً، وهي قبة فخمة متينة وقوية، مفلطحة، واسعة، بدون رقبة تحملها أو أعمدة داخلية تسندها، ولا توجد في العراق قبة تضاهيها أو تماثلها، فهي تشبه بذلك قباب المساجد والجوامع التركية.
المكتبة القادرية
اما بخصوص المكتبة فيقول الشيخ يلمز إن الكتب الموجودة في المكتبة القادرية هي أكثر من عشرة آلاف مخطوطة تعود الى العصر العباسي ومنها ما يعود الى العهد العثماني ومنها ما يعود الى بدايات الملكية، منها النادر وفيها الأكثر ندرة ومن ضمنها كتاب انتشل من نهر دجلة في فترة إغراق الكتب أيام المغول، وبعد إعمار المكتبة القادرية من جديد أحضرت لها خزانات خاصة للمخطوطات الموجودة في المكتبة القادرية من ألمانيا.
ساعة الحضرة
اما عن الساعة فيقول الشيخ: أهديت من المسلمين في الهند ساعة كبيرة ذات وجهين، تدق الساعات وأنصاف الساعات فقط إلى الحضرة الكيلانية في بغداد، وفعلاً تم نصبها في الحضرة، وكانت تعمل بانتظام حتى حلت محلها ساعة ضخمة ذات أربعة أوجه كبيرة، وهي الساعة القائمة اليوم في صحن الحضرة الكيلانية، ورفعت الساعة القديمة من محلها. الساعة الجديدة ذات أربعة أوجه مدورة كبيرة وتحتوي على ثلاثة أجراس أحدها للساعات والآخر لنصف الساعات والثالث للأرباع. تم صنع هذه الساعة الفخمة في معامل (بونة) الشهيرة في مدينة بومبي بالهند، وقد شيد لها المرحوم السيد عبد الرحمن النقيب برجاً عالياً يبلغ ارتفاعه 30 متراً، وكان الانتهاء من تشييده في سنة 1317هـ/ 1899م كما هو مدون على واجهة البرج الشمالية بالكاشاني الأزرق البديع، ونقشت طغراء السلطان عبد الحميد خان بالكاشاني الأزرق أيضاً وتحتها سنة 1317هـ على واجهته الغربية، وثبت لوح من المرمر كتب عليه إطراء وثناء ودعاء للسلطان عبد الحميد الثاني على واجهته القبلية، وكانت هذه الكتابات بخط السيد عبد الجبار آل خان زادة رئيس كتّاب مديرية أوقاف بغداد سابقاً والمتوفى سنة 1334هـ/ 1915م، والبرج من صنع المعمار البغدادي الحاج اسطة درفي الذي حاكى في بنائه برج ساعة القشلة، وكان لا يخلو من بعض الإضافات منها المحجران السفلي والعلوي فوق حجرة الساعة واللذان يحيطان بالبرج من جهاته الأربع، ويرتقى إلى الساعة من داخل البرج بسلالم خشبية.
وقد قام هذا البرج على قاعدة أرضية طول ضلعها ثلاثة أمتار ونصف المتر ثم أحيطت هذه القاعدة بالمرمر الإيطالي فأصبح طول ضلعها 5.35م. يرتفع البرج هرمياً حتى يصل عرض ضلعه فوق قاعدة المرمر 4.40م إلى أن يصل إلى الحوض الأول للبرج فيصبح طول الضلع 3 أمتار، وهي شبيهة بساعة القشلة في وجوه كثيرة.
مطبخ الخيرات
وهو من اقدم المطابخ الخيرية في العالم كما يقول الشيخ يلمز، فقد انشئ قبل 900 عام وهو مستمر لحد الآن ولم يتوقف رغم جميع الظروف الصعبة، والمطعم يقدم الطعام للفقراء والمتعففين ولكل جائع او بحاجة للطعام وهو يفتح بعد صلاة الفجر لإعداد وجبتين من الطعام للفقراء، الأولى تمن ومرق على الدجاج توزع بعد الساعة العاشرة والثانية شوربة تمن على لحم غنم وبمقدار لايقل عن خمسة خراف يومياً. والشيخ عبد القادر الكيلاني صاحب اقصر خطبة في التاريخ وقال فيها (إطعام جائع خير من بناء ألف جامع).
السياحة
يضيف الشيخ يلمز: تعتبر الحضرة القادرية وجهة سياحية مهمة في العراق فهي تستقبل الزوار من جميع دول العالم ومن جميع الطوائف لما فيها من آثار اسلامية قيّمة.