سهى مولود.. الكتابة علاجاً للسرطان
أية منصور /
مثل فراشة بين الزهور تصنع من رحيق كلماتها أجنحة تحلّق بها في سماء مدينتها الساحرة سرّ من رأى، تلك المدينة العجيبة، التي تمدّها بالحكايات وتزرع في روحها ضحكة وأملاً يضيئان طريقها من عتمة أوشكت أن تحيط بها، لكنها أبت إلا أن تنير دربها بشعاع حروفها.
كاتبة بالوراثة
سهى مولود، التي ولدت موهوبة بالوراثة، حملت جينات أمها، وكبرت في عائلة شغوفة بصناعة الحرف وتصديره الى الحياة، وحين أحبت الكتابة وأصبحت مبتغاها، سارت لأجلها في درب الكلمة، فهو الدرب الوحيد الذي يمكن لها أن تسلكه وتعبّر به عما يجول في خاطرها.
تقول سهى إنها تعيش في مدينة مغلقة ذات طابع عشائري، لهذا لم يتقبلها محيطها، الذي اعتاد أن يرى الفتاة في حقل الزراعة، لا في حقل الأدب والمعرفة، فكان أن واجهت النقد والتهميش من المقربين، لكن هذا المجتمع هو الذي ألهمها كتابة أول مسرحية أدبية، أخرجتها وعرضتها في مدينتها.. مسرحية كانت تتحدث عن زواج القاصرات، ومنها بدأت انطلاقتها دون توقف.
ثلاثة كتب، ثلاث حيوات
لكل إصدار، في قلب سهى، لون وقصة مختلفة، صارت لديها ثلاثة مؤلفات روائية هي: “ما تبقّى من ذاتي” و “كانت أمسية” و “مازلت أذكر” إذ تسترجع الحب والحياة والمرض والحروب بين سطور روايتها.
في روايتها الأولى كتبت قصتها مع سرطان الثدي، الذي يعد مرضاً وراثياً عانت منه نسوة العائلة، وأمها إحداهن. في روايتها الثانية، تخبرنا سهى أن قدميها حملتاها نحو بيروت.. تلك المدينة الساحرة. أما كتابها الثالث، فلم تستطع فيه منع نفسها من التنقيب في قلب سيدة موصلية كبيرة، تجبرها الحرب على ترك مدينتها لتبقى تعيش على ذكرياتها فقط.
سافرت رواياتها الى مدن كثيرة وشغلت مكاناً يليق بها في أهم معارض الكتب العربية: الرباط وبيروت والقاهرة والشارقة وبغداد.
الكتاب الذي أنقذها من السرطان
لم تتمكن سهى مولود من إصدار كتابها الأول، أمام رفض زوجها الذي كان يعارض بقوة أن تنخرط زوجته في ميدان الكتابة، لكن يأس الأطباء وتدهور حالتها الصحية وهي تصارع السرطان جعل زوجها يرضخ ليحقق لزوجته أمنيتها، لكنه لم يكن يتوقع أن كتابها الأول سيعيد إليها الحياة، والمفاجأة كانت أن صحة سهى بدأت بالتحسن تدريجياً بعد إصدار الرواية ثم الشفاء تماماً.
رغم تعاطيها جرعات الكيماوي، إلا أن الكتابة كانت دواءً أكثر نجاعةً وأشد تأثيراً، فقد كانت صحتها تستجيب لمفعول الكتابة بشكل ملحوظ.
حرفٌ، فكلمة.. فكتاب
بدأت سهى، من خلال الكتابة، بحقن الآخرين بجرعات الحب الذي تكتنزه وتعبّر عنه حتى تحول الى مشروع “حرف فكلمة فكتاب” للكتابة الواعدة، إذ شرعت في تقديم المحاضرات الخاصة بالكتابة لمجموعة من الفتيات بلغ عددهن حتى اليوم أكثر من 900 فتاة.
-الصدفة وحدها لعبت دوراً في هذا المشروع، بعض الفتيات كن يراسلنني عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل معرفة بعض آليات الكتابة فأجيبهن، ثم جمعت الفتيات في مجموعة إلكترونية واحدة وكان عددهن لا يتجاوز الخمس فتيات، وبدأ المشروع يكبر ليصل في غضون 6 أشهر الى أكثر من 900 فتاة.
أنامل متوردة
قررت سهى تحقيق أحلام الفتيات، بنشر قصصهن في إصدارات متعددة، وعلى نفقتها الخاصة، وذلك لأن دخلهن المادي لا يكفي، وحلمهن لا يسع الأرض. بعد ثمانية أشهر نشرن المجموعة الأولى: (أنامل متوردة).
بدأت بجمع القصص منهن، وإصدارها في مجموعات قصصية، كل مجموعة تشتمل على قصص لأربعين كاتبة، وتوزع النسخ بين الكاتبات، أما النسخ الأخرى، فيتم دفع ريعها لمرضى السرطان.
لم تواجه سهى أية مشكلة في مشروعها، البنات الشغوفات بالأدب مستمرات بإكمال حلمهن في الكتابة، بعضهن بدأن الكتابة باسم وهمي وأسماء حركية في سبيل قراءة الآخرين لحروفهن، كما أن آراء القراء كانت إيجابية ورائعة، ساهمت بإشعال حماس الكاتبات وحثهن على الاستمرار دائماً، ما دفعهنّ الى نشر المجموعة القصصية الثانية “أنا أكتب” لمجموعة جديدة من الفتيات الواعدات.
أصبحت سهى بمثابة أم لهن، فهي تعدّهن بناتها، تقول :”تطورت علاقاتنا ببعضنا لتصبح أسرية، فأنا أتواصل مع أهاليهن وأحثهم على تشجيع بناتهن.”
تؤكد مولود والابتسامة لا تفارق شفتيها أن الكتابة هي التي جعلتها قادرة على محاربة الضغوط والصعوبات وكل شيء حولها:
“أحب كوني ابنة مدينة سامراء وأحب سرّها العجيب، الذي تمنحه لكل من يحب الحياة ويقاتل من أجلها.”