من قادها إلى هذا المصير؟

1٬139

رجاء خضير /

تعالَ نفترشُ أرضاً لم يسكنها قبلنا بشر، هناك سأقول ما أخفيته سنواتٍ طوالاً وأبوح بحبّ لم تشهدهُ البشرية، فأنا وأمّنا حواء نتقاسمهُ…هي وأبونا آدم، وأنا وأنت!!
كل ما أقوله هراءٌ لا ينفع، فقد اخترتَ حبّك أنت، والتي أحببتها هي أقربُ الناس… فابقَ على صمتك أيها القلب ولا تعذِّب منْ تحب، فالعذاب لك أنت وحدك…أتعرف لماذا؟ لأننا لا نجد أرضاً لم يسكنها بشر غيرنا.. وهكذا أنا وأنت أيها القلب المسكين سنعيش ما بقي من سنواتنا!

حدثت هذه القصة في كرخ بغداد منذ مدة وجيزة، وحينما قابلت صاحبة القضية قالت بلا تردد:
لم يكن حظي من الجمال وافراً، بينما أخواتي الباقيات يتمتعن به كثيراً، ولكني تميزتُ عليهن بتفوقي في الدراسة. نجاحي هذا جعل والدي يقربني منه جداً، وقد تعلقت بدراستي لأعوّض ما افتقدتهُ من إعجاب الآخرين بشقيقاتي. وفعلاً استطعت كسب حب أهلي والأقارب وإعجابهم. في الإعدادية حصلتُ على معدل أهّلني لدخول كلية الطب، وبهذا حققتُ حلم والدي، بينما شقيقاتي تعثرن في دراستهن، ما اضطر والدي إلى تزويج اثنتين منهن، أما الصغرى فكانت تتبع أسلوب الإقناع مع والديّ كي تبقى في المدرسة. لاحظتُ بمرور الأيام أنها لا تهتم بدراستها لتحُقق النجاح بل بأمورٍ أخرى، نصحتها أن تفي بوعدها لوالدي وأن تثابر وتهتم أكثر ولكنها كانت تضحك وتقول “أختي أنا خلقتُ لأحب وأعيش حياتي.” ومنها بدأتُ أراقب سلوكها في البيت وخارجه، فعرفت أن صديقاتها قد اتخذن الذهاب الى المدرسة نُزهة وترفيهاً عن النفس، وقد تمكنت بمساعدة شقيق صديقتي أن أجمع معلومات عنهن، وهي معلومات خطيرة قد تتسبب بمستقبل مظلم لأختي، فواجهتها بما عرفته من حقائق مؤلمة، ونصحتها بأن تتركهن وتنتقل الى مدرسة أخرى، صرخت بوجهي وطلبت مني ألّا أتدخل في خصوصياتها، واشتد الخلاف بيننا وهممت بضربها، إلا أن أمي فتحت الباب علينا لتتبيّن ما الأمر، خشيت عليها من الصدمة لو قلت لها حقيقة ما عرفت عن أختي هذه!!
وبدلاً من ذلك تذرّعتُ لوالدتي بأنها لا تدرس جيداً، والامتحانات قريبة. أنهيتُ الموضوع وخرجت من غرفتها وبقيت أمي معها، ثمّ خرجت غاضبة عليّ واتهمتني بالغيرة منها،
ضحكت.. أهذا ما فهمتِهِ يا أمي!!
وبقيتُ أتابع الموضوع مع شقيق صديقتي بشأن أختي، وبمرور الأيام اشتعلت جذوة الحب بقلبي نحوه، كنت أتعلل بأسباب عدة لأراهُ واستمتع بالجلوس معهُ، وكانت هذه المقابلات تجري في الكلية عندما يأتي لزيارة أخته التي لاحظت اهتمامي وتعلقي به، وصارحتها بما أحسهُ وطلبتُ منها ألّا تبوح له بشيء، وعجبت من ذلك وسألتني لماذا؟!
أجبتها: نحن على أبواب التخرج، لننتظر..
في الآونة الأخيرة لاحظتُ أن شقيقتي تتغيب كثيراً عن البيت وكلما سأل عنها والدي تجد أمي لها الأسباب، وأسكت أنا على مضضٍ.
وتحدثت مع أمي على انفراد، وأفهمتها أن أختي تسيرُ في طريق خاطئ: يا أمي إنها تتشجع بكِ، صُدمتُ برد أمي: إنكِ تحقدين عليها لأن منْ تحبينهُ يحبها هي، وهو منْ قال لها ذلك! صرختُ: أمي ماذا تقولين؟! لكنها خرجتْ من البيت وتركتني.
إذاً هو من أحبتهُ، وربما لهذا السبب كان سعيداً حينما كلفتهُ بمراقبتها وجمع معلومات عن صديقاتها…
هل يستغلها بعد أن عرف عنها ماعرف! هل يحبها حقاً؟
وأنا كيف سيكون موقفي من كل هذا؟
لجأت الى شقيقته (صديقتي) وشرحتُ لها كل ما عرفته من أمي بشأن شقيقها وأختي من علاقة، والتمستها أن تعرف الحقيقة منه مباشرة، فوعدتني خيراً!!
تقربتُ من أختي لأعرف منها حقيقة الأمر، ولكنها كانت تبتعدُ عني، وعندها واجهتها بما عرفت لم تنكر، بل قالت: “هو يحبني..ماذا أفعل له، هو كالآخرين”، عندها ضربتها بقوة لتفيق من طيشها وهددتها بفضحها أمام والدي! ضحكت وقالت: “أنتِ الخاسرة لأن أمي ستقف معي ضدك!!”
في أحد الأيام وكان والدي مسافراً، سألتُ أمي عنها ولماذا تتأخر كل هذا الوقت، أجابتني بأنها تعرف إلى أين ذهبت وستتأخر! اتصلتُ بصديقتي وسألتها عن شقيقها، فأكدت لي أنه في البيت يغط في نوم عميق!! أغلقتُ الهاتف وزادتْ حيرتي وقلقي عليها، ورجوتُ أمي أن تخبرني إلى أين ذهبت، قد تكون في خطر يا أمي! صمتت ولم تقل لي شيئاً.
مضت الساعات الأولى من الليل وأنا أراقب الطريق عبر النافذة، فوجئت بأمي تفتح باب غرفتي والدموع في عينيها لتقول لي: لم تقل أنها ستتأخر هكذا، أخبرتني أنها ذاهبة لمقابلة حبيبها الذي سيبلغها عن زيارة أهله لنا لخطبتها!
صرختُ حينها: إنها تكذب، لأن حبيبها في البيت ينام في غرفته، هذا ما عرفته من أختهُ وتعرفين أن أخته لا تكذب… وهنا اتصلتُ بها ثانية ورجوتها أن توقظه ليتحدث مع أمي… وفعلاً حدّثها وسألها عن الأمر، فأجهشتْ بالبكاء وأعطتني الهاتف، اعتذرتُ منه وأخبرتهُ بالأمر لعلّه يساعدنا ونجدها! ارتبك صوتهُ وقال: هي لم تخبرني بأنها ستخرج، إننا متفاهمان على كل شيء، لكن لماذا أخفت عني خروجها هذا، وكيف تخرج ليلاً!!
كانت صدمتي بكلامه هذا قوية، فقد صرّح بتعلقه بأختي متجاهلاً حبّي إياه!
وصدمتي الأخرى هي أين أختي وماذا تفعل في هذا الوقت!!
أشرقت شمس الصباح، ولكنها لم تأتِ، وأمي لا تكف عن البكاء واعترفت لي بأنها أخطأت عندما صدّقتها ولم تسمعني أنا!!
حضرت شقيقتاي وزوجاهما وبدأوا يسألوننا أسئلة كثيرة عن عناوين صديقاتها و..و…و تجندّ الجميع للبحث عنها دون جدوى، فهي لم تذهب الى الصديقات اللواتي نعرفهن…
اقترح زوج شقيقتي الكبرى أن نبحث عنها في المستشفيات ومراكز الشرطة، وبعد ساعات أليمة من العذاب والانتظار المرّ.. اتصل بنا زوج أختي ليقول إنهم وجدوها في مركز الشرطة مع شلّة من الشابات والشباب في حالة يرثى لها من السكر والانحلال، وأثناء التحقيق عرفوا أن بعضهم يعملون مع عصابات متفرقة، وتجري أعمالهم في العادة ليلاً!!
انهارت أمي عند سماعها هذه الأخبار، بل الأقسى من هذا أن زوج أختي الكبرى أبلغها أن تبقى عندنا ريثما تهدأ الأوضاع، وعرفنا أنه لا يريدها لِما سمعه عن أختها، ولكن ما ذنبها هي!!
بقيت أختي في السجن الى حين عودة والدي الذي لم يصدق ما سمعهُ، وفكر أن يشرع في الإجراءات القانونية لإنقاذها، ولكنه تعرض لنوبة قلبية أوقفت كل الجهود!
وبقينا أنا وأمي نجاهد من أجل صحة والدي ومن أجل أختي التي أصبح لها ملف مع العصابات المسجلة، وقد تخلى عنا من نعرفهم جميعاً، تخلوا عنا بسبب طيشها، ولأنها وظفت جمالها في أمور ملتوية وخاطئة… ومصيرها هو هذا العقاب المحتوم.