إهمال عرض المنتج العراقي سبب في سطوة المستورد
آية منصور /
كتبنا مراراً، بانحياز الى الفلاح، عن سطوة المنتجات المستوردة، الزراعية خاصة، على المنتجات العراقية وانتقدنا السلطات المختصة. ومع صدور قرار بمنع استيراد الكثير من المنتجات الزراعية، ما يزال المستهلك يبحث عن المستوردة رغم عدم جودتها أحياناً، والسبب؟
هذه المرة، سننحاز أيضاً الى المنتج العراقي، لكننا سننتقد الفلاح الذي لا يهتم بجمالية منتجه، متناسياً أن العين تأكل قبل الفم..! في أحد الأسواق، جذب انتباهي شخص كان يقلِّب بحزن واضح المنتج العراقي الذي يفتقر لأبسط مقومات العناية او الاهتمام الخارجي، منتجات مغبرّة ومتربة وكأنها قادمة من الحقل مباشرة باتجاه الأسواق. قال سرمد عبد الحي إنه يأتي الى العلوة او الأسواق مصرّاً على شراء المنتجات العراقية، وفي كل مرة يصدمه منظر المنتج. وأشار الى الفرق في العرض بين الطماطم التركية المستوردة ومثيلتها العراقية، فالأولى نظيفة وليست متكومة في صندوق لا يسعها وبينها أغصان تحمل ثماراً عدة وكأنها قطعة ديكور، بينما الثانية يغطيها التراب ومتكومة في صندوق صغير، وحين يختار الزبون الثمرة الجيدة عن غيرها، تغطي الأتربة يديه، رغم أن المنتجات العراقية غير معدلة وراثياً بل مستنبتة عضوياً او بسماد كيمياوي وليس بالهورمونات.
الإهمال الواضح
-لطالما كانت المنتجات الزراعية العراقية هي الأطعم والألذ وما زالت، لكنها أصبحت مهملة كثيراً، فما السبب؟ إن ما يواجهه المحصول العراقي اليوم من إهمال سببه الفلاح والجهات المختصة في الوقت نفسه. يرى المواطن أحمد المالك أن لا حجة للفلاح الذي كان يشعر بالأسى وهو يرى سطوة المنتجات المستوردة، فقد صدر قرار المنع وعادت عجلة المنتجات الوطنية الزراعية للعمل، ويقول:
-غالباً ما تكون المنتجات المستوردة أكثر نظافة ولمعاناً وهذا يعود لاهتمام الحكومات وتخصيصها الأموال لمساعدة الفلاح على إظهار محاصيله الزراعية بأحسن صورة إذ توضع في سلال او صناديق خاصة ونظيفة وتقوم هذه الحكومات أيضاً بتوعية الفلاح بأهمية صورة المحصول المعد للتصدير.
اهتمام
في الأسواق أيضاً، نجد منتجات عراقية تظهر اهتمام المصنِّعين او المنتجين، مثلاً، سنجد عناية ملحوظة ودقيقة للغاية بالمنتجات والعصائر وتعبئة المكسرات، من حيث جودة الأغلفة والتصاميم الخارجية، مروراً بالطعم والكمية، وحتى الأسعار الرخيصة للغاية، فقد تساءلت مع نفسي عن ربح معمل ألبان محلي يعرض اللبن في (طنجرة) فخارية أنيقة وبوزن كيلو غرام واحد بسعر لا يتعدى الألف و خمسمئة دينار! يقول المستهلك سليم عزيز:
-أنا وأولادي نحب منتجات بعض معامل الألبان العراقية ونبحث عن المشروبات الغازية العراقية التي تهتم بالنظافة والشكل الأنيق والسعر الرخيص، وأنا على ثقة بأن هذه المنتجات ستجد أسواقاً خارجية.
أرقام
ويذكر أن نحو أربعة مليارات دولار سنوياً تخرج من العراق نحو دول الجوار من أجل استيراد المنتجات الزراعية المتنوعة، التي تصل إلى 35 منتجاً أغلبها كانت تزرع في العراق، بينما بالإمكان أن يبقى هذا المبلغ في البلد، ويذهب للفلاح ويعزز إنتاج الزراعة العراقية.
ما ذنب الفلاح الفقير؟
ولأن المشاكل التي يتعرض لها الفلاح العراقي ليست بالقليلة، ويلخصها المزارع عبد الرحمن خليفة لنا، مؤكداً أن إحدى أكبر المشاكل التي تواجه الفلاح هي الاستيراد المكثف من الدول المجاورة، ما يصيبه بالإحباط ويضطره الى ترك مهنته والإهمال الكبير للمنتج الزراعي وجعل العراق مستهلكاً برغم توفر جميع المقومات لأن يصبح منتجاً، إضافة الى عدم الاهتمام برعاية المنتجات المحلية لمنافسة المستورد، ما جعل معظم الفلاحين يتركون مهنة الزراعة بسبب هذا السباق الذي لايستطيعون مجاراته. ويرى أن عدم توفر المكائن الزراعية الحديثة والاعتماد على الوسائل البدائية أثرا على حجم المردود الانتاجي للأرض ونوعيته، إضافة الى عدم توفير الأسمدة الكيماوية الحديثة، او حتى البذور الجيدة للفلاح والتي تساعد في رفع انتاجية المحاصيل الزراعية كمّاً ونوعاً. -علينا أن لا ننسى، أيضاً، مسألة تحويل أكثر الأراضي الزراعية إلى سكنية ما تسبب في قلة المساحات الصالحة للزراعة، واضطرار الفلاحين للزراعة في أراض لا تساعد على توفير محاصيل منافسة للمستوردة.
المواطن يبحث عن الشكل الجميل
فيما يرى الاكاديمي د. محمد بلاسم، الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة واختصاصه التصميم، والذي يأخذ التمور مثالاً، أن العراق يعد الأسوأ في تعليب التمور في العالم، كما أن هناك بلداناً ليس لديها إلا انتاج بسيط لكن طرق العرض والتعليب هي من تسوق السلعة اليوم، ويضيف: المحاصيل الزراعية القادمة من الخارج تأتي بطريقة تعليب حديثة ونحن لانزال نقدمها بطرق بدائية تصل للسوق بشكل مؤسف. كما يؤكد محمد حاجتنا الى بحوث عديدة في الحقل الزراعي وليس البقاء على الفطرة، وحسب قوله يرى أن منتجاتنا الزراعية والتي تكون غالباً ومن حيث النوع متقدمه ومطلوبة لكن البلد لم يتمكن حتى الآن أن يعمل على تطوير شكل عرض المنتجات وبقي على الأشكال القديمة، رغم كونها الأكثر جودة، ويقول: معالجة الأمر تحتاج الى إرادة لتطوير القطاع الزراعي خاصة، والصناعي وعدم ترك هذا الأمر على الفطرة التي مضى زمنها من حيث زراعة الأنواع التي تنافس منتجات الآخرين الأجنبية والعربية واستحداث طرق زراعية حديثة ثم إيجاد مكملاتها الصناعية من حيث طرق العرض والتعليب والإخراج الشكلي.