من يرعى الطفولة في العراق؟

1٬019

آية منصور /

لا يستطيع محمد سلام، (13 سنة)، القادم من محافظة الموصل بعد مقتل والده على يد داعش، أن يترك مهنته الشاقة بتصليح السيارات، ولو لدقائق معدودة. محمد الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها يتحول من طالب في الابتدائية الى عامل بمهنة شاقة وصعبة، سلبت طفولته وأحلامه ورمته في أحضان اليأس.
-يقول محمد: “لدي أخوات صغيرات، وأمي ربة منزل، فهل أجعل والدتي تعمل أو أخواتي؟ أم نعيش على المعونات والمساعدات؟ ليس لدي خيار آخر، سوى أن أعمل.

نصف مليون “طفل” عامل
لا أظن أن محمداً وحده من يواجه هذا الإحساس المؤذي والقاسي، فهنالك وحسب إحصائية اليونيسيف أكثر من 500 ألف طفل عراقي، لا يتجاوز سن الـ15، اضطروا لترك دراستهم، واتجهوا الى العمل في مهن عديدة وقاسية، بعضهم يعملون تحت أشعة الشمس اللاهبة، وهناك من يجلس تحت السيارات لتصليحها، او من يحمل أطنان المواد الغذائية على ظهره وقائمة المهن تطول، وضحيتها الطفل العراقي.
عند محاولتي التوجه الى منطقة العلاوي، شاهدت فتاة تبيع الماء بين الأرصفة والسيارات، اقتربت منها، سلمتني قنينة الماء مسرعة، لكن ما إن أطلت الوقوف قربها، حتى ناداها شخص آخر يقف في الجهة الأخرى، لم تجبني كثيراً عن تساؤلاتي لهروبها السريع لكنها أخبرتني :
– لم يحدث أن سألني أحد لماذا أعمل تحت الشمس هنا، لكني أعمل لإعالة أمي وأخواتي، أبي رجل مقعد، ما الحل؟ من أين نأكل؟
ذهبت تاركة خلفها أسئلة عن المصير الذي ينتظر هذه الفتاة.

من يرعى الطفولة؟
تؤكد السيدة زينة القره غولي، سفيرة رعاية هيئة الطفولة في العراق، أن ملف عمالة الأطفال كان سابقاً بيد هيئة رعاية الطفولة، لكن بعد العام ٢٠٠٣ أصبح شعبة تابعة للتشغيل في وزارة العمل باعتبارها تشرف على زيارات لمواقع تشغيل الأطفال في معامل الطابوق وتحيل بعض أرباب العمل إلى محاكم خاصة تمنع تشغيل الصغار.
تخبرنا القره غولي بوجود شعبة في كل محافظة، تضع قاعدة بيانات للعمل المنظم وغير المنظم، حيث أن المنظم مسجل في قاعدة بيانات بإشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والشعبة وغير خاضع للشروط، كما يتم صدور حكم قضائي بإغلاق المحل لتشغيل الأطفال في أعمال شاقة مثل فخر الطابوق وكذلك صب الزجاج، إضافة لمكائن السيارات الكبيرة.
وحسبما علمنا فإن وزارة الشؤون الاجتماعية كانت تعمل سابقاً، وكإجراء للقضاء على مشكلة عمالة الاطفال، على شمول ذوي الأطفال بالقروض الميسرة او رواتب الحماية الاجتماعية وهيئة ذوي الإعاقة، ولكن العمل بها توقف.
عدد ليس بالقليل مسجل كأطفال مهجرين (ذكور وإناث) عاملين في المشاريع الصناعية، وبإمكان وزارتنا تقديم المساعدة لهم من خلال شمول ذويهم بالخدمات، وتتم متابعة استمرار أطفالهم بالدراسة من خلال مقدمي الراتب او المساعدة المالية.

برنامج توعوي
يؤكد لنا مصدر إعلامي في الشؤون الاجتماعية (تحفظ على ذكر اسمه) أن الوزارة تعمل حالياً وبالتعاون مع وزارة التربية ومنذ سنوات على إعادة الأطفال والأحداث العاملين الى مدارسهم عن طريق التعليم النظامي الصباحي او المسائي او التعليم المسرَّع وحتى محو الأمية، لكن المفاجأة في بعض الأحيان تكون بعدم رغبه الأطفال في العودة.
ولأجل معالجة هذا الأمر تم إعداد برنامج يستهدف الأطفال وعوائلهم والهيئة التدريسية، برنامج توعوي وقائي يشرح مخاطر ترك الطفل للمدرسة وتواجده في بيئة غير ملائمة له وسوف يتم العمل به مع بداية العام الدارسي الجديد.
هذا الأمر يحتاج الى تعاون الجميع، بمن فيهم منظمات مجتمع المدني مع الوزارة لأجل إعداد فرق توعوية مؤهلة لإجراء مقابلات جماعية مع أولياء الأمور، فضلاً عن إمكانية مخاطبة وزارة العدل لتفعيل دور الباحثين الاجتماعيين المعنيين في المحاكم لتوعية الآباء المقبلين على الطلاق وشرح مخاطر ترك الأبناء لأنهم بدون رقابة سيكونون عرضة للاستغلال.

المسح العنقودي
تؤكد زينة عواد، الناطقة الإعلامية لمنظمة اليونسيف، أنه في تشرين الثاني من العام الماضي (2018)، تم إصدار المسح العنقودي متعدد المؤشرات، عن الظروف المعيشية للأطفال في العراق منذ عام 2011، ويقدم المسح بيانات أساسية عن العنف ضد الأطفال من خلال العمالة المبكرة لهم، والتعليم، والحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي، والصحة والتغذية.
-وفقًا للمسح، فإن ٧٨.٤% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 24 عاماً يستطعن القراءة والكتابة، ما يعني أن نحو ٢١ ٪ من الفتيات أميات.

جلسات نفسية مستمرة
وترى السيدة عواد أن اليونيسف تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والمراهقين الذين يحتاجون إلى الحماية والمعرضين للظروف الخطرة في عمالة الأطفال وتضيف قائلة: يتلاءم عملنا في مجال عمالة الأطفال وفقاً للحالة الشخصية لكل طفل، ونحن نعمل أيضاً مع الشركاء على مساعدة أطفال الشوارع للعودة لاستئناف تعليمهم.
يعمل الأطفال بسبب عدد من العوامل: فالفقر سبب رئيس، وكذلك الأعراف الاجتماعية التي في بعض الحالات تفرض على الأطفال أن يتصرفوا كالبالغين. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يعمل الأولاد الذين لا تتجاوز أعمارهم ١٣ عاماً ويساعدون في كسب عيش أسرهم.
وترى السيدة زينة أن بعض الأسر لا تعي كيف يمكن أن يساعد التعليم في تحسين مستقبل أطفالهم، وأن يكون مكان الأطفال في غرفة الدراسة وليس في الشوارع.
كما تدعو اليونيسف الجهات المسؤولة في العراق إلى زيادة الاستثمار في جودة التعليم وضمان التحاق كل طفل وطفلة في العراق بالمدرسة، ذلك أن مستقبل البلاد وازدهاره الاجتماعي والاقتصادي والأمني يعتمد اعتماداً كلياً على الاستثمار في التعليم.
-يجب أن يتمتع جميع أطفال العراق بالموارد التي يحتاجونها لتحقيق إمكاناتهم التعليمية، وقتها ستنتهي عمالة الأطفال.